مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مع الإمام القائد: مسؤولية العلماء والمبلّغين



ألقى ولي أمر المسلمين قائد الثورة الإسلامية سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي (حفظه الله) خطاباً لدى لقائه جمعاً من العلماء والخطباء وطلبة العلوم الدينية تحدث فيه حول مسؤولية العلماء والمبلغين. وبالنظر إلى أهمية الخطاب ارتأينا تقديمه للقراء الأعزاء.

أُرحب أولاً بالسادة المحترمين العلماء الأجلاء والفضلاء والخطباء والوعاظ والطلاب المحترمين الذين قدموا من طهران وبعض المدن الأخرى. ونأمل أن يكون هذا اللقاء وهذا المجلس من المجالس التي فيها خير وبركة وهداية لنا ولجميع المؤمنين. وهذه سُنّة حسنة في أن تتوفر فرصة عشية شهر رمضان المبارك لطرح بعض المسائل الواجب طرحها في أجواء العلم والعلماء.

إنني أشكر السادة المحترمين وأُرحب بهم في هذا اللقاء، وأودّ أن أطرح مسألة تتعلق بالعلماء بمختلف طبقاتهم ومراتبهم، وهي أن العلماء في بلدنا- ومنذ عدة قرون على الأقل- كانوا سبباً لتحولات اجتماعية ودينية وسياسية مهمة أو كان لهم دورهم في هذه التحولات بسبب وضعهم الخاص وعلاقتهم بالناس، والاعتقاد الذي كان لدى الناس تجاه العلماء- كما حصل في قضية المشروطة (الدستورية)، أو تأميم الصناعة النفطية. والأوضح من كل ذلك في انتصار الثورة الإسلامية وانتشارها- وليس الطلاب الشباب والمتحمسون هم الذين أثّروا لوحدهم في المجتمع قبل النصر. إنّ جميع السادة المتصدين لهذه الأمور يعرفون أن مشاركة العلماء من أهل المكانة الاجتماعية والشيوخ المحترمين من أهل العلم الذين يحترمهم الناس- وإن لم تكن لهم خلفية في الثورة ولم يدخلوا السجن ولم يكافحوا ولم يصدورا بيانات- عندما قرّروا في السنة والشهور الأخيرة دخول الساحة ودخلوها، كان لمشاركتهم تأثير كبير في دفع جميع طبقات الشعب إلى المسيرات.

إن شعور المرأة بالتكليف داخل المنزل، وشعور الشيوخ والذين لم تكن لديهم خلفية ثورية بالتكليف، والشعور بالتكليف في المدن والقرى، وثورة الشعب بصورة مفاجئة؛ كانت بفعل المشاركة الشاملة لعلماء الدين كبيرهم وصغيرهم، شيوخهم وشبابهم، وفقهائهم الطاعنين في السن، ووعّاظهم المتحمسين. فدخول هؤلاء الساحة تبعه دخول جميع طبقات الشعب الساحة.
كان الحال هكذا في إيران- ولعله في بعض الدول الإسلامية أيضاً- في القرون الثلاثة أو الأربعة الأخيرة، ولعله كان مختلفاً قبل ذلك، ولا نريد أن نحكم على المناطق التي ليس لدينا اطلاع صحيح عليها، أما في بلدنا فقد كان هكذا.

ولو لم يكن العلماء لكان من الممكن أن تدخل طبقة من الشعب الساحة وتصمم فئة من المجتمع على الثورة، ولكن قمع وترويض فئة ما ليس أمراً صعباً. أمّا الشيء الذي لا يمكن القضاء عليه ولا يمكن سد طريق النصر عليه، فهو عامة الشعب، وإذا أرادت طبقات المجتمع كلها أن توجد في مكان ما، فيجب أن يكون العلماء هناك، وإذا وجد علماء الدين في مكان ما فمعنى هذا أن جميع الطبقات والأكثرية الساحقة للشعب ستوجد هناك، وهذه طبيعة بلدنا. وهو أمر قد ثبت خلال قرون طويلة. فما هي علة هذا؟

إن العلة هي وضع العلماء، وقد قلت مراراً أن علينا أن لا نتصور أن كرامة الجيل الحالي من العلماء قد أدت إلى اندفاع الشعب نحو الثورة، كلا، فهذا خطأ، حيث أن كرامة العلماء منذ ألف سنة- والتي كانت ذخيرة لا تنفد- قد أدت إلى هذا النصر وهذا النجاح.

إن هذه الكرامة التي عمرها ألف سنة هي نتيجة قرون طويلة من علم وتقوى العلماء الكبار، أي أن العلامة الحلي له دور في ذلك والمحقق والمجلسي والشهيدين والشيخ الطوسي والسيد المرتضى والشيخ الأنصاري كل له دور، والعلماء الكبار في النجف لقرون طويلة لهم دور، وعلماء قم لهم دور المرحوم الحاج الشيخ (يقصد آية الله العظمى عبد الكريم الحائري) له دور والمرحوم السيد البروجردي له دور. أي أن آلاف الناس الممتازين قد أمضوا أعماراً في الطهارة والتقوى وأنشأوا مؤسسات علمية رفيعة المستوى وقدّموا مؤلفات علمية حتى اعتقد المجتمع والشعب تدريجياً بالعلماء بصورة جذرية، فليس الأمر أن مجموعة وجيل اتبعوا شخصاً لفترة، ولم يتبعه الجيل اللاحق. وعندما تصبح المحبة متجذرة فإنها تُورَّث، كالخصال الإنسانية وتنقل من جيل إلى جيل آخر كمحبة الحسين بن علي عليهما الصلاة والسلام ومحبة أهل البيت عليهم السلام.

 فهذه أمور لا تكون لدى جيل من الأجيال، فيأتي جيل آخر ويحاول تعلمها، كلا، فهي لا تأتي عن طريق التعليم، بل يورّثها جيل إلى جيل آخر، فهي تنتقل عن طريق تربية الآباء، تربية الأمهات، ودلال المربّين، وفي مناغاة المرضعات للأطفال، وبهذا المعنى تتجذر مسألة ما، وقد كان وما زال الاعتقاد بالعلماء في مجتمعنا متجذراً.

* تأثيرات انتصار الثورة الإسلامية
وعندما يوجد هذا الأمر وهذا الأثر كالثورة- فالثورة وتشكيل الجمهورية الإسلامية ليس أمراً سهلاً- فهو يعني تهديداً لجميع القوى الكبرى في العالم، وانتصار الثورة يعني صحوة أكثر من مليار مسلم من نوم مئات السنين، ويعني أن تنهض جماعة من العلماء المسلمين وجماهير الشعب فجأة ويشدون القبضات ويطرحون شعار إحياء الإسلام، وهذا هو انتصار الثورة.

إن انتصار الثورة ليس قيام أربعة ضباط بانقلاب عسكري للإطاحة بحكم وتبديله بحكم آخر، ثم يأتي شخص آخر يطيح بهذا الحكم ويأتي بذلك الحكم.

إن قضية انتصار الثورة ليست هذه، فانتصار الثورة يعني رفع الراية التي بذلت القوى العالمية جهوداً جبارة وصرفوا أموالاً كثيرة وقاموا بتدابير كثيرة وقتلوا أُناساً كثيرين وعملوا كثيراً لانتكاسها، ولكن الثورة الإسلامية انتصرت فجأة وأبطلت كل تلك المخططات وهددت مصالح الحكام، وهذا هو معنى انتصار الثورة الإسلامية.

وعندما يكون لهذه الكرامة وانتشار التدين والعلماء بين الناس هذا الأثر الكبير، عند ذلك يحتمل وقوع حادثتين عظيمتين:
إحداهما
: أن نحافظ على انجازات ذلك السلف الطاهر والعالم والمقدّس وعلى كرامتهم؛ وإلا زال هذا الأمر الذي ترسخ وتجذر تدريجياً.
فكيف نحافظ على كرامتهم؟ وهذا بحاجة إلى تفصيل. فأولاً أنهم كانوا علماء، فلنسعى لتطوير وتنمية علومهم، وقد كان علمهم شيئاً كبيراً ومهماً. لا تنظروا إلى عدة أشخاص لا يدركون المسائل الفقهية والحقوقية للإسلام ولا يعلمون شيئاً عن الفلسفة والكلام الإسلامي وإن كان لديهم تبحّر شكلي في فرع من الفروع أو ليس لديهم، لكنهم لا يعلمون وبسبب عدم المعرفة هذه يوجّهون إهانة وتحقيراً للماضين، لا تنظروا إلى هؤلاء. إن فقه الشيعة يثير العجب لدى أهل الفهم والفن من حيث التقدم والدقة العلمية، فعندما يقوم إنسان مثل صاحب الجواهر لوحده بكتابة دورة فقهية من أولها إلى آخرها بتلك الدقة والتحقيق، ويكتب لوحده دائرة معارف في الحقوق الإسلامية، فإن هذا أشبه بالمعجزة، وهكذا هو الشيخ الأنصاري وصاحب الرياض وبقية العلماء الكبار.

إن الشيخ المفيد له 200 مؤلف، وللعلامة الحلي ما يقارب الـ 300 مؤلف، وهكذا الخواجة نصير الطوسي والشيخ الطوسي، هؤلاء مبلّغون كبار لدى أهل الفن. وطبيعي أن الإنسان الجاهل الذي لا علم له، لا يفرق بين حقوقي كبير وإنسان أُمّي يمران أمامه، وهو يرى أن طبيباً كبيراً يساوي إنساناً جاهلاً. وتشخيصه هذا ليس معياراً، بل المعيار هو تشخيص أهل الفن، والمجتمع العلمي للشيعة عظيم ورفيع.
فلا تنظروا إلى الذين يحتقرون ذلك ويقولون بأن أُولئك لم يفعلوا شيئاً، فهم لا يفهمون ماذا فعل هؤلاء، فلا يمكن لكلّ شخص أن يضع معياراً للنقد ويتكلم- وإن لم يكن من أهله- فهذا الأسلوب هو أسلوب السفهاء، وليس أسلوب العلماء.

* وظيفة الوعاظ والمبلّغين
إن المجتمع العلمي إذا أراد اليوم تكريم ذلك الإرث الكبير فعليه أن يتقدم في مجال العلم. الحوزات العلمية في ميدان، والعلماء الآخرون في غير الحوزات العلمية في ميدان آخر. ولو فرضنا أنكم تسعون في مجال الوعظ والتبليغ- حسن جداً- فلتكن الأقوال والكلمات علمية، ويجب تجنب الكلام الضعيف، وتجنب صعود المنبر من دون مطالعة، ومعرفة أفضل الأقوال حول المسائل الإسلامية، وطبعاً قد يفرض ذلك تقليص عدد المنابر التي نصعدها ولكن لا اشكال في ذلك، فهذه وظيفة، الذي يتكلم جيّداً يضطر إلى تقليل الكلام.

يجب على من يقوم بوظيفة التبليغ في الجامعات، أو في الجيش والحرس أن يدرك الحاجة الفكرية لتلك الجماعة التي يخاطبها، وهنا لا محلّ للخمول الذهني، بل ويجب أن يعرف الحاجة بشكل واعٍ ويفهم ما هو السؤال الابهام في ذهن الطرف المقابل- وإن لم ينطق- ويعمل على حل ذلك السؤال بصورة علمية، فإن تمكن من حلّها فبها، وإلاّ فليذهب إلى من هو أعلم منه، وهكذا أيضاً جميع العاملين وإن لم ترتبط أعمالهم مباشرة بالعلم والدراسة كالأعمال القضائية التي هي أعمال علمية ولكنها لا ترتبط بصورة مباشرة بالدراسة والتقدم العلمي. إن على القاضي والحقوقي الإسلامي أن يعمل بدقة ويسعى للعثور على الحكم الإسلامي الواقعي في هذه الحادثة.

كان هذا في باب العلم، وباب التقوى والقدسية واضح أيضاً، فالعالم الحريص على الدنيا مرفوض، والعالم الذي لا يجتنب المحرّمات مطرود، وذلك لا يعني أن على العالم أن لا يتمتع بمتع الحياة. طبعاً هناك بعض المراتب التي يجب فيها- عقلاً وإنصافاً- غضّ النظر عن المتع، فالعلماء هم أيضاً كبقية الناس، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أنا إلاّ بشر مثلكم". حيث يجب أن يتمتعوا بالمتع العادية في الحياة، ولكن هناك شيئان ممنوعان، أن يلاحظ عليه حرصه على الدنيا ولو لم يقم بفعل حرام حسب الظاهر، ولكنه يتحرك يميناً ويساراً لعله يتمكن من جمع الدنيا، لماذا؟! لأن هذا يتعارض مع كلامنا، وهذا يخالف (القدسية)، أو لا يكون لديه ورع عن الحرام. فيلاحظ أن الغيبة والكذب وبعض المحرمات المختلفة- لا سمح الله- تكون لديه سهلة. فوظيفة هذا الجيل هو المحافظة على كرامة الماضين، سواء من حيث الاستمرار في التقدم العلمي، أو من حيث المحافظة على الكرامة القدسية والتقوائية.

تلاحظون أن العناصر التي تريد هدر كرامة الجمهورية الإسلامية عن طريق التهم والكذب للطعن بقدسية وجهود العلماء، ينشرون الأخبار الكاذبة والحوادث المفتعلة ويضخمون الأشياء الصغيرة من أجل تضييع كرامة العلماء، فيتضح أن الكرامة هذه لها أهمية لديهم، حيث يعرفون مدى تأثيرها إن وجدت أو بالعكس إن فقدت يقوم البعض باستنساخ ذلك وتغليفه بلباس علمي ولباس البحث الاستدلالي، وكأنهم يقومون ببحث علمي، فيقولون أنه ليس هناك علم وتقوى في الحوزة العلمية! كلا أيها السادة، فالتقوى والقدسية في هذه الطبقة هي أكثر مما في سائر الطبقات. انظروا إلى طلاب الحوزة العلمية، إلى دخولهم ورواتبهم، فأكثر دخلٍ لحوزوي فاضل معين في حوزة قم التي هي أفضل الحوزات هو أقل بكثير من الدخل المتوسط للعمال والموظفين في الدولة، أنه أقل من النصف- ونصف رواتب العمال واضح حالياً-، فراتب الطالب الفاضل في الحوزة العلمية في قم- ولا نقول حوزة مشهد وأصفهان والمدن الصغيرة- هو نصف راتب العامل، ومع هذا فهم يعيشون عيشة تقوى وطهارة، وهذه هي القدسية، وهذا هو الورع وعدم الاعتناء بالدنيا. وطبعاً هناك أناس غير صالحين، ولكن الأكثرية والشكل الغالب هو هذا الذي نشاهده في الطلاب. وهذه الأمور الممتازة إذا بقيت لدى الطلبة طيلة سنوات تولي المسؤولية، فإنها علو في المقام والدرجة. إن على هذه الطبقة أن تفكر بنفسها، وتفكر بتلك الذخيرة وتلك الكرامة، وطبيعي أنه بالإمكان زيادة تلك الكرامة، كما عمل إمامنا الكبير الذي رفع وعزّز من كرامة العلماء من زمن الشيخ المفيد حتى اليوم، وأوضح قدرة العلماء في مواجهة السيئات والظلم والجور. فأوضح كيف يمكن للعالم أن يكون وارثاً لعيسى وموسى وإبراهيم والنبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم.

أفّ للذين لا يعرفون قيمة الدور الرفيع لهذا الرجل الكبير ويتصورون أنهم مخلصون للعلماء أو محبّون لهم، أُفّ لجهالتهم ولغفلتهم وكيف أنهم لا يعرفون ولا يفهمون التقويم الصحيح.

والحادثة الثانية: هي أننا عندما نواجه تلك العظمة فعلينا أن نتوقع عداء الأعداء، عليكم أن تعلموا أنكم حين تعملون على رفع الظلم عن المظلوم، فإن الظالم سوف يحمل في قلبه حقداً عليكم، وهذا أمر لا مفر منه.
عندما تكونون قادرين على إثارة شعب لمواجهة الظلم القائم، فيجب أن تعلموا أن الظالمين سوف يرفضونكم ويقومون بأي عمل يستطيعونه، وهم طبعاً عقلاء ماديون لا عقلاء واقعيون، وهم أذكياء ويبدأون بأسهل الطرق، فيحاولون أولاً إغراءكم ليبعدوكم عن طريقهم، وإلاّ فبالتهديد، وإذا لم يحصل ذلك فبالعمل، وإذا لم ينجحوا فبالإعلام، وإلاّ فبالتصفية الجسدية، وإذا لم يتحقق كلّ ذلك يقومون بالتصفية الروحية واغتيال الشخصية، وعلى أي حال فهم يريدون تفريغ سمومهم، وهذه مواجهة بينكم وبينهم، ولا مزاح فيها.

اعلموا أن أعداء الإسلام اليوم يعارضون العلماء بشدة ويقومون بأية محاولة ممكنة، وهم مخالفون للإسلام قبل عدائهم لكم، فإن تمكنوا من فصلكم عن الإسلام والوظيفة الإسلامية ارتاح بالهم وعند ذلك لا تعودون خطراً عليهم. إنهم يعارضون الإسلام.

أيها السادة المحترمون، السياسات الاستكبارية حاولت بكل ما يمكنها في السنوات الأخيرة، إسقاط اعتبار وكرامة الإسلام في عيون جماهير شعبنا وبقية الشعوب، حاولوا إسقاط اعتبار الإسلام في عيون الشعوب المسلمة ومحو تمسكهم بالإسلام، وإلهاءهم بالفساد وإشغال أذهانهم بالشبهات ومحو إيمانهم العميق، وقد حاولوا ذلك في بلدنا، وبذلوا كل ما يمكنهم في العراق وفي دول شمال أفريقيا والشرق الإسلامي. ومن الأمور التي قاموا بتبليغها بقوة هي مسألة (الأصولية الإسلامية) فقالوا إن الإسلام يختلف عن الأصولية الإسلامية، وزعموا أنهم لا يعارضون الإسلام، بل يعارضون (الأصولية). فماذا تعني (الأصولية)؟!

إن فهمي وفهمكم (للأصولية) يختلف عمّا تفهمه جماهير الناس وأجواؤهم الثقافية في الغرب- فهي تداول لغوي- إن (الأصولية) في رأينا هي الالتزام بالأصول والأسس الدينية، وهو ليس بأمر سيء ونحن نفتخر بذلك. فعندما يقولون بأنكم أصوليون، نقول نعم إنّنا أصوليون، ولا ننكر ذلك، فالالتزام بالأصول ليس أمراً سيئاً.
فالشرف الأخلاقي أصل، والصدق أصل، والعدالة أصل وأساس أخلاقي، وعدم الخيانة ونبذ الأعمال السيئة هي أساس أخلاقي، والجميع يلتزم ويفخر بهذه الأصول الأخلاقية والأساسية ولا يعتبرها سيئة، وهكذا نفهم القضية وبهذه الرؤية الصحيحة.

إن بعض الحكومات يشجع الشعوب على الالتزام بالتقاليد البالية والقوميات المندثرة التي لا معنى لها، فيخرجون العظام البالية لأجدادهم من القبور ويعطونها قدسية، وفي الدول الأوروبية تلاحظون أنهم يشجعون بعض التقاليد والآداب المندثرة التي لا معنى لها حتى يحافظوا عليها. إنه لا إشكال في أن يلتزم الإنسان بأصول الدين والأصول السامية للإيمان والمعرفة الدينية- وهذا أمر حسن، وهذا هو فهمنا ورأينا-.أما في التداول الثقافي للغرب فإنهم اعتبروا الأصولية مساوية للتحجّر، مساوية لحالة الانغلاق عن سماع القول السديد وعدم فهم المنطق، فهم في الحقيقة يتهموننا بذلك، حيث لا يقولون أننا ملتزمون بالتوحيد والصدق في الكلام والزهد عن الظواهر المادية، بل يقولون أن هؤلاء متحجّرون ويغضّون الطرف عن مشاهدة التقدم الموجود في العالم، وهذه تهمة وكذب؛ حيث يريدون بذلك إسقاط الإسلام من عيون المجتمعات الإسلامية وإزالة إيمان الجماهير المسلمة بالإسلام، وإبعاد الجماهير الغربية التي لديها ميول للإسلام، هذا هو الإعلام الذي يقومون به.

* سلمان رشدي المرتد، عميل للصهاينة
والنكتة المناسب طرحها هنا، هي أنهم بدأوا بإهانة الإسلام، واتخذوا ذلك سياسة. انتبهوا جيداً!! عندما يكون هناك شيء مقدس لدى مجتمع يبلغ تعداده ملياراً، ويتحرك على هذا الأساس، فإنّ اهانته عمل صعب، حيث لا يتجرأون على إهانة الإسلام، ولذلك ترون أن رؤساء الجمهوريات في أميركا والدول الكبرى لا يتجرأون على معاداة الإسلام وإهانته بشكل صريح، لذلك قاموا بالبحث عن عناصر ليجعلوهم درعاً لهم ويطلبون منهم إهانة الإسلام، في زي مثقف، أو زي شاعر أو كاتب حتى تروّج للإهانة إلى الإسلام شيئاً فشيئاً. وقد بدأوا هذا العمل عن طريق كتاب آيات شيطانية لذلك المرتد، الذي كتب كتابه في بريطانيا ولكن المجلات الأميركية التي كانت ترسل إليّ، واستغربت من ضخامة الدعاية لهذا الكتاب.

فهو كتاب كتبه شخص في بريطانيا، إلى جانب كل هذه الكتب التي تؤلف، لكن ما هي العلة في اتحاد جميع أهل الصحافة في العالم، والكتاب المرتزقين والصهاينة الذين يديرون أكثر الصحف ومحطات الإذاعة والتلفزيون في العالم، للدعاية لهذا الكتاب؟! وماذا يوجد في هذا الكتاب؟!

لقد اتضح ما يوجد فيه، فقد كان من المقرر أن يفتح هذا الكتاب طريقاً لإهانة الإسلام والاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قام ذلك المرتد بهذا العمل، فكتب ما يسمى بقصة خيالية وذكر اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأسماء زوجات وأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووجّه إهانة بشكل وقح.

وعندما ينشر هذا الكتاب ويقرؤه الناس شيئاً فشيئاً، تصبح إهانة الإسلام عادية بالتدريج، وكانوا يريدون ذلك، وهنا دفع الإلهام الإلهي ذلك الرجل الرباني للقيام بتلك الحركة العظيمة فأفشل مؤامراتهم، وقد برز الإمام هنا على أساس هذا الفكر وهذا الفهم الدقيق والنوراني- وهو نور يلقيه الله في قلوب عباده-، وكانت فتوى ارتداد هذا المرتد، التي أصدرها الإمام نوراً إلهياً. فالإمام سد الطريق عليهم، فتحيّر العالم فجأة. وقد رأيتم أن الدول الأوروبية قد استدعت جميع سفرائها من إيران بسبب إصدار الإمام فتوى الارتداد وقال بوجوب إقامة الحد الشرعي على هذا المرتد. فهل أن ذلك كان من أجل كتاب عادي؟! أي أن الحكومات البريطانية والفرنسية والايطالية وغيرها تتألّم من أجل إنسان واحد؟!

إنهم يبعدون آلاف الناس من أجل أمر تافه. فأيّهم لم يقم بذلك؟ أيّهم لم يقتل الناس جماعات جماعات؟ أيّهم لا يقوم الآن بقتل آلاف الناس إذا وقع أمر واقتضت مصالحهم؟! هل أن قلوبهم تتألّم للإنسان؟ لقد قام الصرب بمجازر جماعية ضد المسلمين، ويقوم الإسرائيليون بتعذيب الفلسطينيين أصحاب الأرض، وهم ينامون مرتاحين، لكن عندما يتقرر إعدام شخص واحد يقومون بهكذا رد فعل. إنها قضية أخرى.
فقد كانت هناك خطة لإهانة الإسلام والإساءة إليه، وقد أفشل الإمام بتلك الفتوى جميع مخططاتهم فجأة. وكانوا غاضبين. وقد أصر العالم الإسلامي على ذلك وأثبت تبعيته لفتوى الإمام، وبعد مضي فترة، تصور ذلك الجاهل وسائر الجهلة المحيطين به أن القضية انتهت، كلا، إن هذه القضية لا تنتهي.

وقد قلت في ذلك الوقت وفي إحدى المقابلات التي أجريت معي في أوروبا عندما سئلت عن فتوى الإمام، قلت أن الإمام أطلق رصاصة على هذا الرجل الفاجر وقد خرجت الرصاصة من المسدس والهدف كان صحيحاً، وستصل الرصاصة إلى الهدف عاجلاً أم آجلاً، ويجب تنفيذ- وسوف ينفذ- هذا الحكم.

يجب أن يقوم جميع المسلمين القادرين على إزالة هذا الرجل وهذا الكائن الضّار والقبيح واللئيم وفاسد الفطرة المعادي للإسلام من طريق المسلمين ويجب معاقبته. ولا شك في أن ذلك هو وظيفة الجميع، جميع القادرين على ذلك وتصل أيديهم إلى هذا الشخص، لتنفيذ الحكم فيه.

يسألون هل تغيّرت فتوى الإمام؟ وهل يمكن أن تتغيّر هذه الفتوى؟ وهل يمكن لشخص منا أن يعقد صفقة بهذه القضية؟!
فإذا كانت الحكومة البريطانية أو الحكومة الفلانية في أوروبا منزعجة، فنحن أيضاً منزعجون من كثير من أعمالهم، وهل أعطينا وعداً بعدم القيام بأي أمر يزعج الحكومة البريطانية؟!
إن الحكومة البريطانية منزعجة من استقلال إيران أكثر من أي شيء آخر، وهؤلاء هم الذين نهبوا هذه الدولة سنين طويلة. والآن ماذا يجب أن نعمل إذا كانوا منزعجين من استقلال بلادنا.

إن الحكومة البريطانية لو توفرت لها الفرصة حالياً لعادت إلى الخليج الفارسي كما عادت إليه في زمن اللورد كورزون، لتصدر الأوامر للحكومات المطلة على الخليج الفارسي ومنها إيران. أن الشعب الإيراني لا يسمح لأية حكومة- سواء الحكومة البريطانية أو الحكومة الأميركية، أو أية قوة عظمى- التدخل في شؤوننا وفي رغباتنا وفي أهدافنا الكبيرة ومقدساتنا. وإذا أرادوا حل هذه المشكلة بسهولة، فيجب أن يسلّموا هذا الشخص المرتد والملحد إلى المسلمين، ويعلنوا أن هذا الشخص قد ارتكب جناية. فتعالوا أيها المسلمون وخذوه وقوموا بمعاقبته كما تشاؤون. وهذا هو الطريق العقلاني. يجب أن يقوموا بهذا العمل. لماذا لا يقومون به؟! ونحن نعترض عليهم لأنهم حالوا دون تنفيذ حكم الإمام؟ فما هو اعتراضهم؟

إن تلك الأمور هي تحذير لي ولكم. اعلموا إذا غفلنا أنا وأنتم قليلاً فإن العدو سوف يهاجم مقدساتنا، وهذا مثال واحد، وهناك أمثلة كثيرة من هذا النوع.

تكاليفنا كبيرة ونحن مقبلون على شهر رمضان، يجب أن نهتم بأنفسنا وبالناس لو نعلم أننا إنْ لم نهتم بأنفسنا، فلا يمكننا الاهتمام بالناس أيضاً.

إن أدعية شهر رمضان، وأيام شهر رمضان، وهذه المناجاة وهذا التضرع وهذه الأذكار والنوافل هي من أجل أن ننوّر أنفسنا قليلاً. وإذا تنورنا نستطيع عند ذلك أن نواجه الآخرين وإذا لم نتنور فإننا لا نستطيع تنوير الآخرين، مهما قلنا فإنه سوف يكون أمراً زائداً مضراً وغير مفيد.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لبناء أنفسنا والمساعدة على بناء معنويات وروحيات الناس وأن يجعل القلب المقدس لولي العصر (أرواحنا لمقدمه الفداء) رؤوفاً بنا ويشملنا بدعائه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع