مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الإشارات العلمية في القرآن: نشوء الكون



* الحلقة الثانية
سؤال حيّر معظم الفلاسفة الغربيين والعلماء الطبيعيين والإنسان بشكل عام ألا وهو لحظة نشوء الكون؟!
توصل العلم الحديث في العشرينات من القرن الحالي إلى وضع نظريات تفسر نشوء الكون، أي ساعة الصفر ومن أبرز وأصدق هذه النظريات نظرية الانفجار الكبير حيث تقول الفيزياء الحديثة أنّ العالم قد ولد نتيجة انفجار هائل أدّى إلى تمدّد واتساع المادة وانتشارها الذي لا يزال لحظة – أي التمدّد- إلى يومنا هذا، وهذا الانفجار ليس بالمعنى المألوف على الأرض والذي يبدأ من مركز معيّن ثمّ ينتشر مغطياً مساحة أكبر، لكنّه انفجار عمّ كلّ الفضاء في الوقت نفسه، فلو أخذنا مثلاً انفجار غاز خام صغير الحجم ومرتفع الضغط لوجدنا أنّ قوة تتولد نتيجة الفرق بين ضغط الغاز ومحيطه تجبر الغاز المضغوط على التمدّد أكثر فأكثر، أمّا الانفجار الكوني فلا يمكن تصوّره كانفجار كتلة عالية الكثافة ومحاطة بفراغ ما لأنّ الكون ليس محاطاً بفراغ.

أمّا ماذا حصل بالتفصيل:
كانت حرارة الكون في اللحظات الأولى تساوي حوالي المئة ألف مليون درجة مئوية 15 C وهي درجة مرتفعة جداً إلى حد يستحيل معها أن تكون الأجزاء المكونة للمادة العادية (جزئيات، ذرات، نوى الذرات) موجودة.

وبعد اللحظة الأصيلة للخلق كان يكفي بضع أجزاء مليارية من الثانية حتّى دخل الكون في مرحلة خارقة يدعوها الفيزيائيون "العصر التضخمي". وفي خلال هذا العصر البالغ القصر (الذي امتد من 10-35 إلى 10-32 ثانية) إنفتح الكون بمعدل 10-50 حيث انتقل طوله من حجم نواة ذرة إلى حجم تفاحة بلغ قطرها عشرة سنتيمترات أو بكلام آخر إنّ ذلك التمدّد المدوخ أعظم بكثير من الذي سيليه، فمنذ العصر التضخمي حتّى اليوم لم يزداد حجم الكون إلاّ بمقدار ضئيل نسبياً إلى مليار مرة تقريباً...

والحال الآن أنّنا أمام عالم في حجم التفاحة والساعة الكونية تشير إلى 10-32 ثانية، حيث اكتمل العصر التضخمي ولم يكن هنالك سوى جزء واحد أطلق عليه الفيزيائيون الفلكيون اسم الجزء “X” فإنّه الجزء الأصلي الذي يسبق كلّ الجزئيات الأخرى ويكمن دوره في نقل القوى فقط.

وفي تمام الوقت 10-31 ثانية، حدث شيء ما أدى بالجزئيات x إلى ولادة الجزئيات المادية الأولى: الكواركات، (وهو أصغر جزء في الذرة يتألف منه البروتون والنيترون ولا يزال حتّى الآن افتراضاً نظرياً) الإلكترونات، (جسيمات لا كتلة لها في السكون لكنّها تنقل كمية من الطاقة تتناسب عكسياً مع طول موهبتها) النيترونيات، (جسم أولي غير مشحون كهربائياً) وجزئياتها المضادة كالبوزيترونات e+ (ذات شحنة موجبة وكتلة مساوية للإلكترون) وغيرها."

عدد الوقت 10-32 من الثانية كان أوّل انتقال من طور إلى طور حيث انفصلت القوة الشديدة (التي تكفل تماسك النواة الذرية) من القوة الكهربائية الضعيفة (الناجمة عن انصهار القوة الكهرطيسية وقوة التفكيك الإشعاعي). وفي هذا العصر كان الكون قد كبر بمقادير مظهرية حيث بلغ مقدار متر من أقصاه إلى أقصاه وفي داخله يسود عهد الدياجي المظلمة والحرارات التي لا يمكن تصورها ويجري الزمان إلى 10-11 من الثانية حيث انقسمت القوة الكهربائية الضعيفة إلى قوتين متمايزتين:

التفاعل الكهرطيسي والقوة الضعيفة ولم يعد في مستطاع الفوتونات الاندماج مع جزئيات أخرى مثل الكواركات والفليونات واللتيونات...

إذاً لقد ولدت القوى الأربع الأساسية وهي:

(1 القوة النووية الشديدة (وهي قوة مهمتها صمغ جزئيات النواة وهي التي تمسك جزئيات النواة في الذرة وهي أشد القوى). (2 القوة الكهرطيسية: (ومهمتها صمغ الذرات وغداؤها وهي القوة التي تمسك بالذرات التي تتكون منها العناصر الطبيعية للأشياء). (3 القوة النووية الضعيفة: (وهي التي تنظم عملية تحويل وتفتيت الجزئيات في الذرة وتنحكم في موت المادة، فكل عنصر من العناصر الطبيعية له أجل مسمّى والقوة النووية الضعيفة هي التي تنظم ذلك). (4 قوة الجاذبية: (وهي القوة التي تحكم الأشياء الكبيرة المرئية، ففي الكون كلّ شيء يتحرك يجذب والجاذبية غراء الكون إلى صمغه).

بين الوقت 10-11 و 10-12 من الثانية تواصل التمايز والتباين، ولكن في الحقبة طرأ حدث جوهري حيث اتحدت الكواركات مع الفيرتونات N ، (جسم أولي غير مشحون موجود داخل النواة له نفس كتلة البروتون تقريباً) ومع بروتونات P (جسم أولي مشحون بالإيجاب موجود داخل النواة) وتلاشت حينها معظم الجزئيات المضادة مفسحة المجال أمام جزئيات العالم الراهن وفي خلال الكسر العشري من ألف من ثانية ولدت الجزئيات الأولية وواصل الكون تميعه وبرودته وبعد مرور مئتي ثانية تقريباً من اللحظة الأصيلة تجمعت الجزئيات الأولية لكي تكون نظائر نوى الهيدروجين والهيليوم وظهر العالم كما نعرفه تدريجياً.

وبعد هذه المراحل الأولية التي ذكرناها والتي دامت حوالي ثلاث دقائق سارت الأمور على نحو أبطأ، ففي غضون ملايين الأعوام استحمّ العالم في إشعاعات وفي جبلة غازية عاصفة وفي حوالي المئة مليون سنة تكوّنت النجوم الأولى في زوابع وأعاصير غازية هائلة، في لبها انصهرت ذرات الهيدروجين والهيليوم لكي تولد العناصر الثقيلة التي ستجد طريقها إلى الأرض في وقت متأخر بعد مرور مليارات الأعوام.

* مرتكزات الانفجار الكبير
إنّ ما أتينا على وصفه أيّ الانفجار الكبير يرتكز على ما يسلم به الفيزيائيون الفلكيون في أغلبيتهم اليوم بوصفه النموذج المعياري، ولكن هل يملكون أدلّة معقولة على أنّ الأمور جرت حقاً على هذا النحو، هل حدث حقاً الانفجار الكبير؟
هناك على الأقل ثلاث مشيرات يستدلون بها وهي على النحو التالي:

المشير الأول: عمر النجوم، فالمقاييس التي تتناولها، أقدمها تشير إلى عمر يتراوح بين 12 و 15 مليار سنة، وهذا متناسب ومنسجم مع عمر الكون منذ ظهوره المفترض.

المشير الثاني: يرتكز على تحليل الضوء الذي تبثه المجرات، فهذا النور يشير إلى أنّ أجرام المجرات تتباعد عن بعضها البعض بسرعة تكون أكثر ارتفاعاً بقدر ما تكون نائية وهذا يوحي بأنّ المجرات كانت في الماضي مجتمعة في منطقة واحدة في قلب غيمة أولية أو سديم عمره 15 مليار سنة.

المشير الثالث والأكثر حسماً: فقد جرى في سنة 1965 تبيان وجود إشعاع في مناطق الكون ضعيف التوتر جداً مماثل لإشعاع جسم ذي حرارة منخفضة جداً 3 درجات فوق الصفر المطلق والحال أنّ هذا الشعاع والذي يسمى بالنور الأصفوري ليس بشيء سوى أثر ما، وهو الصدى الطيفي للفيضانات الحرارية والضوئية التي شهدها الكون في لحظاته الأولى.

* الوجهة القرآنية
أمّا القرآن الكريم، فلقد سبق علم الفلك والفيزياء حينما قرّر أنّ السماوات والأرض كانتا قطعة واحدة وانفصلت وذلك بنص الآية الكريمة 30 من سورة الأنبياء حيث تقول: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَفكلمة رتق تعني ضماً وجمعاً وكلمة فتق تعني لغوياً فصلاً، أي أنّ السماوات والأرض كانتا مجموعتين ففصلهما المولى.

* توسع الكون
أعلن العالم "سيلفر" عام 1912 أنّ المجرات تتباعد عن مجرتنا بصورة متزايدة، وفي عام 1916 جاءت نظرية النسبية العامة لإينشتاين وأيدت نظرية توسع الكون وفي عام 1916، أكّد العالمان "همست" و "هوبل" هذه النظرية ووضع هوبل القاعدة المعروفة باسمه، أو قانون تزايد بعد المجرات بالنسبة لمجرتنا وبالنسبة لبعضها البعض، وبفضل هذا القانون أمكن حساب عمر الكون التقريبي، وأيضاً مع تقدم علوم الفيزياء الحديثة أمكن بواسطة دراسة طيف (Spechra) ضوء النجوم والمجرات وانزياحه نحو الأحمر – والطيف (Specrha) نحصل عليه عند تحليل الضوء بواسطة المنشور أو غيره – إن تحسب السرعة التي تبتعد بها المجرات عن بعضها البعض (لأنّ كلما تباعدت النجوم والمجرات عنا انزاح طيفها نحو اللون الأحمر).

وقد لوحظ أيضاً أنّ مجموعة المجرات المعروفة بكدس العدار يتزايد بعدها عن مجرتنا المسماة بالبنية 1200 كلم في الثانية، ومجموع المجرات المعروفة بكدس العذراء والذي تفصله عنا مسافة ملياري سنة ضوئية تقريباً (السنة الضوئية تعادل 10 آلاف مليار كلم)، يتزايد بعدها عنّا 60 ألف كلم في كلّ ثانية. وفي الختام وبصورة عامة فإنّ المجرات وتجمعات المجرات وأكداس المجرات هي أشبه ما تكون بكتل غازية هائلة من المجرات، ما تزال تتوسع وتنتشر ويتوسع معها الكون منذ حصل الانفجار الهائل في الكتلة الغازية الأولى.

* رأي القرآن
وهذه الحقيقة العلمية قد ذكرت في القرآن الكريم ﴿وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُون 47 من سورة الذاريات.
والأيد لغوياً معناها القوة والكلمة مشتقة من وآد وأيّد أي قوّى، أما "إنا لموسعون" أي أنّا لموسعون السماء.
والحمد لله رب العالمين

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع