رغم كثرة الكلام حول الفوائد القيّمة لشهر محرم ويوم عاشوراء وآثار هذه الظاهرة العظيمة، فإنّه كلّما مرّ الزمان، كلّما تجلّت الصورة الخالدة لهذه الشمس النيّرة أكثر - والتي يمكن أن نُطلق عليها شمس الشهادة، شمس مظلومية وغربة الجهاد - التي اتّقدت بالحسين بن علي عليه السلام وأصحابه وبهم عُرفت بركات عاشوراء.
*أسوأ أنواع الطغيان
لقد ظهرت الآثار العميقة لهذه الحادثة منذ اليوم الأوّل لوقوعها، وبها عرف البعض وظائفه، إذ قامت حركة التوّابين، وبدأت حوادث الجهاد الطويل لبني هاشم وبني الحسن عليهم السلام، حتى أنّ ثورة العباسيين بدأت باسم الحسين بن علي عليه السلام.
إذاً، هذه من تأثيرات عاشوراء، وهكذا بقيت على طول الزمان. وما يقع في عصرنا كان أعظم من كل تلك الأحداث. الظلم وسحق الحقوق وازدواجية التعامل كلها نتيجة أسماء قانونية منها: الدفاع عن حقوق الإنسان وهو أسوأ أنواع طغيان الظلم، حيث سيطر الظلم على العالم باسم العدالة والحق.
وفي مثل هذا العصر، أيضاً، خُرِقت حُجب الظلام عندما وصل الحقّ إلى الحُكم، وأُجبر العالم على قبول وجوده في شكل نظام إسلامي... كان هذا من بركات عاشوراء. لقد استطاع إمامنا العظيم قدس سره - وبالاستعانة بشهر محرم وحادثة عاشوراء - أن يوصل نداء الحق من قلبه إلى أسماع الناس ويغيّرهم، واستخلص الدروس من محرم فطرح قضيّة انتصار الدم على السيف، وحقّق ما أراده.
*هذه وظيفتنا
إنّ الناس ترغب في سماع ما حدث في عاشوراء وأن تتلقّى منها الدروس. لذا، ما يمكننا فعله في هذا المجال هو الاهتمام بالتبليغ، وهذه القضية مهمّة جداً. صحيح أن الأموال الطائلة تُصرف لتشويه صورة الإسلام وأنّهم جعلوا الإسلام المحرّف في مواجهة الإسلام الأصيل. كل ذلك صحيح، لكن رغم كل هذا الإعلام المعادي الخبيث، يمكن لجناح الحق وجبهة الإسلام الأصيل - وببركة روح ونداء وحقيقة عاشوراء - أن يكرّر تلك المعجزة مرة أخرى. إنّه عمل شاقّ، لكنّه ممكن وتلزمه الهمّة والتضحيات، وهذه وظيفتنا نحن.
إن العالم اليوم متعطّش للحقيقة ولما يخلّصه من آلاف المشاكل الحقيقيّة والواقعيّة. فالشعور بعدم الأمن الروحي، وعدم الاطمئنان والسكينة هو المشكلة الحقيقية للبشرية حيث يقدم شخص ما على الانتحار وهو في قمة الثراء والشهرة. فلماذا ينتحر ذلك الشاب الثري الذي يملك إمكانيات التنعّم والتمتع؟! هذا تساؤل هام ومُلفت.
فعدم الاطمئنان وعدم وجود محور اتكاء روحي، والشعور بالغربة، كلها آلام ابتُليت بها المجتمعات الماديّة والغربيّة في العالم اليوم. إنّ الأرضيّة صارت مهيّأة لاعتناق الإسلام. أحد المفكّرين الإيرانيين قال في أواخر عمره: "إن الغرب يبحث اليوم عن شخصيّات أمثال الشيخ الأنصاري وملّا صدرا"، فحياة هؤلاء ومعنويّاتهم وقيَمهم قد جذبت الشخصيّات والمفكرين الغربيين إليها.
*علينا أن نتصدّى للتحريف
إنّ النبع الزاخر لهذه القيم والمعارف الإسلاميّة يكمن هنا. وقمة هذه المعارف هي "عاشوراء". إنّ بإمكان الحسين بن علي عليه السلام أن ينقذ العالم اليوم شرط أن لا نشوّه صورته أو مراسم العزاء بالتحريف. لذا، يجب التصدي للتحريف من خلال أمرين:
الأول: متابعة قضية عاشوراء والحسين بن علي عليه السلام من على المنبر وخلال الرثاء، بالصورة التقليدية السابقة، ببيان وقائع ليلة ويوم العاشر، فحادثة عاشوراء بقيت مع مرور الزمن وبكلّ جزئياتها ببركة هذه المجالس.
إذاً يجب قراءة الرثاء والمديح واللطميات وبيان حادثة عاشوراء وهدف الإمام الحسين عليه السلام من خلال كلمات الإمام عليه السلام مثل: "إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي"، أو قوله: "فمن كان باذلاً فينا مهجته وموطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا". فالكلام هنا عن لقاء الله، والهدف من خلق البشر، و﴿إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ (الانشقاق: 6). كل هذه المساعي والمشاقّ لأجل هذا الأمر: ﴿فملاقيه﴾، فمن كان موطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل مع الحسين، وينصرف عن التعلّق بالدنيا ومتاعها.
وهذا يبدأ بتهذيب النفس ثم التحرك إلى المجتمع والعالم. هذه أهداف ثورة الحسين.
إنّ خلاصة ثورة الحسين عليه السلام أنّه مرّ على الإمام عليه السلام يوم كانت الدنيا فيه تحت سيطرة الظلم والجور، وأن الإمام عليه السلام قد وقف وحيداً مع نفر قليل، في تلك الظروف. ولقد ظهر في عصرنا رجل قال: لو أبقى وحيداً وتقف الدنيا كلّها بوجهي، فلن أتراجع عن طريقي. كان ذلك هو إمامنا، رجل ترعرع في مدرسة الحسين وعاشوراء. فلو كنا جميعاً من مدرسة عاشوراء، لسارت الدنيا نحو الصلاح بشكل سريع جداً، ولمُهّدت الأرض لظهور ولي الحق المطلق.
الثاني: الاستفادة من هذه الفرصة للقيام بما قام به الإمام الحسين عليه السلام، أي إحياء الإسلام ببركة جهاده فقد جدّد الإسلام حياته ونال حريّته بفضل ثورة ودم الحسين بن علي عليه السلام.
(*) خطبة ألقاها في جمع من العلماء والمبلغين والوعاظ في 24 ذي الحجة 1415هـ/ طهران.