تحقيق: ريان سويدان
لم يأبه لمرضه العُضال ولا لدوائه الذي يمنعه من التركيز أثناء القيادة. استقلّ سيارته منفرداً، معتمداً على سرعة السيارة القصوى للوصول قبل الموعد المحدّد، فكانت النتيجة حادثَ سير مروّعاً.. عليّ الشاب الثلاثيني يقبع الآن في أحد المراكز المتخصصة لتلقي العلاج بسبب إصابته بشلل كلّي وعجز عن تحريك أعضائه..
*حوادث مروّعة
حالُ علي، لا يختلف كثيراً عن أمثاله من الذين تعرّضوا لحوادث سير بسبب السرعة الزائدة وسوء التدبير.. فَجيهان (18 عاماً، طالبة) كان وقع موتها قاسياً على قلوب أهلها، الذين يروون بأسف الحادث المروّع الذي قضت فيه بسبب السرعة الزائدة، التي أدت بسيارتها للانحراف عن منعطف جبلي ضيّق وانزلاقها إلى الوادي.
أمّا ياسر (20 عاماً) فكان ضحية سرعته الزائدة والطقس الماطر ليلاً ما أدّى إلى اصطدامه بعمود كهربائي.
وفي أسباب أخرى، فقد يقع الملتزم بقانون السّير ضحية مخالفة غيره، وهذا ما تعرّض له زكريا (54 عاماً، أبٌ لأربعة أولاد) وعائلته قائلاً: "عند سلوكي (الأوتوستراد)، اضطُررت إلى أن أُجيب على مكالمة هاتفية، فسرت في الجهة اليمنى من الأوتوستراد وأعطيتُ إشارةً ضوئية لكي أتمكن من إيقاف السيارة جانباً.. ولا أخالف القانون.. وفي لحظات تعرّضنا لحادث مروّع تطايرنا على إثره من السيارة.. كان سبَبه سباقٌ بين سائقين وتنافسهما في السرعة غير المسموحة..". ويروي زكريا ذاكراً ما حلّ به وبجميع أفراد عائلته من إصابات وكسور في أجسادهم وتمّ نقلهم إلى المستشفى لتلقّي العلاج المناسب.
وبحسب تقرير صادر عن قوى الأمن وغرفة التحكم المروري، فإنّ نسبة الحوادث في العام 2012 بلغت 4804 حوادث وهي نسبة عالية مقارنة بالسابق. بينما انخفضت نسبة الحوادث في العام 2013 إلى 3204 حوادث، ولكن هذا الانخفاض ربما يكون نتيجة الأوضاع الأمنية وتراجع أعداد السيّاح. كما تجدر الإشارة إلى أنّ نسبة الوفيات في حوادث السير سجّلت ارتفاعاً ملحوظاً في الصيف وتحديداً في شهر آب عام 2013، حيث بلغت 80 حالة وفاة.
*تعدّدت الأسباب.. والخطر واحد
عن أسباب الحوادث يطلعنا الخبير المحلف لدى المحاكم لحوادث السير الأستاذ "سمير سلطان"، أنّ العوامل الرئيسة التي تكوّن الحادث مرتبطة بأسباب ثلاثة:
1 - نوعية الطريق وسلامته
يعتبر سلطان أن الطرقات في لبنان هي دون المستوى، وتشكّل عاملاً أساسياً في وقوع الحوادث: الحُفر، الانحرافات الحادّة والقوية في الطرقات الجبلية، عدم وجود إشارات سير صحيحة، عدم سلامة الممرات الموجودة بين الاتجاهين في الطرقات العامة، عدم وجود صيانة كافية ومستمرّة للطرقات. كما أن غالبيّة الطرقات والأنفاق لم يتم إنشاؤها كما يجب، وعلى أُسُس سليمة.
2 - أعطال السيارة
يعتبر سلطان أنّ "الأعطال الموجودة في السيارة قد تكون سبباً رئيساً في حادث السير"، متابعاً "أن أغلبية الناس لا يجرون معاينة ميكانيكية، مع أهميتها، للسيارة. فلا بد من فحص الفرامل والإطارات دورياً مع الإشارة إلى أن كلفة فحص الميكانيك لا تتعدى الأربعين ألف ليرة، وتزداد تدريجياً للحافلات والشاحنات ولكنها تُعدّ كلفة مقبولة بشكل عام".
3 - السائق
يؤكد الخبير المحلّف سلطان أنّ العامل الرئيسي في حوادث السير هو السائق. وبشكل عام لا يُحترم قانون السير، على الرغم من أنّ قانون السير اللبناني ليس بالقانون السيّئ على الإطلاق ويعتبر قانوناً يسيراً لكنه لا يُطبّق، وذلك إمّا جهلاً بقواعده وعدم الاطلاع عليه، وإمّا بسبب تعمّد المخالفة؛ ممّن يقود السيارة مع العلم والإلمام بالقانون.
ويرى الأستاذ سلطان أن قيادة النساء بشكل خاص، تسهم في زيادة الحوادث؛ لأنّ "المرأة التي تقود سيارة تعجز غالباً عن إصلاح أيّ عطل طارئ تتعرض له سيّارتها، أو عن تغيير الإطارات، وهذا ما يميّزها عن الرجل لأنه قادر على تفادي بعض الأعطال، والمرأة ليست قادرة على ذلك". ويتابع سلطان قائلاً: "إنّ 90 % من النساء ينتابهنّ الخوف والإرباك عند تعرضهنّ لحادث طارئ أثناء القيادة وهذا بالتالي يسبّب حادث سير". كما ويردّ الخبير أسباب ارتفاع نسبة الحوادث إلى عوامل أخرى، أبرزها: زيادة عدد السيارات، إذ يقول إنّه "كلما ازداد عدد السيارات كلما ازداد عدد الحوادث المتوقّع".
*لماذا سلوك البعض غير منضبط في الحوادث؟
ومن جهة العوامل النفسية والاجتماعية خلف السلوك غير المنضبط يشرح لنا المعالج النفسي الدكتور جهاد قطيش عن "الشخصية الحوادثية التي تسبب لنفسها الحوادث" إذ يقول: "إنّ الأشخاص الذين يمتلكون هذه الشخصية، لديهم خصائص عُصابية أكثر من اللازم... ولديهم قلق، وإحساس دائم بالذنب، وتقلبات في المزاج، مع إحساس بالاكتئاب الداخلي والخجل الدائمين، إضافةً إلى أنهم عُرضة لنوبات من الغضب والعدوانية كما قد يكون لديهم نوع من الاندفاع وسوء تقدير للذات. وكل هذه الخصائص تسبب حالة ضغط وقلق لدى السائق أثناء القيادة، تُضعف القدرة لديه على التركيز، وتؤدي إلى سوء تقدير للأمور والاندفاع نحو السرعة الزائدة، وبالتالي احتمال وقوع حادث سير". ويتابع قطيش واصفاً هذه الحالة بـ "الوهن ما قبل وقوع الحادث". ويردّ أسباب هذه الحالة إلى عوامل نفسيّة واجتماعية منها المشاكل العائلية. وبناءً عليه، فهؤلاء الأشخاص هم شريحة من المجتمع ولديهم قابلية للتعرّض لحوادث السير.
وعن سُبل الوقاية يؤكّد الدكتور قطيش أنه "يجب العمل على معالجة الأسباب لتقليل نسبة الحوادث وذلك عبر إقامة وُرش نظريّة في أماكن تعليم قيادة السيارات بواسطة أساتذة متخصّصين".
*الإجراءات القانونية تقلّل من نسبة الحوادث
يرى الخبير في حوادث السير الأستاذ سمير سلطان أنّ "الإجراءات القانونية إن لم تكن مستتبعة بتسهيلات قانونية تكون بلا فائدة، وقبل الطلب من المواطن تطبيق القانون، يجب منحه الاستطاعة والقدرة على تنفيذ القانون: كتخفيض كلفة حيازة رخصة سوق على سبيل المثال". ويعتبر الخبير سلطان أنْ "ليس هناك حلول مطلقة لأزمة حوادث السير، بل هناك مشاريع أو خطط يمكن أن تطبّق لتخفيف نسبة هذه الحوادث بحسب الإجراءات المتخذة". والإجراءات المتخذة يقع جزء كبير منها على عاتق السائق، إذ يجب عليه اتّخاذ إجراءات وقائية للحؤول دون وقوع الحادث، أبرزها:
1 - الالتزام بالقانون.
2 - وضع حزام الأمان في الطرقات التي تستوجب ذلك.
3 - تنظيف زجاج السيارة دائماً للحفاظ على سلامة الرؤية والحرص على سلامة المصابيح الأمامية للسيارة.
4 - الحرص على سلامة الإطارات، وفحصها بشكل دائم...
*التزام القانون واجب شرعي
وللإطلالة على التكليف الشرعي لجهة نظام السير والسلوك كان لنا وقفة مع عضو تجمع العلماء المسلمين الشيخ محمّد عمرو، الذي أكّد على اتفاق العلماء، لا سيّما السيد علي الخامنئي، على وجوب الالتزام بالنظام العام وتحريم مخالفته، وذلك لأنّه يقوم على طبيعة علاقة الإنسان بأخيه الإنسان كالعلاقات في ميدان العمل، في المواصلات، في أسلوب الحياة، والاستفادة من المال العام: كالماء والكهرباء، والاستفادة من الطرقات والحدائق العامة... فالحق العام الذي تؤمنه الدولة هو حق لجميع المواطنين بالتساوي ولا يجوز شرعاً مخالفة حق الآخر.
ويتفرع من ذلك نظام السير وهو نظام دقيق جداً، فإن أيّة مخالفة لهذا النظام تعرقل عملية السير أمام الآخرين:
أ - فلا يجوز مخالفة إشارات السير، بل يجب الالتزام بها.
ب - ومن ناحية مواقف السيارات، لا يجوز التعدي على المواقف الخاصة، وركن السيارة أمام محال تجارية لا تسمح بذلك، لأنه باب رزق.
ج - ولا يجوز أيضاً ركن السيارة بطريقة تغلق الطريق على سيارات أخرى وتعيق عملية المرور فهذه تُعدّ أذية.
وبالتالي، فإن أيّ شخص يخالف نظام السير، هو مأثوم شرعاً، لأنه يؤذي الآخرين ويؤخّرهم عن أعمالهم، ويهدر وقتهم وأموالهم ويؤثر سلباً على راحتهم النفسية.
*سلامة النفس والآخرين واجب شرعي
ومن جهة أخرى يشدد الشيخ عمرو على أنه لا يجوز تخطي السرعة المسموحة قانونياً، كما وأنه لا يجوز تخطي الإشارات الحمراء، وإيذاء الآخرين باستخدام أبواق السيارات بشكل مفرط فيما ليس له ضرورة، ولا يجوز أيضاً تجاوز الآخرين عند المنعطفات بطريقة تتعدى على السائق في الاتجاه الآخر.
في موضوع حوادث السير، يؤكد الشيخ عمرو أنه إذا تجاوز السائق السرعة المسموحة زيادةً عشوائية وتسبّب بجرح أو قتل غيره، فإنّ القانون في الدنيا يحاسب الإنسان بحسب الظروف القانونية لكن عند الله سبحانه وتعالى يكون الحساب بحسب الاعتداء على حقوق الآخرين، بجرح أو قتل غيره. وكذلك بسبب السرعة الزائدة قد يتسبب السائق بقتل نفسه، فيؤثم لأن الحالة شبيهة بالانتحار، وهذا حرام.
وعن الإجراءات الوقائية، يتابع الشيخ عمرو أنه يتوجب على السائق اتخاذ إجراءات وقائية لحماية نفسه كوضع حزام الأمان في المواضع التي أوجبها قانون السير، والالتزام بالسرعة المسموحة دائماً.. وذلك لأن أرواحنا أمانة عندنا من الله تعالى وإن تسببنا بقتل أنفسنا نؤثم في الدنيا والآخرة.