الشيخ تقي الدين إبراهيم الكفعمي
يا نفس!
إذا نصب الميزان للفصل والقضا |
وأبلس محجاج وأخرس ناطق |
وأججت النيران واشتدّ غيظها |
وقد فتحت أبوابها والمغالق |
وقطعت الأسباب من كلّ ظالم |
وقامت به أسراره والعلائق |
يا نفس! لا جرم أنّه تعالى تكفّل في الدنيا بإصلاح أحوالك، فعلامَ كذّبتِه بأفعالك؟ وأصبحتِ تتكالبين على طلب الدنيا تكالُبَ المدهوش المُستَهتر؟ وأعرضْتِ عن الآخرة إعراضَ المغرور المُستَحقر؟ ما هذا من علامات من يتبع السُّنة! أو يبتغي الجنة!
فحبّكِ هذا من أدلِّ دلالةٍ |
على أنّك في غمرةِ الجهلِ تسبحي |
تروحي وتَغدي في غُرور وغَفلةٍ |
وأنتِ بغيرِ الحقّ في الأرضِ تَمرحي |
فعاصي هواك واتّقِ الله وحده |
عساكِ في يوم القيامة تفلحي |
يا نفس! أتحسَبين أن تُتركي سُدى، ألم تكوني نطفة من منيّ يُمنى، ثم كنت علقةً فخلق فسوّى، أليس ذلك بقادرٍ [على] أنْ يحيي الموتى؟! فما لك لا تعرِفين قدركِ، ولا تأخُذين حِذْرَكِ؟ فإنْ كنتِ قد أمِنتِ في الحشر بسؤالك، وعَرفتِ جميعَ ذلك هنالك، فما بالكِ تسوّفين بالعمل، وقد دنا الأجل؟ ولعلّه يختطفكِ مِن غير مهل؟!
يا نفس! لو عزمتِ على سفر، لقضاء الوطر، ترتجينَ فيهِ نيل الظفر، والأمن من الضّرر، فلقيتِ في طريقكِ شخصاً، أخبركِ أنّه رأى أمامكِ لصاً، يأخُذُ الأقفال، ويستَبيح النفس والمال، لرَجعتِ عن ذلك الطريق المخوف، حذراً من اللصّ العسوف.
أفكان قول التوراة والإنجيل، والزبور والتنزيل، بإخبارهم بأخاويف القيامة، وأهاويل يوم الطامة، أقلّ من مخبرك صدقاً، وأنذر منه حقاً؟! ولعلّ المخبر غير صادق، بل أكذب من بارق!!
يا نفس! لو أنّ طبيباً يهودياً، أو حكيماً نصرانياً، أخبرك في ألذّ أطعمتك بدائه، وعدم دوائه، ثم أمَرك بالاحتماء، عن بعض الغذاء، لصبرت عنه وتركته، وجاهدت نفسك فيه.
أفكان قول القرآن المبين، والأنبياء والمرسلين، أقلّ تأثيراً من قول يهودي يخبر عن تخمين، أو نصراني ينبئ عن غير يقين؟!
والعجب لمن يحتَمي عن الطعام لأذيّته، كيف لا يحتمي عن الذنب لأليم عقوبته!
جسمك بالحِمية وقيته |
مخافة البارد والحار |
قد كان أولى بك أن تحتمي |
عن المعاصي حذَر النّار |
يا نفس! ومن العجب أنه لو أخبركِ طفل: بأن عقرباً في جيبك لرميت بثوبك، أو حية في إزارك لرميت بأطمارك.