إنّ لهذه الأيام – ذكرى احتلال وكر التجسّس الأمريكي وهذه المناسبة بالذات- ارتباطاً خاصّاً بالشباب وعلى الخصوص بالعاملين في مجال العلم والدراسة من طلبة العلوم الدينية والجامعات، وفي الحقيقة فإنّ لهذه المناسبة، مناسبة مقارعة الاستكبار العالمي علاقة – من جوانب عديدة – بكم أيّها الشباب الأعزاء. ويجب عليّ أن أشرح في هذا اليوم موضوعاً حول مقارعة الاستكبار. فما هي القضيّة وما هو أساسها؟ ومن أين نشأت سوابقها؟
فصحيح أنّ احتلال وكر التجسّس الأمريكي قد تمّ بواسطة الشباب الجامعيين في ذلك اليوم، لكن ماذا يعرف هذا الجيل الجديد المتكوّن من الشباب وطلبة العلوم الدينية وطلبة الجامعات والمدارس – الذي يبعث صمودهم وتواجدهم في الساحات الأمل وتقرّ به العيون – عن خلفيات هذه القضيّة، وما مدى شرح الخطباء والكُتّاب ومدّعي المسؤوليّة في ساحة السياسة الإلهية هذه القضيّة للجيل الناشئ في بلادنا؟ إذاً فالمسألة الأولى هي هذه القضية والتي سوف أشرحها للأخوة وبالذات للذين كانوا يافعين أو أطفالاً أو لم يولدوا بعد عام 1979 م سنة وقوع القضية أي قبل خمسة عشر عاماً. وبعدها أبيّن لكم – أنتم أكثر مخاطبي الثورة بقاءً ونحن خدم لكم – أمراً أكثر أهميّة.
أمّا حول المطلب الأول، فقد بدأ الكفاح الشامل في إيران بصورة واضحة منذ عام 1962 م، طبعاً كان هناك كفاح قبل هذا التاريخ لكنّه محدود بطبقة خاصّة وصغيرة كالجامعيين أو الطبقة المثقفة أو شريحة خاصّة من العلماء، لكن منذ العام 1962 م، بدأ الكفاح الشامل بقيادة علماء عظام وعلى رأسهم الإمام العظيم، واستمرّ ستّة عشر عاماً حتّى انتصار الثورة 1978 م، وقد كان هذا في الظاهر ضدّ نظام الشاه، لكن بما أنّ الأمريكان هم الذين أوصلوا نظام الشاه عام 1953 م إلى الحكم وثبّتوه ودعموه في قتل الشعب وتعذيبه، قتلوا الناس غرباء في السجون وتحت وطأة التعذيب، وقتلوهم بصورة جماعية في الشوارع والميادين ك 15 خرداد و 17 شهريور وقتلوا الطلبة في المدرسة الفيضيّة وفي الجامعات، وقد رأى شعبنا يد أمريكا خلف كلّ هذه الجرائم.
إنّ أمريكان كانت تعمل في بلادنا بأداتين:
الأولى: هي أدوات أمريكية كالاستثمارات والتدخّل في شؤون الجيش ووجود المستشارين العسكريين وكذا الأموال مع وجود السفارة الأمريكية.
الثانية: هي عملاء الصهيونية في الداخل. فالصهاينة وإن لم يتجرّؤا على فتح سفارة رسميّة في إيران خوفاً من الشعب إلاّ أنّهم فتحوا مراكز خاصّة تعمل بواسطة أياديهم وعملائهم وسياسيّيهم وتجّارهم، فكان الشعب يعلم أنّ السياسة والاقتصاد والجيش كلّه بيد أمريكا، وقد بدأ الإمام ببيان هذه الحقائق بين عامي 1962 – 1963 م.
إذاً، عندما أثمر الكفاح عام 1978، ففي الحقيقة انتصرت ثورة معادية لأمريكا، فكان من حقّ أبناء الثورة أن يعملوا ما يشاؤون بالأمريكيين المتواجدين في البلاد وكان باستطاعتهم عمل الكثير ولن يلومهم أحد على ذلك، لماذا؟ لأنّهم قادوا كفاحاً ضدّ أمريكا لمدّة ستّة عشر عاماً. لكن بعد انتصار الثورة، تسامحت الثورة وتسامح المسؤولون وتسامح الإمام العظيم رضوان الله عليه مع الأمريكيين أشدّ التسامح، وبقيت سفارتهم مفتوحة، وكان السفير ومن بعده القائم بالأعمال متواجداً.
وفي الأيام الأولى من عمر الثورة أي في 22 و 23 بهمن، قبض هذا الشاب الثوري على مجموعة من الأمريكان وقادوهم إلى مدرستي "رفاه وعلوي "، فبعث الإمام رضوان الله عليه نداءً إلى المسؤولين بعدم التعرّض لهم نهائياً، ومن بعدها أطلق سراحهم واحداً تلو الآخر. وقد خرج جمع منهم من البلاد، إلاّ أنّ سفارتهم بقيت مفتوحة تعمل هنا. فانظروا إلى أيّ مدى غضّ هذا الشعب الأبيّ وذلك الإمام الشهم والعظيم النظر عن الأمريكيين في إيران. لكنّه – وكما قلت – لو كان قد اتخذ أيّ قرار من جانب الشعب والثوريين ومن جانب الإمام – الذي كان مظهراً للقوة والصلابة –
ضدّهم لما لامهم بل ما تمكّن أحد من لومهم. لكن في المقابل ماذا عمل الأمريكيون؟ فبدل من أن يغتنموا هذه الفرصة ويشكروهم ويردّوا بجواب مناسب على هذه السماحة والعظمة من الإمام والشعب، بدأوا باتخاذ مواقف عدائية شديدة وأصبحت سفارتهم – التي عرفت فيما بعد بوكر التجسّس والتي كانت في الحقيقة هكذا –
مركزاً لتنظيم المعارضين والمعادين للثورة وتوجيههم ضدّ الثورة والنظام الإسلامي، وأصدروا القرارات في مجلس الشيوخ الأمريكي ضدّ الثورة والنظام الإسلامي، واتخذ الإعلام الأمريكي في مختلف أنحاء العالم موقفاً عدائياً شديداً ضدّ الشعب والثورة. فماذا كان ذنب هذا الشعب؟ ولماذا أظهر النظام الأمريكي كلّ هذا العداء والحقد لهذا الشعب؟ كان هذا سؤالاً لم يجب عليه الأمريكيون ولن يستطيعوا الأجابة عليه أبداً.
إنّهم استضافوا الشاه الفارّ من يد الشعب الإيراني، ولم يردّوا الأموال البالغة مليارات الدولارات والتي كانت تحت تصرّف الشاه والتي استثمرها في أمريكا. فالثابت في العرف الدولي إنّه عندما يزاح شخص عن الحكم، فإنّ أمواله الشخصية – والتي هي أموال الشعب
تُعاد إلى الحكومة الجديدة، فلو قرأتم الصحف المتعلّقة بهذه القضايا تجدون أنّ هذا الأمر كان معروفاً في كلّ مكان، إنّهم جمّدوا تلك الثروة العظيمة المتعلّقة بالشعب والتي كانت في حسابات الشاه وأفراد عائلته في أمريكا ولم يردّوا منها حتّى ريالاً واحداً إلى الشعب الإيراني، وما زالت هذه الثروة باقية عندهم وما زال الشعب الإيراني يطالب الأمريكيين بمليارات الدولارات، وكذلك أوقفوا مشتريات النظام الإيراني السابق والتي دُفعت قيمتها من أموال الشعب وظلّت في مخازنهم ولم يسلّموها للحكومة الإيرانية وللشعب الإيراني إلى الآن، لقد جمّدوا أرصدة إيران في أمريكا ولم يردّوها.
لماذا؟ إنّهم لم يردّوا الأموال حتّى لا نستفيد منها وأملاً في الإطاحة بالنظام الإسلامي.
إنّ النظام الأمريكي وبعد انتصار الثورة الإسلامية قد سلك نفس النهج الذي كان عليه قبل انتصار الثورة، أي الاستمرار في عدائه وحقده للشعب الإيراني وللنظام الإسلامي، وفي مثل هذه الظروف وقعت قضيّة احتلال وكر التجسّس. فالشعب الإيراني شعب ثوري ومؤمن، وهذه الثورة لم تكن كالثورات الشيوعية والمتلوّنة في بعض الدول، والتي إن أرادت التعرّض لدولة معادية لها، تدخلت – على الفور – قوّة عالمية تدعمها، لتمنعها من التعرّض لتلك القوّة المعادية.
لقد كان الوضع في الكثير من الثورات هكذا بحيث تتفاهم القوتان فيما بينهما قبل أن تتعرّض لإحداها ثورة مدعومة من قِبل القوة الثانية. لكن النظام الإسلامي لم يكن يتحرّك بإيعاز أيّة قوة، بل استقلّ عن الجميع، فكانت القوى العالمية كلّها معادية له. ولهذا فقد حدثت ثورة في أرواح الشعب واحتلّت السفارة من قِبل الطبقة الجامعية الشجاعة والمغامرة والمتواجدة في الساحة، ووقعت هذه القضية ليعلم النظام الأمريكي إنّه لا يمكن المزاح مع هذه الثورة. إنّ ثورة الشعب الإيراني هذه ليست كسائر الثورات لتطيق المؤامرات، ولا يمكن للآخرين في ذاك الطرف من العالم أن يروا لها الأحلام ويحيكوا ضدّها المؤامرات، وتبقى مكتوفة الأيدي لا تعمل شيئاً.
لقد قيل حقاً للسفارة الأمريكية أنّها وكر التجسّس، وأثبتت احتلال وكر التجسّس أنّ هذا الشعب سوف يصمد مهما كان الثمن بوجه قوّة مهذارة متغطرسة مستكبرة تطمع بأكثر من حقّها، كأمريكا، كانت هذه قضيّة احتلال السفارة.
إنّ ديدن أمريكا أنّ تعتبر مشاكلها دائماً مشاكل أوروبا وبل ومشاكل العالم أجمع، في حين أنّها مشكلتها هي وحدها. إنّ عداء الشعب الإيراني لأمريكا يختص بأمريكا ولا يسري إلى سائر الدول، لتقول لأوروبا وسائر الدول إنّ هؤلاء أعداء للجميع. كلا إنّ الشعب الإيراني لا يكنّ العداء للجميع، إنّهم يريدون إظهار الشعب والحكومة الإيرانية بأنّهم أناس لا يفهمون المنطق وإنّهم أعداء للجميع، إنّنا إن نحدّد نظاماً في العالم يعادي ويتآمر على الجميع فهو النظام الأمريكي، ويليق بأمريكا أن نقول أنّها معادية لجميع الدول. انظروا كيف أنّها تتعامل مع الشعوب بالغطرسة والتكبّر والوقاحة في أيّة نقطة تطؤها قدمها. إنّ هذه الكلمات لا تليق بالنظام الإسلامي وبالشعب الإيراني، وإنّ عداءنا خاص لأمريكا وذلك بالأدلّة التي أوردناها.
فأمريكا قد عادت الثورة 16 عاماً وساندت ذلك النظام وكلّ الضربات التي وُجّهت إلى الشعب كانت منها، وقد جسّدت في بلدنا أسوء صورة لتدخّل دولة مستكبرة في شؤون دولة أخرى، وكانت تستهزئ بمقدساتنا، علاوةً على ذلك، وبعد انتصار الثورة الإسلامية وفي قبال شهامة الشعب وعظمة وسماحة الإمام، عاملت الشعب الإيراني والثورة والنظام الإسلامي بهذا الشكل. فماذا تتوقّع أمريكا منّا؟ أهل تتوقّع الملاطفة؟ إنّه لم يعل أحد الشعب الإيراني شعار "الموت لأمريكا "، إنّ شعار "الموت لأمريكا " قد نبع من أعماق ضمير الشعب الإيراني فرداً فرداً. نعم، يتواجد أشخاص هنا وهناك يتساءلون ويثيرون الشبهات حول هذا الشعار، لماذا لا يطرحون السؤال في موضعه الصحيح؟ لماذا لا يسألون أمريكا لماذا كلّ هذه الأحقاد ضدّ الشعب الإيراني، لا لشيء سوى لرغبته في الاستقلال عن الجميع، ولماذا كلّ هذا العداء المستمرّ للشعب الإيراني؟
تلك المطالب كانت حول الثورة الأولى، ومنذ ذلك اليوم وإلى ساعتنا هذه وأمريكا تحيك المؤامرات ضدّ الشعب الإيراني والمسؤولين والثورة والنظام الإسلامي. لقد صرّح أحد قادة هذا النظام قبل فترة دون أدنى حياء أنّه يجب القضاء على الشعب الإيراني، فإلى أيّ مدى يجب أن يكون الفرد أحمق حتّى يصرّح بمثل هذا الكلام؟ لكنّهم قالوا ذلك، وهذا هو العداء والحقد المنعكس على تصريحاتهم ووجوههم. والآن ايضاً بدأوا يتنقّلون بين اليابان والصين وسائر الدول ليقطعوا علاقاتهم مع إيران. من أنتم وما علاقتكم بذلك؟
إنّ إيران دولة كبرى ذات تاريخ عريق وعظيم يغرق في تاريخها أمثال الولايات المتحدة الأمريكية، وإنّ الثقافة الأصيلة لهذا الشعب هي كذرات ألماس انتظمت واستحكمت على مدى القرون وتجلّت ملامحها في أفراد هذا الشعب فرداً فرداً، فهل يمكن استصغار الشعب الإيراني؟
لقد انتخب الشعب الإيراني الإسلام في الماضي، ولم يفرض عليه أحد ذلك، كما اختار اليوم الاستقلال عن القوى العظمى. فهل يجرؤ أحد اليوم في الجمهورية الإسلامية إلى الانتماء إلى تكتّل خاص في العالم؟ إنّه سوف يواجه الشعب بذلك، إنّ الشعب الإيراني شعب حرّ ومستقل، وإنّ الحكومات والدول والأنظمة في العالم قد أخذ الشوق يشدّها لبناء علاقات طيّبة مع هذا الشعب.
إنّ لهذا الشعب ثروة معنويّة وثقافية وتاريخاً عريقاً، ونضوجاً عقلياً، إلى جانب الثروات والذخائر الماديّة والشباب والأيدي العاملة والمدراء الجيدين، وسوف يتقدّم في طريقه. وهذا ما يشاهد اليوم من نمو وازدهار وتقدّم في هذا البلد، وذلك ببركة الحرية والاستقلال قياساً لفترة سلطة الأجانب على مقدرات هذا البلد أي في العهد السابق. فالنظام كان إيرانياً في الظاهر، ولكن الأمور كانت بيد الأجانب. هذه خلاصة قضيّة كراهية الشعب الإيراني للنظام الأمريكي. لقد دعموا الحرب ضدّ إيران إن لم نقل أنّهم أشعلوها، فيحتمل أن تكون للأمريكان يد في إشعال الحرب ضدّ إيران، لكنّنا لا ندّعي شيئاً قبل التيّقن منه، نكتفي بالقول "إنّه يحتمل "، لكن دعمهم للعراق أمر يقيني وحتمي، فقد دعموه بمختلف أنواع الدعم، وإنّ صدام حسين والنظام البعثي الذي أظهرته الصحافة والتصريحات الرسمية الأمريكية بتلك الصورة في قضية الهجوم على الكويت، صنعوا منه شخصية محبوبة ومرغوبة عندما كانت 30 إلى 40 مدينة في إيران تتعرّض إلى القصف الصاروخي في آن واحد. فهل ينسى الشعب الإيراني ذلك، لقد عادوا الشعب الإيراني وسيستمرون على عدائهم، والسبب في ذلك هو – فقد يسأل السائل لماذا كلّ هذا العداء، ومن أين بدأ ذلك؟
أنّ الشعب الإيراني بإيمانه وبثقافته الملهمة من الجهاد والثورة والإمام لم ولن يركع للقوى العظمى أبداً، وأمريكا لا تريد ذلك. إنّ الاستكبار العالمي وعلى رأسه أمريكا يودون الدول والشعوب المستسلمة والخاضعة لها، يودون دولاً وشعوباً تسمع لما تقوله أمريكا، وعندما تقف دولة على قدمها وترفض سلطة أمريكا وتقول لها من أنتِ؟ أنتِ دولة وحكومة مثلما نحن دولة وحكومة، أنتِ دولة غنيّة متقدّمة في المجال العالمي ونحن شعب ذو استعداد لامع وسوابق مشرّقة وإمكانيات وذخائر باطنية. فعندما يقف شعب مستقلاً هكذا ويدخل الساحة الدوليّة بكلّ قوة، ولا ينظر إلى أيّة دولة كقوة عظمى، هنا تنزعج أمريكا وينفذ صبرها وهذا ديدنها، يذهبون ليعرفوا من أين حصل هذا الشعب على مثل هذا التفكير، فإن وهبه أحد ذلك، أصبحوا له أعداء ألدّاء كعدائهم القلبي للإمام رضوان الله عليه. طبعاً عندما نقول الأميركيين لا نقصد بذلك الشعب الأمريكي بل المقصود هو الحكومة الأمريكية وقادتها. وإن كان الفكر والثقافة هما اللذان حفظا الشعب هكذا، لن يصالحوا هذا الفكر وهذه الثقافة أبداً، ككراهيتهم للإسلام والفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية بشدّة، وهذا هو علّة النزاع الآن.
ومع ذلك يقوم بعض البسطاء بالتفوّه ببعض الكلمات أو كتابة بعض الأشياء أنْ لماذا أنتم هكذا مع أمريكا وإلى متى وكيف و..؟ إنّ هؤلاء لا يدركون ما يحدث في العالم وما يتوقّع هذا العدو المتغطرس الجاهل اللامنطقي الذي يطمع بأكثر من حقّه، ويتصوّرون أنّ مشاكلنا ستنتهي فور بدء المفاوضات مع أمريكا. كلا، إنّ القضية ليست هكذا، أجل إنّ القادة الأمريكان يصرّحون رسمياً ويعلنون استعدادهم للتفاوض مع إيران، لماذا التفاوض؟ معلوم أنّهم يريدون بالمفاوضات الثور على منفذ لممارسة الضغط على النظام الإسلامي، إنّهم يريدون المفاوضات لهذا الأمر، إنّه ليس لنا معكم شيء ولا حاجة لنا بكم. ولا نخشاكم، ولا نودّكم إطلاقاً. فإنّكم الذين أسقطتم طائرتنا المدنية في وضح النهار وأمام أنظار العالم بذريعة كاذبة وواهية وقتلتم العشرات من الأبرياء ولم تكلّفوا أنفسكم بالاعتذار أبداً.
فأيّ نظام هو هذا النظام؟ وأيّة ثقافة هذه؟ وكيف يمكن لإنسان أن يودّ مثل هذا النظام؟ لذا لا توجد أدنى علاقة محبّة ومودّة وصداقة بيننا وبين الأمريكان، بل هي علاقة كراهية واشمئزاز من جانبنا وعلاقة عداء وخبث من جانبهم!!
وأشير هنا إلى نقطة رئيسية أخرى يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار في المحاسبات، فما أشرنا إليه يرتبط بسوابق علاقات أمريكا مع إيران، لكنّها ليست القضيّة بأكملها، فهناك أصل حاكم في فكرنا الإسلامي – نحن المسلمون – ألا وهو كراهية الظلم والظالم ومحاربة الظلم والظالم في أيّة بقعة من بقاع العالم، فانظروا إلى مدى ظلم الأمريكيين في العالم! وكم أعدّوا من الظلمة! ومدى ظلمهم للشعوب! ماذا فعلوا بالشعب الفلسطيني وكيف دعموا إسرائيل؟ ماذا فعلوا بالشعب اللبناني؟ وماذا فعلوا بالمسلمين في بلادهم؟ ماذا فعلوا بالشعوب المستضعفة؟ فهل يمكن غضّ الطرف عن كلّ هذه الجرائم؟
إذاً هذه هي القضيّة، وهذا هو أصل ومبنى مقارعة الاستكبار ويوم مقارعة الاستكبار والذي يعتبر يوم عداء لأمريكا، وسوف يستمر هذا النهج ما دامت الجمهورية على النهج الصحيح متمسكة بالأهداف الإسلامية والإلهية، وستظلّ هذه الكراهية والمقارعة لقادة الاستكبار العالمي وعلى رأسه أمريكا باقية على شدّتها، إلاّ إذا غيّر هؤلاء مسلكهم وهذا ما نستبعده.
هذا هو المطلب الأول، وأمّا المطلب الثاني، فألخّصه في عدّة جمل قصيرة – أعزائي أيّها الشباب- إنّ هذا الشعب جاد في بناء نظام إسلامي وحضارة إسلامية وتاريخ جديد، فاجهدوا في ذلك. فقد يحدث انقلاب في بلد ما ويتولّى حاكم عسكري مقاليد الحكم لفترة ثمّ يذهب وتعود المياه إلى مجاريها، فهذا الموضوع لا حاجة إلى الكتابة كثيراً عنه في التاريخ. أمّا ما حدث في إيران فهو حركة عظيمة في المقياس العالمي. طبعاً إنّنا شعب وحدودنا معلومة، وليس لنا مطامع خارج حدودنا إنّ عملنا وجهودنا محصورة ببلدنا، لكنّ الثورة لا تنحصر في هذه الحدود. إنّ رسالة الثورة رسالة عالمية، والدليل أنّه عندما قام الشعب الإيراني بقيادة الإمام "رضوان الله عليه " بهذه الثورة، شعر المسلمون في كلّ بقعة من بقاع العالم أنّه عيدهم ويومهم الجديد قد حلّ، فمع أنّ الثورة لا ترتبط بهم، لكنّهم شعروا ببداية فصل جديد في تاريخهم. لقد شاهدنا ذلك عن قرب، وأنّني قد لمست ذلك عن قرب في سائر الدول طوال السنين الماضية وسمعت من السنة الكثير هذا الأمر، إنّها ليست رواية وحدساً وتحليلاً، بل هي حقائق، لقد شعر كلّ مسلم في أيّ ركن من أركان العالم بالفرحة عندما انتصرت الثورة وظهر الإمام على الساحة وارتفعت راية الإسلام ولواء "لا إله إلاّ الله "، ثمّ إنّ من هذا المليار مسلم من استمرّ على هذا الشعور وسلك هذا الطريق وجاهد فوقعت هذه الأحداث في الدول المختلفة بواسطة الحركات الإسلامية، ومنهم من انصرف عن هذا.
إذاً الثورة وإن كانت محصورة في حدود بلدنا، لكنّ رسالتها كانت عالمية ودولية، واليوم فإنّ الحمل أيضاً على أكتافكم، وقد أدّى الشعب الإيراني وظيفته لحدّ الآن على أفضل وجه سواء إبان فترة الحرب أو ما بعدها إلى يومنا هذا، وهذا ما نشاهده اليوم في محيط الجامعات وساحات الإعمار والاقتصاد هذه. هذه هي حكومتنا وهذا هو شعبنا، وهذا هو التواجد المشرّف للشعب في الساحة.
طبعاً إنّهم يطبّلون كثيراً ويقولون مثلاً إنّ البناء والإعمار أصبح هكذا أو أنّ الخطط أصبحت فاشلة والسياسات ظهرت خاطئة، هذه هي الدعايات فالحقيقة غير هذه، فالحقيقة هي أنّ الشعب الإيراني تمكّن من إزالة العقبات والتقدّم في جميع المجالات في مجال العلم والعمل والمعنويّة والدين والأخلاق والاقتصاد وفي مجال القوّات المسلّحة وسائر المجالات. نعم، قد لم يبلغ ما كنّا نتوقّعه لكنّه كان فوق تصوّر الآخرين، وأمام الثورة والنظام والبلاد مستقبل مشرق وزاهر وذلك ببركة الإسلام.
والذي ينبغي أن يبني هذا المستقبل هو أنتم أيذها الشباب. فعليكم بترسيخ جذور الإيمان في نفوسكم بالعمل، فلا يدرك الإيمان بالكتابة والتصوّر، بل يترسّخ بالعمل الصالح. والإنسان في ميدان المجاهدة لله أقرب إلى ربّه من سائر الميادين، وللمجاهدة خنادق مختلفة ومنها خندق العلم والعمران، فاكتسبوا الإيمان بالتقوى والتضرّع إلى الله وبأداء الواجبات والاجتناب عن المحرّمات.
عليكم بتنمية الوعي السياسي في أنفسكم لتكون حصانة لكم من أضاليل ودعايات الأعداء، وهذا ركن رئيس لا يمكن تجاهله خصوصاً أنتم أيّها الشباب وطلاّب العلم، وثمّنوا الوحدة الوطنيّة، واحذروا الانجرار وراء الدوافع الحزبية والفئوية ونحوها، فإنّ هذا لمن عمل الشيطان، ويدخل الفرحة على قلب الشيطان الأكبر أيضاً.
فاليوم إن صدرت نفحة معارضة من أحد ولو عن غير قصد – فضلاً أنّها تكون عن عمد وقصد – ترى الأبواق الاستكبارية قد ذاعتها في اليوم التالي ولا تهمّها من القائل، بل الأصل عندها هي نغمة معارضة في هذا البلد. فحافظوا على وحدة الصف وأحيوا ذكرى الإمام والسابقين الأوائل من رجال الثورة وكذا ذكرى الشهداء العظام والذكريات الحماسية للثورة والحرب المفروضة في محيط الحوزات والجامعات وفي ساحات العمل والحياة العامّة، فإن أصبح هكذا، فسيتمّ بفضل الله في العقود المقبلة بناء صرح حضارة رفيعة في إيران وفي أماكن كثيرة أخرى، وستكون للإسلام والمسلمين عظمة ومكانة وقوة لا تبقى أمامها حقيقة وواقع للاستكبار بل لا يبقى للاستعمار وجود.
آمل من الله التوفيق لكم وأن تشملكم أدعية بقيّة الله الأعظم "أرواحنا فداه " وأن ترضى عنكم روح الإمام الطاهرة والشهداء العظام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته