نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شرائط المحلل السياسي‏


في الحديث عن أسلوب تحليل الظواهر السياسية تحدثنا عن أقسام التحليل السياسي، وأشرنا إلى ضرورة التعرف على أساليب التحليل من الناحية الفقهية، ثم شرحنا بعض المفاهيم المستخدمة في التحليل السياسي، في هذا البحث، سوف نتحدث عن الخصائص والشرائط التي ينبغي أن يتحلى بها المحلل السياسي الناجح.

* مقدمة
تكمن أهمية التحليل السياسي من ثلاث نواح رئيسية:
1- الاستفادة الشخصية من فهم الأحداث.
2- إقناع وتوجيه الآخرين (خصوصاً الأصدقاء) بالآراء والتحليلات السياسية الخاصة.
3- الاستعداد واتخاذ التدابير اللازمة المترتبة على التوقعات المستقبلية، ولتحقيق هذه الأهداف، لا بد أن يتحلى المحلل السياسي بخصائص وشرائط أساسية نذكر عدة منها:

أ- امتلاك رؤية سياسية
لا ندعي جزافاً إذا قلنا أن جميع الناس تميل للتدخل في معرفة مصيرها وتقريره كما تشاء، وهذا ما نعني به بإمتلاك رؤية سياسية، ويمكن أن ندعي أن جميع الناس بدون استثناء تتدخل في المسائل السياسية، حتى أولئك الذين يعتقدون بفصل الدين عن السياسة وأن السياسة شأن السياسيين وليست من شأننا، إلا أن امتلاك الحس السياسي والرقابة السياسية أمر مشكك مثل النور، فقد نقوى ونشتد عند بعض الناس وقد تضعف عند البعض الآخر فيتصور أنه لا يتدخل مطلقاً في السياسية.

إن الوقوف بوجه الظلم والتعدي ومناصرة المظلوم وإعانة المحروم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأمثالها تنبع من رؤية سياسية، بل إن التعاطف مع المظلوم والحنق على الظالم ليس إلا تعبيراً عن الرؤية السياسية الكامنة في أعماقه.
إن أفضل سبيل لتقوية الرؤية السياسية الإسلامية عند المسلم هو أن يدخل في أتون المعترك السياسي، فيدافع عن المظلوم ويقارع الظالم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويجاهد المستكبرين.

ب- الاستعداد الذهني‏
في السياسية يوجد الكثير من الأصول مثل "أصل التسلسل في الأحداث"، وأصل "تعدد العلل ونفي العامل الواحد" وأمثالها وعلى هذا الأساس، فعندما تقع أية حادثة، لا بد من اعتبار المسائل التالية: وجود عوامل متعددة سببت وقوع الحادثة، احتمال وجود موارد مشابهة، احتمال أن يكون بعض هذه العوامل مستبعداً كلياً، لذا، فمع حضور الذهن أولاً وربط هذه الظواهر ببعضها ثانياً يمكن للمحلل أن يصل إلى النقطة المطلوبة، لا شك أن جمع المعلومات والمصادر اللازمة يرفع بعض الأشكال، ولكن في حال كون المحلل خالياً من الاستعداد الذهني فلن يستطيع إيجاد العلاقة بين هذه الظواهر.
فكثيراً ما يتوقع الإنسان نتيجة معينة عند وقوع بعض الأحداث السياسية الكبرى، ولكنه عندما يعرض نتيجته على المحللين يجد أنه حذف كثيراً من العوامل التي لها دخالة كبيرة في هذه الأحداث مما أدى به إلى نتيجة خاطئة أو ناقصة، وهذا ينم عن نقص في الاستعداد الذاتي والدقة والعمق عند المحلل.

ج- التأني والرويّة
يميل الكثيرون بدون تأمل وتعمق في أخذ الظواهر إلى إبداء الآراء والتحليلات السياسية المتنوعة، وفي مرات عديدة لا يحصدون سوى الخيبة والخجل من جراء التحليلات القشرية والناشئة عن عدم الاطلاع على المعلومات والمصادر الكافية، أو عدم التروي في تفسير وتحليل هذه المعلومات، لعله يمكن القول أنه لا يوجد علم أو فن مثل السياسة فشل أثناء التطبيق والعمل، ولذلك قيل: "التاريخ هو الجامعة الوحيدة للعلوم السياسية" و "الماضي مصباح طريق المستقبل".

فعلى هذا الأساس، فالأشخاص الذين يريدن إصلاح تحليلاتهم وضبطها عليهم أن يعملوا بوصية علماء الأخلاق في الالتفات إلى محاسبة النفس والتخلي عن روح العناد والتعصب، وإذا شكوا في صحة نظرياتهم أو سقمها فعليهم مراجعة حساباتهم، ولو اكتشفوا أن لا أساس لتحليلاتهم يعتمد عليه فعليهم أن يتخلوا عنها.

إن أهم شرائط المحلل أن يواجه الحوادث بحيطة وحذر كبيرين، يتحدث قليلاً، ويسمع أكثر مما يتحدث، وعلى كل حال، فإن المطالعة والتحقيق من المفاتيح الأساسية لأبواب التحليل السياسي الصحيح.

د- التعرف على لغة السياسة
يتعمد الكثير من السياسيين التعبير عن مقاصدهم بلغة غير متعارفة عند عوام الناس، وكثيراً ما يظهرون إعجابهم وتفاؤلهم بحادثة معينة أو اشمئزازهم وتشاؤمهم من أخرى، ولكن في الواقع يقصدون شيئاً آخر، وعلى هذا، فلا بد من الكياسة والفطنة للتعرف على اللغة السياسية والوصول إلى المقاصد الحقيقية لتصريحات السياسيين، ويمكن ذكر أمثلة كثيرة في هذا المجال، ومن لطيف ما ذكر حادثة استشهاد سعيد بن جبير وهو من قراء القرآن المعروفين ومن المقربين للإمام السجاد عليه السلام، وقد طلبه الحجاج يوماً، إذ أن تهمة الموالاة لأهل البيت من أخطر التهم في ذلك العصر وحين قبض عليه جرى بينهما الحوار التالي:
قال له الحجاج: أنت شقي بن كسير، قال: أمي كانت أعرف بي، سمتني سعيد بن جبير، فقال له الحجاج: ما تقول في أبي بكر وعمر، هما في الجنة أم في النار؟ قال: لو دخلتهما لعلمت من فيهما، قال: ما قولك في الخلفاء؟ قال: لست عليهم بوكيل، قال: أيهم أحب إليك: قال: أرضاهم لخالقه، قال: فأيهم أرضى للخالق؟ قال: علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم، فقال الحجاج: أبيت أن تصدقني، قال: بل لم أحب أن أكذبك.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع