مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الشباب ومشاكلهم الجنسية المصاعب الـ 7 للحياة الزوجية

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

يقال بأن "رستم" بطل الخرافات في إيران، قد صمَّم يوماً على احتلال بعض مناطقها المنيعة التي لم يوفق أحد حتى ذلك اليوم في احتلالها.. وفي مسيره نحوها، اصطدم بموانع كبرى، الواحدة منها أصعب من الأخرى. فحيناً اصطدم بـ "ديوسفيد" وأخرى بالثعابين الضخمة، وثالثة بالسحرة المشعوذين.. وأخيراً استطاع بقوته ومهارته ونفوذه تخطي هذه الصعاب السبع وإحراز النصر.

هذه الأسطورة هي تجسيد خيالي لجملة من مشاكل الناس الحياتية. وما تعددها وكثرتها إلا لبيان إمكانية الفوز والتغلب عليها.
ومسألة الزواج واجتياز عقباته في عالمنا اليوم، لا تقل أهمية عن تخطي "رستم" لتلك المصاعب الخرافية "السبع"، مع فارق أن الشباب لا يملكون شجاعة وقدرة رستم لتخطي هذه العقبات السبع أو إنهم غير مصمّمين أصلاً على اجتيازها.
وذلك لأننا نجد أن أصغر مسألة اجتماعية كالزواج قد خرجت عن شكلها الطبيعي والأصلي، لترتبط بالكثير من الشوائب الضارة..
وأكثر الآهات والشكاوى، وصراخات الشباب والآباء والأمهات، مرتبطة بهذه الشوائب. وإلا فأصل وأساس هذه المسألة أبسط وأطهر وأقدس من كل هذه المتاعب والمساوئ التي تحصل قبله أو بعده.

والزواج في هذه الأيام، يشبه إلى حد كبير عملية استخراج للذهب من بين قطع المعادن المختلفة. فقد اختلط بالكثير من المواد الزائدة والخارجية عند الكثيرين، بحيث أصبح استخلاصه غير مربح، ولا يعادل تعبه.
هذه المواد الزائدة على الزواج، هي نفسها القيم الموهومة والرسوم والعادات الخاطئة، والشكوك الزائلة، وكسب الاعتبار والشخصية الخيالية...
والزواج وسط هذه الطائفة من المشاكل قد فقد وجهه الأصلي كلياً، وأصبح كغول الصحراء المخيف الذي لا يستطيع أحد مواجهته.
والمسألة الأسوأ، إنك ترى الجميع يملكون جرأة المبارزة لكسب هذه الزوائد والمواد الدخيلة، والمتعلمون في هذا المجال، أسوء حالاً من الأميين، وأهل اليوم أضعف وأعجز من أهل الأمس.


على الشباب اجتياز هذا الطريق الطويل الشاق بشجاعتهم (كـ "رستم" الذي تخطى الصعاب السبعة)، وتحطيم هذه الطلاسم السحرية. ولا داعي للعجب، فإن في هذا الطريق مصاعب سبعة أيضاً تتمثل بـ:
1- الأوهام غير المحدودة والخيالية: كتصورات الشباب عن الفتيات، والفتيات عن الشباب، والآباء والأمهات من الاثنين.
2- الإشكالات التي لا أساس لها من قبل الكثيرين من الآباء والأمهات والأقارب والأصدقاء..
3- المهر الغالي والمرهق.
4- التشريعات الزائدة عن حدّها والمتعلقة بمراسم الزواج، وآلاف الأنواع من المقدمات والنهايات.
5- الاحتجاج لجهة مستوى العائلتين وتوازيهما.
6- العشق الجياش الغير قابل للضبط، والغير متوقع في نفس الوقت.
7- الوسوسة الخارجة عن الحد، وعدم الاطمئنان والإيمان بعدم خيانة الفرد للآخر في المستقبل.
عندما نفكر في هذه العقبات السبع، نرى أن أكثرها غير مرتبط بمسألة الزواج، وكل ما موجود يرجع إلى الحواشي والزوائد.
 

وكمثال، لنأخذ بعين الاعتبار مسألة "المستوى والمقام" أو ما يسمى بحسب الاصطلاح "الكفؤ"، فنرى أن هذا الموضوع الذي يعتبر مانعاً كبيراً لزواج الكثيرين، هو تحريف للقوائع ليس إلا.

شاب يعمل مهندساً في شركة نفط، ويحصل شهرياً على راتب كافٍ، ولديه من العمر حوالي الثلاثين سنة، تراه يئن ويشكو لأنه لم يوفق للزواج إلى الآن، يقول: لا أستطيع اختيار آية زوجة، فيجب أن تكون محترمة، ذات مستوى عالٍ أو من نفس مستواي، والمشكلة تكمن أنه في حال اختياري لأية واحدة من هذا الصنف فإنه يحدد لي رسوم وعادات، وتوضع لي شروط لا يستطيع أحد تحقيقها، ولا يستطيع "عقل إلكتروني" حسابها."
قلت: ماذا تعني "بالشخصية والمقام والاحترام و.." هل تقصد العلم والمعلومات الكافية؟ أنا أدلك على عائلات كثيرة، فيها شابات مثقفات، وعندهن اللياقة، ومستعدات للزواج من أمثالك. أم أن قصدك من "الشخصية" وجود الصفات الإنسانية العالية والقيم الأخلاقية. أم الامتيازات الجسمية والبدنية الملفتة؟ أيضاً مثل هذه المواصفات موجودة بكثرة، ووسط عائلات أصيلة ونظيفة أيضاً.
ولكنني لا أظنك تبحث عن هذه المواصفات، بل تبحث عن العائلة المحترمة وذات المقام و.. وأن يكون أبوها وأمها ثريين، ويملكان شقة فخمة وسيارة وأرزاقاً كبيرة. وتطمع أن يكون عمها المدير الفلاني أو الرئيس الفلاني و.. أليس هذا ما تبحث عنه وتقصده؟! قال: الآن عرفت أن هذا كان قصدي. قلت: أنت الذي ارتكبت مثل هذا الخطأ الكبير، حيث رأيت أن الشخصية تتمثل في مثل هذه الأمور، وليس في امتيازات الإنسان الواقعية، ولذا أنت على مثل هذه الحالة من التألم والعذاب.

والملفت للنظر أن الروايات الإسلامية انتقدت هذا المفهوم الخاطئ للكفؤ بشدة، والذي كان رائجاً في ذلك الزمان بين القبائل والمجتمعات الطبقية، وقد عرف الجميع، رجالاً ونساءً، أبناءً وبنات، معنى الكفؤ مع الإيمان. حيث في الروايات الإسلامية: "المؤمن كفو المؤمنة" فكل فرد مؤمن من أية عائلة أو قبيلة أو طبقة كان هو كفؤ ومن نفس مستوى ومقام الفرد المؤمن الآخر.
 

وبناءً على هذا إذا أزيحت الأوهام المربوطة بحياة الطبقات والتصنيفات والتقسيمات الاجتماعية، واختار طرفا الزواج بعضهما على أساس القيم الإنسانية والمنطقية والعقلانية، لا على أساس إمكانات الأعمال وثروات وأملاك الأخوال، فإن هذه المشكلة ستحل مؤكداً، ومن الملفت أن كثيراً من مشاكل وعقبات الزواج هي من هذا النوع.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع