السيّد عبّاس الموسويّ (رضوان الله عليه)
عندما نستعرض أيّام الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف ومعالم دولته وزمانه الذي يعيش فيه، نكاد نستشرف الجنّة ونستحضر ما فيها من خير وسعادة، وما يتوفّر فيها من أنواع الملذّات ومختلف أنواع الراحة المعنويّة والماديّة.
• مطر لم يرَ الناس مثله
إنّ تباشير تلك الطلعة الكريمة تبتدئ بنزول المطر بصورة غير معتادة، بحيث يشمل الأرض كلّها؛ فتزدهر المواسم، ويزداد عطاء الأرض، وتكثر الغلال والزرع والثمار، ويدخل الإنسان عالماً جديداً من الازدهار ينعكس على المجتمع والأفراد، فيستشعر الجميع أنّهم أمام أمر جديد يستحقّ التوقّف عنده والتفكير فيه، وفيه إحياء جديد. تقول الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام : «إذا آن قيام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف مُطِر الناس في جمادى الآخرة وعشرة أيّام من رجب مطراً لم ترَ الخلائق مثله»(1).
فنزول المطر بهذه الكمّيّات الكبيرة، يعني ازدهار الحياة الاقتصاديّة وزيادة الخيرات.
• تُنبت الأرض ضعف خيرها
تتجلّى الخيرات بعد ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف بما تعطيه الأرض، حيث تُخرج ماءها وينابيعها وعيونها، وتتدفّق الأنهار لتروي هذه الأرض، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وتمدّ الأنهار، وتفيض العيون، وتنبت الأرض ضعف أكلها»(2). وفي رواية أخرى عن الإمام الحسن عليه السلام قال: «وتُخرج الأرض نبتها وتُنزل السماء بركتها»(3). وفي الحديث عن الإمام عليّ عليه السلام قال: «ولو قد قام قائمنا، لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتّى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلّا على النبات وعلى رأسها زبيلها (سلّة من ورق النخيل) لا يهيبها سبع ولا تخافه»(4).
إذا أردنا أن نصنّف أصحاب رؤوس الأموال، ونعدّد الدول الغنيّة، فإنّ دولة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف أغنى الدول على الإطلاق منذ أن خلق الله العالم وأصبح في الدنيا دول وحكومات؛ فمع العدل والصدق ثمّة ثراء يبلغ الدرجة الأولى. في الرواية عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: «يجتمع إليه -إلى الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف- أموال أهل الدنيا كلّها من بطن الأرض وظهرها»(5). وفي رواية أخرى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «ويُظهر الله له كنوز الأرض ومعادنها»(6).
• الخيرات إلى سبعمئة ضعف
عند ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف، تزداد الخيرات وتتضاعف الغلال والثمرات حتّى تبلغ سبعمئة ضعف. في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو يصف الازدهار في ذلك العصر المبارك الكريم، فيقول: «فيبعث المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف إلى أمرائه بسائر الأمصار بالعدل بين الناس، وترعى الشاة والذئب في مكان واحد، وتلعب الصبيان بالحيّات والعقارب، لا يضرّهم شيء ويبقى الخير، ويزرع الإنسان مدّاً يخرج له سبعمئة مدّ، كما قال الله تعالى: ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ﴾ (البقرة: 261)، ويزول الربا والزنا وشرب الخمر والرياء، و[يُقبل] الناس على العبادة والشريعة والديانة والصلاة في الجماعات، وتطول الأعمار، وتؤدّى الأمانة، وتحمل الأشجار، وتتضاعف البركات، و[يهلك] الأشرار ويبقى الأخيار، ولا يبقى من يبغض أهل البيت»(7).
• عطاء وفير
بعد أن تصبح أموال الدنيا بيد الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فإنّه يعطي الناس ما يكتفون به، بحيث ترتفع الحاجة ولا يبقى محروم أو محتاج، ففي الحديث عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: «كأنّني بدينكم هذا لا يزال مولّياً يفحص بدمه، ثمّ لا يردّه عليكم إلّا رجل منّا أهل البيت، فيعطيكم في السنة عطاءين، ويرزقكم في الشهر رزقين»(8). في هذا الحديث، يكشف الإمام الباقر عليه السلام أنّ أحكام هذا الإسلام ستبقى لا تُطبّق كاملةً كما ينبغي حتّى يظهر الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فعندها، يسترجع ديننا أحكامه ويصبح نافذ المفعول والإرادة. كما تدلّ الرواية على أنّ ثمّة رواتب نصف شهريّة يحصل عليها كلّ شخص، بحيث لا يفقد المال من بين يديه ولا يقع في حاجة أو عوز في آخر الشهر. كما ثمّة توزيع نصف سنويّ؛ إذ يمدّ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف الناس بالمال كلّ ستّة أشهر.
• كثرة العطاء تُشبع حتّى الطمّاع
من لطائف ما روي عن رسول الله أنّه قال صلى الله عليه وآله وسلم: «أبشّركم بالمهديّ، رجل من عترتي يبعث في أمّتي على اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، ويقسم المال صحاحاً، فقال له رجل: ما صحاحاً؟ قال: بالسويّة بين الناس، ويملأ قلوب أمّة محمّد غنى ويسعهم عدله حتّى إنّه يأمر منادياً فينادي: من له حاجة إليّ؟ فما يأتيه أحد إلّا رجل واحد فيسأله، فيقول: ائتِ السادن (الخازن) حتّى يعطيك، فيأتيه فيقول: أنا رسول المهديّ إليك لتعطيني مالاً، فيقول: احثِ فيحثي ولا يستطيع أن يحمله، فيلقي حتّى يكون قدر ما يستطيع أن يحمله، فيخرج به فيندم فيقول: أنا كنت أجشع أمّة محمّد نفساً، كلّهم دعي إلى هذا المال فتركه غيري، فيردّه عليه فيقول: إنّا لا نقبل شيئاً أعطيناه»(9).
• يستغني الناس عن الصدقات
في كتاب الغيبة للنعماني عن الإمام الصادق عليه السلام وهو يوصي شيعته: «تواصلوا وتباروا، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، ليأتينّ عليكم وقت لا يجد أحدكم لديناره ودرهمه موضعاً»(10)؛ بمعنى أنّه لا يجد له عند ظهور القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف مورداً يصرفه فيه أو مستحقاً له لاستغناء الناس جميعاً بفضل الله وفضل وليّه.
• يفرح الأموات بظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف
في زمن انتظار الظهور، تكون أعياد المؤمنين وأيّام سرورهم عندما يُعلَن النبأ السعيد بظهور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، لأنّهم كانوا ينتظرون بشوق تلك الطلّة الشريفة، ويترقّبون في كلّ لحظة أن يطرق سمعهم هذا الخبر الكريم. أمّا الأموات، فلأنّهم كانوا يحملون في الدنيا فكر الظهور ويترقّبونه ويتوقّعونه في كلّ لحظة، فإنّهم يحملون معهم تلك العقيدة والآمال، ولأجل ذلك يستبشرون بنبأ الظهور، تقول الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام وهي تتحدّث عن زمن ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف: «ولا يبقى مؤمن ميت إلّا دخلت عليه تلك الفرحة في قبره، وذلك حيث يتزاورون في قبورهم ويتباشرون بقيام القائم»(11).
• تفرح الطيور والحيتان
عن الإمام الحسن بن عليّ وهو يصف الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وخروجه: «فعند ذلك، تفرح الطيور في أوكارها والحيتان في بحارها»(12). فلا يقتصر الفرح على الناس من الأموات والأحياء، بل هذا الفرح يشمل حتّى الطيور في السماء والحيتان في بطون البحار، فإنّ الله أعطاها حسّاً يستشعر عظمة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف ودوره، وما يعكسه ظهوره من الاستقرار والأمان والعدل العام.
*مقتبس من كتاب: الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف عدالة السماء، ص 288 - 294.
1. الإرشاد، الشيخ المفيد، ص 342.
2. بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 52، ص 304.
3. المصدر نفسه، ج 12، ص 280.
4. المصدر نفسه، ج 52، ص 316.
5. المصدر نفسه، ج 52، من 290.
6. المصدر نفسه، ج 52، ص 323.
7. منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر، الكلبايكاني، ج 3، ص 145.
8. بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 52، ص 352.
9. العرف الوردي، السيوطي، الحديث 8.
10. الغيبة، النعماني، ص 152.
11. بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 52، ص 382
12. المصدر نفسه، ج 52، ص 304.