الشيخ بلال حسين ناصر الدين
حينما وقف فرعون قائلاً: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ﴾ (النازعات: 24)، كان قد أعلن بذلك، وبعنجهيّة مطلقة، أن لا سبيل لأحد للوقوف في وجهه، وأنّه بقوّته وبما يمتلكه من قدرة، قد وصل إلى ذروة ما يخوّله ادّعاء الربوبيّة على الناس! لقد غفل فرعون حينها، أو تغافل بفعل فرط قوّته، أنّ ثمّة أقواماً سبقوه، وأباطرة وملوكاً كانوا قد حكموا وتسلّطوا على رقاب الناس، فلم يبقَ منهم إلّا شينُ الذكرى ورميمُ العظام، حتّى رأى هو بنفسه كيف يكون مصير الغافلين حين قذفت به مياه البحر وصار صريعاً على صخرة صمّاء أصلب منه وأقوى!
وهكذا هي أمريكا وقِوى الاستكبار العالميّ اليوم، بحيث تسعى إلى فرض مفهوم جديد على العالم، وهو ما يُعرف بمصطلح “نهاية التاريخ”؛ ويقصد به أنّ تاريخ الأقوام السالفة قد ولّى ولا رجعة له، وقد توقّف عند ما وصلت إليه هذه القِوى من تطوّر ماديّ وعسكريّ وتقنيّ، وما على شعوب العالم إزاء ذلك إلّا أن تستسلم أمامها لتكون رهن طوعها في كلّ ما تخطّط له وتنشده، حتّى لو كان ذلك على حساب ثروات تلك الدول أو كرامتها وعزّتها.
لقد غفل هؤلاء أنّ سنن الله في عباده وخلقه ما زالت حيّة تسري في كلّ صغيرة وكبيرة، وأنّ كلّ ما دون قوّته ضعيف، وكلّ ما دون عزّته ذليل، وكلّ ما دون حياته فانٍ لا بقاء له إلّا بأمره سبحانه. لقد غفل هؤلاء عن سنّة الله في عقاب الظالمين، مهما علا عتوّهم وجبروتهم، وهو القائل سبحانه منذراً عباده: ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ (آل عمران: 137).
وإنّ أشدّ ما يُلقى على عاتق أبناء أمّتنا في مواجهة الإمبرياليّة الأمريكيّة وقِوى الاستكبار وأذنابها كالكيان الصهيونيّ الغاشم، علاوة على التهيّؤ والإعداد، هو بذل الجهد في سبيل عدم سريان الشكّ في أذهان فئات أبنائنا -بخاصّة الشباب منهم- في أنّ لله تعالى قضاءً في هؤلاء سيأتي، وأنّه سبحانه سيجري عليهم ما أجراه في الأمم السالفة والغابرة، وسيكونون في معرض العقاب الأليم، وسيفنون مهما طال بهم الزمن، ومهما اشتدّ ظلمهم وأوقعوا في عباد الله الويلات والمحن، قال سبحانه: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ (إبراهيم: 42).