اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

الشهيد على طريق القدس د. محمّد حسن فارس شمص

د. فاطمة خشّاب درويش


"إذا توفّر للإنسان أن يكون متعلّماً فليكن كذلك، وعليه أن يخدم بعلمه هذا الخطّ وجميع الناس". هذه الكلمات المعدودة ليست شعاراً، بل قناعة عمِلَ عليها الشهيد محمّد حسن فارس على مدى عمره، فهو العاشق للعلم الذي سعى إلى تحصيله بجدّ واجتهاد منذ صغره حتّى استشهاده، فوصل إلى أعلى المراتب العلميّة في اختصاصه.

* في درب الجهاد
حاز الشهيد على شهادتَي دكتوراه: الأولى في هندسة الكهرباء والإلكترونيك من الجامعة اللبنانيّة، والثانية في الروبوتيك والذكاء الآليّ من جامعة طهران.

عندما نال شهادة الماجستير في دراسة الكهرباء، رأى فيه والده عقلاً مميّزاً، فعرض عليه السفر إلى إيران لتحصيل شهادة الدكتوراه في جامعة طهران، فكان ذلك.

يتحدّث د. مهدي نصيري عن علاقته بالشهيد خلال فترة دراسته في جامعة طهران، ويقول: "لم أكن أتوقّع أن يتحدّث طالب، جاء من لبنان إلى طهران لتحصيل الدكتوراه في الذكاء الصناعيّ، عن الجهاد بهذا الكمّ من العشق، وعلى نحو غاية في الجمال، لدرجة أنّك ترى هذا العشق في عينيه وملامحه".

ويتابع: "يقول الشهيد قاسم سليماني قدس سره: (من لم يكن شهيداً في حياته، لن يصبح شهيداً). لقد عاش الدكتور محمّد حسن كالشهداء، لذا، أصبح من الشهداء".

* ربط الهندسة بمشروع أكبر
يقول د. بلال اللقيس عن الشهيد فارس: "كان الدكتور حسن فارس مجتهداً جدّاً، وقد ظهر ذلك منذ بداية دراسته اختصاص الهندسة، وقد تعلّم وجدّ واجتهد، كأنّه كان يربط الهندسة بمشروع أكبر". ويتابع: "الشيء المميّز فيه أنّه ربط علمه ودراسته واختصاصه بالقضيّة".

وعن طبيعة العلاقة التي جمعت الشهيد بطلّابه، يقول د. مصطفى الحسينيّ، الذي كان على اطّلاع على طبيعة هذه العلاقة: "كان ثمّة تواصل بين عدد من الطلّاب والشهيد بحكم عمله في الإشراف على أبحاثهم. غالباً ما كان يتفاجأ الطلّاب بتواضعه عندما يجلسون معه. لقد كان نموذجاً في التواضع والأخلاق العالية".

* الكافل الصغير
"عندما كان جنيناً في بطني، كنت أرغب في تسميته محمّد حسن، بينما والده أراد تسميته محمّد حسين، فسمعت في منامي صوتاً ناداه ثلاث مرّات: محمّد حسن، محمّد حسن، محمّد حسن". بهذه الكلمات تستذكر والدة الشهيد الحاجة أمّ حسن قصّة تسمية ولدها، وتعود بذكرياتها إلى أيّام طفولة الشهيد الذي لازمته صفة الاجتهاد منذ سنواته الأولى في روضة مدارس المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، وتستذكر موقفاً آخر حدث معها عرفت من خلاله أنّ ابنها الشهيد هو كافل ليتيم، فتقول: "وصلت إلى بيتنا بطاقة في مغلّف مكتوب عليه (محمّد حسن فارس)، اعتقدت للوهلة الأولى أنّ البطاقة تعود لزوجي، وبعد التدقيق فيها تأكّدت من الاسم، وسألت محمّد حسن عن الموضوع، فأظهر تفاجؤه من اكتشافي الأمر، ثمّ سألته عن كيفيّة جمعه الكفالة، فأخبرني أنّه يجمعها من مصروفه الشخصيّ".

استمرّ الشهيد فارس في درب الخير والعطاء على مدى سني عمره، ويستذكر أخوه محمّد أمير حين كان يصطحبه قبل أيّام من العيد لشراء الثياب لعدد من الأولاد الأيتام من أجل إدخال الفرحة إلى قلوبهم.

في هذا الإطار، تلفت الحاجة أمّ حسن إلى أنّه كان حريصاً على خدمة العوائل المستضعفة وخاصّة الأرحام منهم، فهو كان يسعى إلى تقديم ما يحتاجونه، ويستعين بأخته آلاء من أجل شراء ثياب العيد والأحذية للأولاد وحلوى العيد أيضاً، أو من خلال تأمين حصص غذائيّة وتموينيّة لبعض العائلات على مدار العام.

يستذكر شقيق زوجة الشهيد محمّد الديراني، كيف طلب منه الشهيد مرافقته لعيادة صديقه المريض في المستشفى، فتحدّث إلى أهله وقدّم المال لوالد صديقه بعدما طلب منه الحديث معه جانباً حفاظاً على ماء وجهه أمام الناس.

* "حمامة المسجد"
يستحضر والد الشهيد سماحة الشيخ علي فارس ولده الذي كان مجدّاً أيضاً في قربه من الله سبحانه وتعالى، فهو تربّى على حبّ الإسلام وأهل البيت عليهم السلام. يقول: "كان الشهيد فارس مميّزاً في صلاته ودعائه وقراءة القرآن، وهو نشأ وترعرع في المسجد، إذ كان يصلّي فيه في كلّ الأوقات، وكان يرافق جدّه إليه، حتّى بات يطلق روّاد المسجد عليه لقب (حمامة المسجد) لصغر سنّه وحسنه وجماله".

"الشابّ الخلوق السموح" هكذا عبّر عنه فضيلة الشيخ علي دعموش، الذي تعرّف به في مجمع السيّدة زينب عليها السلام، إذ كان يتردّد إليه بشكل دائم ويواظب على صلاة الجماعة والجمعة.

* عاشقاً لأهل البيت عليهم السلام
كان الشهيد فارس محبّاً وعاشقاً لأهل البيت عليهم السلام، ويشير والده إلى أنّه "ما ترك زيارة عاشوراء في حياته، وكان محبّاً لزيارة مراقد الأئمّة الشريفة، وعندما كان يواجه مشكلة علميّة في دراسته، كان يقصد السيّدة المعصومة في قمّ المقدّسة، يصلّي ركعتين ويتوسّل بها إلى الله إلى أن تُقضى حاجته بإذنه تعالى".

تتحدّث والدة زوجة الشهيد الحاجة أمّ مصطفى الديراني عن روحه الإيمانيّة المميّزة، تقول: "كان يوصينا دائماً بالتعلّق بأهل البيت عليهم السلام والمواظبة على زيارة عاشوراء وصلاة الليل. كما كان يوصيني بالدعاء له في مجالس الإمام الحسين عليه السلام".

تعود الحاجة بذاكرتها إلى الفترة التي تقدّم فيها الشهيد لزواج ابنتها، وتقول: "عندما دخل بيتنا أوّل مرّة، تكشّف لنا فوراً كم كان إنساناً ملتزماً وخلوقاً، يخاف الله حقّ مخافة، فمضينا وفق حديث (من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه)".

* الشخصيّة النموذجيّة
"كان الشهيد يبذل كلّ وقته وجهده من أجل دراسته. ساعات طويلة كان يمضيها طالباً للعلم"، يقول صهر الشهيد السيّد حمزة عيسى، وهو الذي كان صديقاً له منذ سني الدراسة الأولى في روضة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فيقول: "كان يمتلك شخصيّة نموذجيّة في مختلف الجوانب، وكانت رفقته وجلسته حُلوة، وكان يبدّد كلّ أنواع الصعوبات".

يقول والد الشهيد إنّ أحدهم قال له: "الدكتور محمّد حسن ليس حائزاً على شهادة الدكتوراه في الروبوت والذكاء الصناعيّ فقط، وإنّما أيضاً الدكتوراه في الأخلاق".

* الأخ والأب الحنون
يقول شقيق الشهيد محمّد أمير: "كان الالتزام بالنسبة إليه خطّاً أحمر لا يمكن المساس به، وكانّ أيضاً يحبّ الحياة، ويعمل وفق قول أمير المؤمنين عليه السلام: "اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً".

ويتابع: "كان أخي مميّزاً في أخلاقه وعلمه ودينه. كان يحثّنا على التعلّم، ويدعوني لأن أكون مميّزاً في حياتي".

بدورها، تتحدّث أخت الشهيد آلاء عن علاقتها المميّزة فيه، فهو كان حريصاً عليها، وعندما كانا يدرسان معاً في الجامعة، كان يرتّب مواعيد محاضراته وفقاً لبرنامجها حتّى لا تعود وحدها إلى البيت.

تضيف: "حتّى عندما تزوّجت، بقي هذا الحرص عليّ وعلى أولادي. وعندما سافر زوجي، كان الشهيد نِعم السند لي ولأولادي الذين تربطهم علاقة مميّزة بخالهم الشهيد".

أمّا ابنته إسراء، مدلّلة أبيها، فتقول: "والدي كان لطيفاً ومحبّاً. كان يحبّني كثيراً، لا يرفض لي طلباً. وحين كنت أريد الذهاب إلى مكان ما، يأخذني إليه".

* حجّة على كلّ المتعلّمين
لم يكتفِ الشهيد فارس بإجراء الأبحاث بعد مرحلة الدكتوراه فقط، بل عمل على استثمار ما تعلّمه وتحويله إلى مواد جامعيّة للتدريس في اختصاص الذكاء الصناعيّ. وكان قبل استشهاده قد تقدّم بطلبات للتدريس في عدد من الجامعات. والمفارقة أنّ إحدى الجامعات قبلت طلبه للتدريس فيها، ولكنّ ردّها جاء يوم استشهاده!

يختم الشيخ علي دعموش الكلام عن الشهيد الدكتور فارس قائلاً: "إنّ ما يملكه من علم ومعرفة وابتكار في مجال تخصّصه حجّة على كلّ المتعلّمين"، داعياً "كلّ من يملك علماً أو معرفة ووصل إلى مراتب عالية في اختصاصه وشهادته، أن يسخّر ذلك في خدمة النهج المقاوم".


(1) حائز على شهادتَي ليسانس في هندسة الكهرباء وهندسة الإلكترونيك من جامعة LIU.
(2) حائز على ماجستير في هندسة الكهرباء من جامعة LIU.
(3) حائز على الدكتوراه في هندسة الكهرباء والإلكترونيك من الجامعة اللبنانيّة.
(4) حائز على الدكتوراه في الروبوتيك والذكاء الآليّ من جامعة طهران.
(5) حائز على العديد من الشهادات العلميّة من خلال مشاركته في دورات في اختصاص الروبوتيك والذكاء الصناعيّ.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع