اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

الافتتاحية | الصبر حليف النصر

الشيخ بلال حسين ناصر الدين


يُلاحَظ في جملة من آيات الكتاب الكريم أنّها قرنت كثيراً بين الدعوة إلى الصبر وتحقّق النصر، ممّا يدلّل على كونه واحداً من أهمّ مرتكزات النصر وعوامله ومسبّباته. ففي قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ (البقرة: 250)، يعلّمنا الله كيف ندعوه أن يفرغ على قلوبنا الصبر ويصبّه صبّاً، ثمّ يعقّب عليه طلب الثبات وتحقّق النصر الإلهيّ.

وفي قوله سبحانه: ﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ (آل عمران: 125)، ذكرٌ للصبر كعامل لنزول المدد الإلهيّ.

وقال تبارك اسمه: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ (الأنفال: 65)، في إشارة إلى دور الصبر وتقدّمه في الأهميّة على عامل العدد والكميّة.

كما جاء في دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام لأهل الثغور ذكر الصبر كواحد من أسباب العون للمجاهدين والمقاتلين: «وَاعْضُدْهُمْ بِالنَّصْرِ، وَأعنْهُمْ بِالصَبْرِ»(1).

ويحضر في الآيات الكريمة تعبير آخر لافت، وهو المصابرة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 200).

فالصبر يعبّر عن حالة فرديّة، يحبس فيها الإنسان نفسه عند الشدائد، أو في طاعة الله تعالى، أو عن معصيته، ولا شكّ في أنّها صفة ضروريّة في تحقّق النصر. وأمّا المصابرة، فهي التصبّر وتحمّل الأذى بصورة جماعيّة، يعتمد فيها صبر بعضٍ على صبر الآخرين(2)، ويؤدّي ذلك إلى أن تقوى حال الأمّة في صبرها وثباتها على الحقّ، في مواجهة أعدائها وصبرهم وثباتهم على باطلهم. وهذه الصفة لا شكّ في أنّها لا تقلّ أهميّة عن الصبر كحالة فرديّة، بل نستطيع القول إنّ المصابرة تساهم في تحقّقه ودوامه واستمراره.

فالآية -إذاً- تشير إلى وظيفة ضروريّة أخرى، وهي إدامة الصبر والاستمرار عليه، بحيث يظهر علناً ويتجلّى بين الناس(3)، وأنّ على الأمّة أن تضاعف من صبرها وثباتها كلّما ضاعف العدوّ من صبره وثباته(4)، لتكون عاقبة ذلك هو الفوز والفلاح والنصر. وفي سورة العصر، بيّن تعالى أنّ الخسران والهزيمة حليف الإنسان، إلّا أن يتّصف بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحقّ، ثمّ عقّب ذلك بقوله سبحانه: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (البلد: 17).

ومنه يتّضح أنّ الصبر والمصابرة أو التواصي بالصبر، تساهمان في تقوية وتماسك جبهة الأمّة الداخليّة، وتعطي قوّة وقدرة ومنعة وعزّة في مواجهة الأعداء، وهي عناوين أساسيّة في تحقّق النصر الإلهيّ والثبات في الساحات، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: 7).


(1) الصحيفة السجّاديّة، الدعاء رقم 27.
(2) الميزان، الطباطبائي، ج4، ص91.
(3) التحقيق في كلمات القرآن الكريم، المصطفوي، ج4، ص28.
(4) الأمثل، الشيرازي، ج3، ص68.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع