مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة

سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)


إنّ من أهمّ وظائف المؤمنين في زمن الغيبة الكبرى، هي تربية الأمّة والناس، وخصوصاً شيعة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، على طاعته؛ إذ قد يكون الكثير من الناس متديّنين، يصلّون صلاة الليل، ويقرأون القرآن، لكن تشير بعض الروايات إلى أنّ المشكلة حين ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، تكمن في بعض النخب الذين لن يقبلوا به عجل الله تعالى فرجه الشريف، بل ويشكّكون في أنّه ابن فاطمة عليها السلام؛ وهذا يعني أنّهم سيكونون قساةً معه، فكيف يمكن ضمان عدم انحراف القاعدة الشعبيّة، كما حصل في معركة النهروان مع الخوارج حين رفعوا السيف في وجه إمامهم أمير المؤمنين عليه السلام؟ ونحن نعرف معاناة الأئمّة عليهم السلام مع أصحابهم طوال التاريخ؛ فالإمام عليّ عليه السلام كانت مشكلته مع أصحابه قبل معاوية، فلو كانوا على قدر من الوعي والبصيرة، لكان تغيّر وجه التاريخ.

* حادثة التحكيم في صفّين
ثمّة مفاصل مهمّة في التاريخ، لو اتّخذ أصحابها موقفاً غير الذي كان، لكان المسار التاريخيّ للأمّة والبشر مختلفاً، تماماً كحادثة التحكيم في حرب صفّين.

كان جيش الإمام عليّ عليه السلام على مشارف النصر النهائيّ على جيش معاوية، وكان مالك الأشتر على باب خيمة معاوية بن أبي سفيان، الذي كان في أسوأ حالاته، إلّا أنّ الحيلة التي ابتدعها عمرو بن العاص في مسألة الاحتكام إلى القرآن، غيّرت وجه المعركة، فدبّ النزاع في جيش الإمام عليّ عليه السلام، ووصل الأمر إلى أن رفع بعض أصحابه السيوف عليه عليه السلام، فطلب الإمام عليه السلام من مالك أن يرجع، فصار جدل داخل جيشه عليه السلام، حتّى اضطرّ عليه السلام إلى أن يرضخ للتحكيم حتّى لا يقع القتال في جيشه، وتكون الكارثة الكبرى. ولو لم تحصل هذه الحادثة يومها، وقتل مالك الأشتر معاوية بن أبي سفيان، لانتهت الفتنة في الأمّة، ولتمكّن الإمام عليّ عليه السلام من أن يقيم حكم العدل، ويمتدّ العدل في التاريخ.

* المشكلة: عدم طاعة الإمام عليه السلام
انظروا إلى هذا المفصل التاريخيّ الخطر والمهمّ. أين كانت المشكلة؟ هل في إطاعة أصحاب الإمام عليه السلام له؟ هؤلاء كانوا يخرجون مع الإمام عليه السلام، ويقاتلون معه في حروبه كلّها؛ قاتلوا في حرب الجمل وصفّين، بقوا أشهراً عدّة يقاتلون. ولكن، في اللحظة الحاسمة، خذلوا الإمام  عليه السلام، ورفضوا طاعته، ورتّبوا على ذلك مظلوميّة شديدة للإمام عليّ عليه السلام، وفرضوا عليه التحكيم. وانظروا مَن وضع عمرو بن العاص للتحكيم؛ كان الإمام عليّ عليه السلام يريد أن يختار عبد الله بن العبّاس حكماً من قِبَله، لكنّ الجماعة أرادوا أبا موسى الأشعريّ، وإن لم يوافق الإمام عليه السلام، ستراق دماء، فاضطرّ إلى القبول، وماذا حصل بعد ذلك؟ كانت نتيجة التحكيم سيّئة، فقد ثبّت عمرو بن العاص معاوية، وخلع أبو موسى الأشعريّ الإمام عليّاً عليه السلام. وكلّ الذين فرضوا على الإمام عليّ عليه السلام أن يقبل التحكيم قالوا له عليه السلام: «إنّك أخطأت، وكفرت بقَبول التحكيم، وعليك أن تتوب»، متذرّعين بقوله تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ (الأنعام: 75)، ونسوا أنّهم مَن فرض عليه القَبول به. ليست المشكلة في التراجع عن موضوع التحكيم، بل في طلبهم التوبة، والتوبة بما تعنيه أن يسلّم الإمام عليه السلام أنّه كفر، والعياذ بالله.

وكذلك الذين قاتلوا في معركة النهروان، كانوا يقيمون صلاة الليل، وكانت الكوفة في الليل تضجّ من أصوات تلاوتهم وتسبيحهم وعبادتهم، هؤلاء كانوا يدّعون أنّهم العبّاد الزهّاد الأتقياء الورعون، أوصلوا إمامهم إلى هذا المكان، وانشقّ الخوارج حتّى قُتل عليه السلام على يد أحدهم.

وكذلك المشكلة كانت نفسها في مرحلة الإمام الحسن عليه السلام مع أصحابه، وستكون هي ذاتها مع الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

* طاعة وليّ الأمر
من أهمّ المسائل المطلوبة والمرجوّة هي الطاعة المطلقة للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، حتّى ورد في بعض الأحاديث، أنّ من أهمّ مواصفات أصحاب الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، طاعة الفقيه العادل الجامع للشرائط، وحين نعصيه، نكون قد عصينا بالفعل الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، وعندما لا نطيعه فإنّنا نعصي إمامنا عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولا نبالي بأمره. فطاعة وليّ الأمر هي الحجّة الإلهيّة، وهي معيار طاعة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وميزان هذه الطاعة في زمن الغيبة الكبرى. ومَن لا تساعده نفسه ولا يساعده دينه ولا عقله ولا تساعده شهواته ولا أهواؤه ولا ميوله على طاعة نائب المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، لن يكون مطيعاً للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف عند الظهور، بل ستكون الحجّة عليه ألزم وأقوى؛ وهذا ما يجب أن تتمرّن عليه قواعد الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف. ففي زمن الغيبة، إذا لم يكن المرء متمرّساً على الطاعة سيحيد، وسينكر أيضاً أنّه ابن فاطمة عليها السلام لكثرة ما يرونه من الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف من قتل للظالمين والطواغيت والمستكبرين والفاسدين والمفسدين، لن يستطيعوا أن يفهموا فعله عجل الله تعالى فرجه الشريف. وفي الحقيقة، إنّ من أوجب الواجبات في زمن الغيبة الكبرى، أن نربّي قواعد الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف على التديّن والتقوى، وأن نتدرّب بطاعة الوليّ الفقيه على طاعة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف.

خلاصة القول: إنّ الوظيفة الشرعيّة الملقاة على أتباع هذا الدين وهذه الرسالة في زمن الغيبة الكبرى، هي طاعة وليّ الأمر، واتّباع أمره وخطّه ونهجه، وإنّ المطروح ليس القعود، وإنما العمل الدؤوب، إن شاء الله.


(*) من كلمة لسماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، بتاريخ: 12/6/1999م.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع