مع الإمام الخامنئي | كلّنا مَدينون للنبيّ الأعظم* نور روح الله| هكذا كانت حياة الرسول* مع إمام زماننا | حين تزفّ السماء نبأ الظهور (2): في مكّة السيّد محسن شهيداً على طريق القدس مقاومتُنا بعينِ الله صُنعت حاجّ محسن! إلى اللقاء عند كلّ انتصار* أبو طالب: قائدٌ في الميدان والأخلاق المقاومة الإسلاميّة: ثقافتنا عين قوّتنا الشهيد على طريق القدس بلال عبد الله أيّوب تسابيح جراح | جراحاتي لا تثنيني عن العمل

تسابيح جراح | جراحاتي لا تثنيني عن العمل

لقاء مع المجاهد الجريح الشيخ كميل
حنان الموسويّ


لأنّنا قومٌ لا نفقه لليأس معنى، نُثبت رغم الجراح والإعاقات البالغة أنّنا بأوجاعنا قادرون على الاستمرار ولا نتّخذ الليل جملاً. نلجُ رغم أعضائنا المبتورة غمار الحرب ولا نهتزّ، فاستمرارنا سرّ انتصاراتنا. ولأنّنا ملوك سوح الجهاد، توجّب علينا التقيّة لضمان عدم منح العدوّ أيّ معلومة بالمجّان، لذا، ستتعرّفون علينا بأسمائنا الجهاديّة بعد اليوم.

لا تسعفني الذاكرة لاسترجاع ما حدث بالتفصيل، لكنّ يقيني بأنّ عزمي على تنفيذ المهمّة كان ثابتاً.

﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ (البقرة:155-156). آيات البشرى التي سمعتها قبل الأذان لازمت تفكيري، فظللتُ أردّدها حين كنت متّجهاً إلى عملي. شخصت عيناي على الهدف، تابعته باهتمامٍ لمدّة، إلّا أنّ آليّةً ضخمة كانت تسابق الريح اعترضت طريقي!

* بريق الولاية
تردُّد الإخوة في الحرس الثوريّ إلى منزلنا، خلق في عينيّ الصغيرتَين بريقاً منذ تفتّحتا على هذه الدنيا، فقادني تأثّري بهم للجوء إلى كشّافة الإمام المهديّ  عجل الله تعالى فرجه الشريف في السابعة من عمري. والدي العاشق لشخص الإمام الخمينيّ قدس سره ونهجه النورانيّ، رسّخ فيّ مبادئ الدين والإيمان والدفاع عن المظلومين. كما أنّ تأييد إخوتي لخطّ المقاومة واقتدائي بهم، جعلا عالمي عابقاً بحبّ الجهاد في سبيل الله، فخضعت لدورات عسكريّة في معسكر «جنتا»، وشاركت بعدها في العديد من الأنشطة والمرابطات خاصّة في البقاع الغربيّ، إلى أن تفرّغت عام 1991م في صفوف المقاومة في المجال الأمنيّ، وبعدها انتسبت إلى الحوزة العلميّة.

* همسٌ لطيف
كُلّفت بمتابعة شبكات التجسّس في البقاع الأوسط. أجواء العمل الأمنيّ مشبعةٌ بالإثارة والدقّة في آن، وتنفيذ التعليمات بحذرٍ يضفي على الإنسان طيفاً من الليونة والخفّة، جلّ ذلك تجلّى في مراقبتي لشخصيّةٍ توجّب وضعها تحت المجهر.

حُدّد بنك الأهداف الخاصّ بتلك الشخصيّة، أدّيت صلاة الظهرَين فور انتهاء الجلسة، وانطلقت مع أفرادٍ عليهم مرافقتي عن بُعد. آياتٌ من الذكر الحكيم تبشّر الصابرين ظلّت عالقةً في ذهني، بينما كنت أراقب الهدف المتواجد على الطريق بين بريتال وبعلبك، وأتبعه بسيّارتي. وفجأةً، باغتتني آليّة سرعتها جنونيّة، قلبت سيّارتي مرّاتٍ عديدة، فتكوّرت تلك الأخيرة مطبقةً عليَّ.

* حالة حرجة
سارع الإخوة في السيّارة المرافقة لنجدتي. النزف الشديد والجروح البالغة أوحت بشهادتي، رغم ذلك تعاملوا معي بحذر، ونُقلت سريعاً إلى مستشفى دار الحكمة في بعلبك. لم يطل مكوثي فيها سوى ثلاث ساعات، بعدها، نُقلت إلى مستشفى الجامعة الأميركيّة في بيروت، حيث خضعت مباشرة لعمليّتين جراحيّتين. الجرح البالغ في رأسي، وكسر عمودي الفقريّ، وتمزّق النخاع الشوكيّ، زادت وضعي حرَجاً، ما اضطرّني للمكوث فيه مدّة شهر.

واظبت والدتي على خدمتي بمساندةٍ من إخوتي، وقد احتضننا الأقرباء والمحبّون طوال فترة العلاج في بيروت، خاصّةً وأنّ عدد الجراحات ازداد لاحقاً ليتجاوز الستّة.

* سعيٌ دؤوب
عدت إلى المنزل مصاباً بشللٍ نصفيّ. تكفّل الإخوة في مؤسّسة الجرحى بمتابعة علاجي، وقد دأبوا على تتبّع أيّ تطوّرٍ بإمكانه مساعدتي.

تقرّر إجراء عمليّة تثبيت لفقرات ظهري عبر براغٍ في مستشفى الجامعة الأميركيّة، وقد استمرّت فترة العلاج بعد الجراحة نحو سنة ونصف. صارحني طبيبي بأنّي فقدت القدرة على المشي كلّيّاً، وأنّ أمامي خياراً واحداً هو القيام بجلسات العلاج الفيزيائيّ والتأهيل النفسيّ، وقد تقبّلت هذا الأمر.

* ركن الصبر
التعلّق بأهل البيت عليهم السلام وخطّ المقاومة هو الركن الأساس في صبري على الإصابة ومتابعة العمل، يليه اهتمام الأهل ولهفتهم عليّ، ثمّ احتضان حزب الله وتبنّيه لحالتي منذ اللحظة الأولى.

بدأت مرحلة العلاج الفيزيائيّ حتى تحقّقت بإذن الله استقلاليّتي في الحركة بنسبة 70 %. أصبحت رابط البلدة حتّى 2010م، وكذلك أوكِلت إليّ مهمّة مسؤول البقعة.

* حكمة إلهيّة
عودتي إلى العمل بشكلٍ طبيعيّ، والأحداث التي مررت بها، أثبتت لي أنّ لإصابتي حكمة إلهيّة لم تكن ظاهرة في البداية، ما عزّز إحساسي بأنّي شخص طبيعيٌّ لا تثنيه الإعاقة عن الإقدام للقيام بأيّ عمل.

اقترنت بامرأةٍ جليلة عام 1999م، ورُزقنا بأطفالٍ ثلاثة: صبيّ وفتاتين، منّ الله عليّ برؤية أحفادٍ منهم فله الشكر. ساعدتني مؤسّسة الجرحى للعمل في مجالٍ خاصٍّ منذ عام 2010م حتّى هذا الوقت، بعد أن تنحّيت عن تأدية مهام الرابط، وقد تسلمت حديثاً ملفّاً جهاديّاً جديداً. كما أنّي أتابع منذ عام 2012م حتّى الآن عملاً خاصّاً في سوريا، بحيث أغيب عن المنزل ليومٍ واحدٍ أو لأيّامٍ عدّة أحياناً.

ما زلت أخضع للعلاج الفيزيائيّ تحت إشراف المؤسّسة، فوضعي الصحّيّ غير مستقرٍّ، إذ أتعرّض لانتكاسات من التهابات إلى ثقل في الحركة، وأحياناً لضغطٍ نفسيٍّ عرضيٍّ، لكنّ الصبر وتقبّل الحالة يشجّعانني على الاستمرار، فلا مكان للضعف أو اليأس أو الكآبة في حياتي.

* فيوضات الله
من فيوضات الله عليّ، تمكيني من المشاركة في بعض الدورات التدريبيّة والتأهيليّة على مستوى الإدارة منذ عام 2002م حتّى الآن، نظّمتها مؤسّسة الجرحى. وكذلك دورات حرفيّة، وأخرى في التجويد والإعلام. كما كنّا نشارك في رحلات ترفيهيّة تنظّم بشكلٍ دوريّ كلّ سنة، وهذا ما يحفّز الجرحى ويساعدهم على المستوى النفسيّ والروحيّ.

فكلّ الشكر للعاملين في المؤسّسة بكامل أفرادها، فهم يبذلون فائض طاقاتهم في سبيل خدمتنا على جميع المستويات الطبّيّة والاجتماعيّة.

* الحبّ دعاء
كلمتي لسماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله): ببحّة الصوت أدعو الله أن يأخذ من أعمارنا وصحّتنا ليزيد في عمره، فهو المؤتمن على الدماء والأرواح والأرزاق. لقد وُفّقت في بداية عمري خلال تشييع السيّد عبّاس الموسويّ (رضوان الله عليه) للسلام عليه واحتضانه، وللقائه لاحقاً مرّات عدّة. كلّ الكلام قليل في حقّه، فقد شهد العدوّ والصديق بحكمته، وكلّ ما قدّمناه قليل أمام عظمة ما وهبنا إيّاه هذا الإنسان الملكوتيّ، فقد ضحّى بولده وراحته ورهن نفسه للتعب كي نعيش نحن بهناء. وأهمّ ما أشعر به هو الثقة التامّة بسماحته لأنّه سيوصل هذه الأمّة إلى برّ الأمان.


الاسم الجهاديّ: الشيخ كميل.
تاريخ الولادة: 26/11/1975م.
تاريخ الإصابة: 26/9/1993م.
مكان الإصابة: أتوستراد بعلبك.
نوع الإصابة: شلل نصفيّ.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع