مع الإمام الخامنئي | كلّنا مَدينون للنبيّ الأعظم* نور روح الله| هكذا كانت حياة الرسول* مع إمام زماننا | حين تزفّ السماء نبأ الظهور (2): في مكّة السيّد محسن شهيداً على طريق القدس مقاومتُنا بعينِ الله صُنعت حاجّ محسن! إلى اللقاء عند كلّ انتصار* أبو طالب: قائدٌ في الميدان والأخلاق المقاومة الإسلاميّة: ثقافتنا عين قوّتنا الشهيد على طريق القدس بلال عبد الله أيّوب تسابيح جراح | جراحاتي لا تثنيني عن العمل

ما يضيفه الحجاب للمرأة!

تحقيق: هداية طه


“مع الأسف مثقفةٌ مثلك يُجبرها والداها على الحجاب؟”. هكذا تنمّر أستاذٌ جامعيٌّ على طالبة نالت درجة الدكتوراه في اختصاصها للتوّ، فأجابته: ”مع الأسف جدّاً أنّي تأخرت وتحجّبت منذ سنوات قليلة فقط، فلم يكن والداي يدركان أهميّة الحجاب، ومع الأسف أيضاً أنّ مثقّفاً مثلك لا يدرك أهمّيّته!“.
كثيراً ما يتمّ الترويج إلى أنّ الحجاب إجبارٌ من الأهل، ولو أتيحت الفرصة لما تحجّبت فتاة، لكن من يروّج هذه الفكرة لا يمكنه الإجابة عن سؤال أساسي:
لمَ تتحجّب كثيراتٌ وهنّ راشدات كبيرات؟
من المؤكّد أنّهن يعرفن وبجدارة، ماذا يضيف الحجاب للمرأة.

* تجارب واقعيّة
تطالعنا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعيّ مقاطع مصوّرة لتجارب اجتماعيّة يقوم بها بعض الناشطين في المجتمعات الغربيّة لإظهار ما تتعرّض له المرأة السافرة أو غير المحجّبة من مضايقات عديدة، في مقابل ما تتجنّبه المرأة المحجّبة.

”في الواقع، هذه التجارب لم تأتِ من فراغ“، تقول ريما س. وقد سبق أن شاركت في تجربة اجتماعيّة من هذا النوع، وتضيف: ”حينما ارتديتُ الحجاب ليومٍ واحد فقط، لم أسمع كلمات نابية وغير أخلاقيّة، في حين أنّني كنت دائماً عرضة لمعاكسة الرجال بكلماتهم التي تخدش الحياء“!

يلخّص هذا الواقع حال العديد من النساء في المجتمعات الغربيّة اللواتي يعانين من العادات اللاأخلاقيّة التي تمارس ضدّهنّ ممّا يجعلهنّ دائماً خائفات وغير مطمئنّات، وهو ما تعكسه الإحصاءات السنويّة في بعض البلدان الغربيّة عن حالات اغتصاب وتحرّش واعتداء جنسيّ بنسب كبيرة، مثلاً في أمريكا التي تصدّر قوانين الحريّة وتدفع المرأة نحو تيارات التحرّر، فإنّ واحدة من كلّ 6 أميركيّات تتعرّض إلى الاغتصاب، على الرغم من وجود قوانين تحميهنّ من أشكال العنف والاعتداءات المختلفة. وهي نسبة تدعو للأسى بحسب مكتب الإحصائيّات التابع لوزارة العدل الأميركيّة(1).

* الحجاب مسافة احترام
تشاركنا سارة تجربتها في الحجاب: ”أنا أدرس في جامعة في أميركا وقد تحجّبت مؤخراً، ومضافاً إلى الراحة المعنويّة التي شعرت بها، فقد تغيّر تعامل أصدقائي معي وإن كانوا في البداية لم يتقبّلوا الحجاب نتيجة الإسلاموفوبيا المنتشرة والتعصّب أيضاً، لكن في الواقع عندما أمرّ بحجابي الآن، أجد الشباب خاصةً في الجامعة يقومون بتعديل وضعيّة جلوسهم بتأدّب لا شعورياً كأنّما يمرّ أستاذ أمامهم، معظمهم يخاطبني بجديّة واحترام ويقف بمسافة لم يكن يلتزم بها سابقاً“.

* الحجاب: مأمن وأمان
تتضمّن فريضة الحجاب أو الستر الواجبة على المرأة المسلمة في داخلها منظومة متكاملة من العفاف والتقوى، تشكّل عاملاً مهمّاً لتقديم المرأة نفسها في المجتمع كإنسانة وليس كأنثى، على عكس الاعتقادات السائدة أنّه بمثابة سجن وظلم كبير لها، وتقييد لحريّتها، وإهانة لكرامتها الإنسانيّة. لكن في مقابل هذه النظرة التي حاول بعض الحاقدين الترويج لها لضرب مفهوم الحجاب وتسطيحه في بعض الأحيان، تشدّد النساء المحجّبات على أنّ الحجاب يشكّل لهنّ دعامة نفسيّة كبيرة في وجه أيّ تهديد خارجيّ لكيانهنّ وكرامتهنّ.

رئيفة واحدة منهنّ، تعيش في الخارج، وقد أسّست أسرة هناك، تلفت في حديثها لمجلّتنا إلى أنّ الحجاب عزّز فيها شعور الفخر، خاصّة أنّها تعيش في ألمانيا حيث إنّ بعض الناس هناك ينظرون إلى الفتاة المحجّبة نظرة تخلّف ورجعيّة وازدراء.

تعطي رئيفة مثالاً عن ذلك بقولها إنّها حضرت مؤخّراً مهرجاناً ثقافيّاً ينظّم سنويّاً في ألمانيا، وقد التفتت إلى نظرات النساء الغريبة إليها، بيد أنّها لم تكترث لهنّ، وتقول: «بتّ أشعر بقيمة الحجاب بشكلٍ مضاعف في ظلّ مجتمع ينادي بالحرّيّات ولا يتقبّلك كما أنت، وهذا تناقض صارخ. لقد عزّز فيّ الحجاب الشعور بالأمان وثقتي بنفسي ومدّني بالثبات لأنّي أعرف أنّه يحصّنني من كلّ الانحرافات التي تعيشها هؤلاء النسوة للأسف».

* العقل هو المخاطَب
تشاطر نور رئيفة الرأي، وتؤكّد أنّ مكتسبات نفسيّة عديدة حقّقها لها الحجاب في حياتها؛ فتقول: «الأجمل في الحجاب أنّه يحجب مطامع الآخرين عنّا. وقد حقّق لي استقراراً وسكينة، وتصالحاً مع نفسي وأماناً كبيراً. كما أنّه يفرض أن يكون عقل الفتاة هو المخاطب والمحترم في المجتمعات، لا شكلها الخارجيّ».

تشدّد نسرين على هذه الفكرة أيضاً؛ فالحجاب قد وفّر لها راحة نفسيّة كبيرة من حيث تجنّب معاملة الآخرين على أساس الشكل. وتسرد قصّتها مع الحجاب بالقول إنّها تحجّبت عندما بلغت الحادي والعشرين من عمرها، وإنّها منذ ذلك اليوم لم تعد تشعر بأنّ كلّ الأنظار تتّجه نحو شكلها حصراً، أو أنّ تقديرها نابعٌ من مظهرها لا كفاءتها وعلمها.

* حصانة نفسيّة للرجل أيضاً
ليست المرأة وحدها معنيّة بالحجاب، إنّما يشترك الرجل معها في مهمّة احترام قيمته العالية في المجتمع عبر غضّ البصر في جميع الأحوال، واحترام خيارها، ومعاملتها بإنسانيّة بحتة.

وعليه، للحجاب آثار نفسيّة على الرجال أيضاً، إذ إنّ بعضهم يشعر بالاستقرار والأمان والراحة في مجتمع يسوده التزام النساء بالستر والحجاب، في مقابل عدم ارتياح نفسيّ في مجتمع يسوده السفور. ويشاركنا موسى تجربة له خلال دراسته في فرنسا: «ثمّة سلوك تقوم به الطالبات هناك عند تقديم المشاريع الجامعيّة للمناقشة، وهو المبالغة بالاهتمام بمظهرهنّ وأناقتهنّ حين يرأس اللجنة أستاذ لأنّه سيتأثر كرجل نفسيّاً ما يزيد قبوله ويقلّل نقده ويكون أكثر مرونةً مع الطالبة، وفي حال ترأست اللجنة أستاذة، تأتي الطالبات بشكل عمليّ جداً، ودون أدنى اهتمام يُذكر. هنا عمليّاً أجد أنّ الإسلام أنصفنا كبشر وفرض الحجاب صيانةً للمرأة عن الابتذال هذا، وللرجل من التأثير عليه وعلى نظرته إلى بعض الأمور الجديّة في الحياة».

محمّد واحد من هؤلاء، يروي تجربته الخاصّة، فيقول إنّه عاش في إيران، أحد عشر عاماً، ثمّ انتقل بعدها إلى إحدى الدول الأوروبيّة. يقول محمّد: «الحياة في بيئة محافظة تلتزم الحجاب تريحني على الصعيد النفسيّ وتجعلني أشعر بالأمان في أن أتزوّج من هذه البيئة، وأنجب بناتٍ ولا أخاف عليهنّ». أمّا علي فيؤكّد أنّ الحجاب يحقّق نوعاً من الأمان الأسريّ في ظلّ بيئة محافظة، فنظرة الرجال إلى النساء لن تكون غير أخلاقيّة. كما يؤكّد أنّه يشعر بالاطمئنان على أمّه وأخته وابنته وزوجته لأنّ الحجاب يحفظهنّ ويصونهنّ.

* الحجاب والتوازن النفسيّ والروحيّ
من خلال ما تقدّم، يظهر جليّاً أنّ ثمّة جانباً نفسيّاً واضحاً يكرّسه الحجاب، وأثراً عميقاً على المرأة والرجل على حدّ سواء، وهذا ما يؤكّده المختصّون النفسيّون.

تشير الأستاذة ميادة العربي، المختصّة في علم الإرشاد الأسريّ والنفسيّ والسلوكيّ، إلى أنّ ثمّة علاقة بين الحجاب وتحقّق الاطمئنان، وهذا مردّه إلى أنّ الاطمئنان يرتبط بتأدية التكليف الإلهيّ، إذ إنّ فطرة الإنسان تمهّد له فتح طريق التكامل بكلّ خطواته وقدراته.

تؤكّد العربي أنّ الحجاب ليس عائقاً أمام المرأة للخوض في ميادين العلم والعمل كالرجل، بل إنّه يرفع من شأنها ويعزّز ثقتها بنفسها، ويحقّق لها توازناً نفسيّاً وروحيّاً.

تسلّط العربي الضوء على دراسة علميّة قامت بها جامعة Westminster على مئات الفتيات المحجّبات وغير المحجّبات، نُشرت في المجلّة البريطانيّة لعلم النفس، كشفت أنّ الفتاة المحجّبة تتمتّع بقدر كبير من احترام الذات والإحساس بالأمان، وهي أقلّ قلقاً في ما يتعلّق بالمظهر الخارجيّ، وآراء الناس حولها، وأقلّ إنفاقاً على الأزياء من غير المحجّبة.

* في العفاف صون للكرامة
بدوره، يطرح د. طارق إدريس مسألة مهمّة جدّاً، وهي ارتباط تعفّف المرأة بصون كرامتها، أي علوّ قدرها وشأنها. ويعتبر إدريس أنّ الحجاب هديّة إلهيّة لصون كرامة المرأة أمام الآخرين، فيقول: «عندما تشعر المرأة أنّ المجتمع يقيّمها على أساس إنسانيّتها وليس جسدها، فهذا يجعلها تشعر بالارتياح والأمان».

فهل من شكّ في ما يحقّقه الحجاب للمرأة، وللمجتمع أيضاً؟


(1) موقع ترندر للإحصاءات الرسميّة: www.trender.org
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع