مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)*

آية الله الشيخ عبد الله الجوادي الآملي


قال النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «استنزلوا الرزق بالصدقة»(1)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: «إِنَّ الصَّدَقَةَ تَزِيدُ صَاحِبَهَا كَثْرَةً، فَتَصَدَّقُوا يَرْحَمْكُمُ اللَّه»(2). وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «ليس من مسلم يتصدّق بصدقة... إلّا وضعها في كفّ الرحمن، فيُربِّيها له حتّى يملأ كفَّه»(3).

لماذا هذا التشديد على الصدقة؟ وما آثارها؟ هو ما سنتعرّف إليه في هذا المقال.

* آثار الصدقة 
1. نفي الفقر: عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام أنّه قال: «البرّ وصدقة السرّ ينفيان الفقر، ويزيدان في العمر، ويدفعان عن سبعين ميتة سوء»(4).

2. إطفاء غضب الله سبحانه وتعالى: عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّ المعروف يمنع مصارع السوء، وإنّ الصدقة تُطفئ غضب الربّ»(5).

3. بركة المال وزيادة في العمر: عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قوله: «إنّ صدقة الليل تُطفئ غضب الربّ وتمحو الذنب العظيم وتُهوِّن الحساب، وصدقة النهار تُثمر المال وتزيد في العمر»(6).

4. النجاة من البلايا والأمراض: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ الله ليدرأ بالصدقة سبعين ميتةً من السوء»(7). وعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «والصَّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنْجِحٌ»(8). وعن مُعاذ بن مسلم أنّه قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فذكروا الوجع، فقال عليه السلام: «داووا مرضاكم بالصدقة، وما على أحدكم أن يتصدَّق بقوت يومه، إنّ ملك الموت يُدفع إليه الصكُّ بقبض روح العبد، فيتصدَّق، فيقال له: رُدَّ عليه الصكّ»(9).

5. سبب الجواز على الصراط: عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: «وطلبتُ الجواز على الصراط فوجدته في الصدقة»(10).

6. ضمانة دخول الجنّة: عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «ضمنتُ لستّة الجنّة: رجل خرج بصدقة فمات فله الجنّة، ورجل خرج يعود مريضاً فمات فله الجنّة، ورجل خرج مجاهداً في سبيل الله فمات فله الجنّة، ورجل خرج حاجّاً فمات فله الجنّة، ورجل خرج إلى الجمعة فمات فله الجنّة، ورجل خرج في جنازة رجل مسلم فمات فله الجنّة»(11).

7. دفع النحس: قال النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا أصبحت فتصدَّق بصدقةٍ تُذهب عنك نحس ذلك اليوم، وإذا أمسيت فتصدَّق بصدقة تُذهب عنك نحس تلك الليلة»(12).

* الصدقة كفّارةٌ أخلاقيّة 
أولئك الذين لا يؤمنون بالله ولا بقضائه وقدره، ولا يدركون معنى القضاء والقدر بالشكل الصحيح، تراهم يستسلمون إلى الخرافات من قبيل حسن الطالع وبؤسه، والنحوسة، والتشاؤم، والتطيّر، وما إلى ذلك. فقد كان آل فرعون إذا ما ابتلوا ببليّة، ينسبونها –من منطلق الطيرة- إلى كليم الله موسى عليه السلام والذين معه، ويطعنون فيهم بالنحوسة وسوء الطالع، بدل أن يحتسبوها امتحاناً إلهيّاً. وإذا ما وصلهم خيرٌ أو حُسن نسبوه إلى أنفسهم استحقاقاً وفضيلة: (فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) (الأعراف: 131).

وهنا، نذكر ملاحظة مفيدة: إنّ ما يخطر في البال من خرافات مثل سوء الطالع أو حسنه، والنحس، والتطيّر، وما شابه، عليه كفّارة أخلاقيّة؛ بمعنى أنّه من تطيّر في خاطره من فلان أو اعتقد أنّ الواقعة الفلانيّة تجلب النحس، عليه كفّارة أخلاقيّة وهي وفقاً للحديث النبويّ الشريف التوكّل على الله(13). 

إنّ ما ورد في الروايات آنفة الذكر، ومنها قول النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا أصبحت فتصدَّق بصدقةٍ تُذهب عنك نحس ذلك اليوم، وإذا أمسيت فتصدَّق بصدقة تُذهب عنك نحس تلك الليلة»(14)، والذي يشير إلى ضرورة التصدّق لإبعاد النحس، إنّما هو في الحقيقة، مثال للتوكّل على الله، وخطوة توكّليّة لمواجهة الخرافات.

* السعد والنحس 
قال الحسن بن مسعود: «دخلتُ على أبي الحسن عليّ بن محمّد عليه السلام وقد نُكِبت إصبعي وتلقّاني راكب وصدم كتفي، ودخلت في زحمة فخرقوا عليَّ بعض ثيابي، فقلت: كفاني الله شرَّك من يوم، فما أيْشَمك! فقال عليه السلام لي: يا حسن، هذا وأنت تغشانا ترمي بذنبك من لا ذنب له؟ قال الحسن: فأثاب إليَّ عقلي وتبَّينت خطئي فقلت: يا مولاي، أستغفر الله. فقال: يا حسن، ما ذنب الأيّام حتّى صرتم تتشاءمون بها إذا جُوزيتم بأعمالكم فيها؟ قال الحسن: أنا أستغفر الله أبداً وهي توبتي يا بن رسول الله، قال عليه السلام: ما ينفعكم ولكن الله يعاقبكم بذمِّها على ما لا ذمَّ عليها فيه، أما علمت يا حسن أنَّ الله هو المُثيبُ والمعاقِبُ والمُجازي بالأعمال عاجلاً وآجلاً؟ قلت: بلى يا مولاي، قال عليه السلام: لا تعُدْ ولا تجعل للأيّام صُنعاً في حكم الله. قال الحسن: بلى يا مولاي»(15).

وخلاصة الرواية هي:
1. الزمان وعاء لوقائع وحوادث التاريخ.

2. أحياناً تجلب هذه الوقائع السرور والسعد للبعض، وأحياناً أخرى تكدّر صفو عيش بعضهم الآخر.

3. تارةً يكون للواقعة وجهان، وأخرى يكون لواقعتين مختلفتين تأثير متباين على شخصين؛ لذا، لا ينبغي أن نعتقد بنحس الوعاء، كما لا ينبغي أن نعتقد بسعده سواء بسواء.

4. إنّ مسألة دخول القمر في برج العقرب وأمثال ذلك، ليست من قبيل الأوقات الخاصّة بسعد الأيّام ونحسها، بل هي مسألة أخرى مختلفة يضيق المقام هنا لشرحها.

لذلك، عندما نقرأ هذه الروايات ونجمعها مع الروايات التي تتحدّث عن أهميّة الصدقة لدفع همّ أو بلاء أو نحوسة ما، نفهم أنّ الله تعالى يُدرّب الإنسان على التوكّل عليه مقابل كلّ هذه العوامل والمؤثرات، ويمدّه بسلاح قويّ.


* مقتطف من كتاب مفاتيح الحياة، ص 470-475.
(1) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، 
(2) ج 4، ص 381. 
(3) الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 121. 
(4) مستدرك الوسائل، الشيخ الطبرسي، ج 7، ص 246. 
(5) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 71، ص 81. 
(6) المصدر نفسه، ج 71، ص 88. 
(7) الكافي، مصدر سابق، ج 4، ص 9. 
(8) بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 59، ص 269. 
(9) نهج البلاغة، تحقيق صبحي صالح، ص 470. 
(10) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 9، ص 375. 
(11) مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج 12، ص 173. 
(12) من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، 
(13) ج 1، ص 140. 
(14) بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 55، ص 257. 
(15) «كفّارة الطّيرة التوكُّل» (الكافي، مصدر سابق، ج 8، ص 198). 
(16) المصدر نفسه، ج 55، ص 257. 
(17) تحف العقول عن آل الرسول، ابن شعبة الحرّاني، ص 482-483. 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع