الشيخ بلال حسين ناصر الدين
قد يقع بعض الناس فريسة البروباغندا التي تديرها وسائل إعلاميّة وغير إعلاميّة عالميّة، تخضع في مجملها لسلطة قوى الاستكبار العالميّ، وهدفها تشويه الحقائق وتثبيت ما ليس واقعيّاً في النفوس، حتّى يكاد المرء يؤمن بما يصدر عنها ولو لم تتلمّسه يداه ولم تره عيناه.
ومن أبرز ما تحيكه تلك القوى ضدّ مجتمعاتنا هو تشويه حقيقة دور المرأة، والترويج لفكرة أنّ المرأة غير العاملة في ميادين المجتمع لا تعدّ فاعلة في التغيير، بالتالي، لا دور لها في حركة الحياة. وهم بذلك يستندون إلى اتّجاهين:
- الأوّل: اعتبار أنّ عمل المرأة خارج بيتها هو الأمر المقوّم لدورها، أي إنّه المعيار الأساسيّ في مدى فاعليّتها، ودونه لا تكون كذلك.
- الثاني: أنّ الأمومة لا تتّصف بصفة الفاعليّة على مستوى المجتمع والتغيير، بل لا اعتبار أو وجود لها في قاموس نظرتهم تلك، ولذلك، فهم لا يعدّون الأمومة عملاً!
في الواقع، لقد نجحوا بنسبة لا بأس بها في زرع هذه الفكرة في أذهان الناس، وخاصّة منهم بعض النساء اللواتي لا يعملن خارج بيوتهنّ، فقد تشعر إحداهنّ أنّها تعيش الفراغ وأن لا شأن لها في التغيير، متغافلة عن أنّ ما تقوم به في إعداد أبنائها إنّما هو عمل جبّار وعظيم، لا غنى عنه البتّة في نشوء المجتمعات الصالحة والمستقيمة. ولا ينحصر تأثير أمومتها بالأسرة والمجتمع فقط، وإنّما يطال الأمّة، ولأجل ذلك ندرك سرّ تعظيم الإسلام لها حتّى جعل الجنّة تحت أقدامها. وليس ما نراه من شبابنا في الثغور وهم يدافعون عن الأرض والعِرض والوطن بكلّ وعي وبصيرة، إلّا ثمرة شجرةٍ من أشجار شتّى، إحداها الأمّ التي تربّي أبناءها وتؤدّبهم وتسقيهم مبادئ الحقّ والالتزام بالقضايا المثلى، وكلّ ذلك مشفوع بحبّها وحنانها ودرايتها.
يقولون إنّ الرجل خُلق للعراك، والمرأة خُلقت للبناء، وهي مقولة لطيفة تعبّر عن واقعٍ معيش؛ فقد جرت العادة في كلّ المجتمعات أنّ من مهمّات الرجل الأولى الدخول في معترك الحياة حيث إنّه يعارك لأجل أن يأتي بلقمة العيش. وفي المقابل، إنّ من مهمّات المرأة الأولى تربية أبنائها لملازمتها إيّاهم لفترات أطول، ولطالما كان لها تأثير في ما تزرعه فيهم؛ فإن خيراً أثمر خيراً، وإن شرّاً أثمر شرّاً.
ولا بدّ من الالتفات هنا إلى أنّ الإسلام لا يعارض عمل المرأة خارج بيتها بشكل مطلق، لكنّه وضع له شروطاً محدّدة، كما هو الحال بالنسبة إلى الرجل، فإنّ عمله أيضاً مقيّد بشروط معيّنة، ومع كلّ ذلك تبقى الأمومة عملاً لا يضاهيه شيء في المكانة والمقام والفضل، ولهذا، إنّ كلّ امرأة تبذل في سبيل أمومتها جهداً، إنّما هي تسهم في بناء أمّة بأكملها، فلا ينبغي استصغار ما تقوم به.
نتيجةً لذلك، على الأزواج وأبناء المجتمع أن يعزّزوا دور الأمومة ويرفعوا من شأن كلّ أمّ، فيكونون لها سنداً وعوناً في ما تقوم به من عمل عظيم.