نسرين إدريس قازان
اسم الأمّ: عايدة سرور.
محلّ الولادة وتاريخها: برعشيت 1/11/1996م.
الوضع الاجتماعيّ: عازب.
محلّ الاستشهاد وتاريخه: فليطة 3/8/2014م.
توقّعت أمّه وهي تحضّر له حقيبته، أنّه سيهرب في الأسبوع الأوّل من دورة المقاتل، دون أن تدرك أنّ الدورة تلك ستكون المنعطف الأساسيّ الذي سيغيّر نظرة عليّ إلى الحياة.
•ما السرّ؟
لم تكن الدورة سهلةً عليه، فهو كان صغير السنّ نسبيّاً وقتذاك، وقد سعى أهله لإلحاقه بها كي يشحن روحه من ذاك العالم الروحيّ الجهاديّ بموازاة المراهقة التي يرتع في سنواتها، وإذ به يحوّل المعسكر إلى ساحةٍ من نوعٍ آخر، يتخلّلها مقلب هنا، ومخالفة هناك، وانصياع تامّ ومفاجئ للقرارات، وتنفيذٌ متقن للمهارات، فحار المدرّبون في أمره، إذ كيفَ لمشاغبٍ مثله أن يُتقن عمله؟ وكيفَ لفتى في سنّه أن يغمر باهتمامه أولئك الذين يكبرونه سنّاً ويفتقدون أهلهم كثيراً؟ وما سرُّ محجّة الجميع إلى خيمته؟
•قرار مفاجئ
عاد عليّ من دورة المقاتل وهو على حاله، فتىً كثير المزاح والضحك، يُجيدُ تحويل كلّ المواقف إلى ما يُشبه مسرحيّة كوميديّة، لسرعة بديهته في ابتكار النكتة، وكأنّ الحياة لا تحلو عنده من دون قهقهة ومزاح. أمّا أخوه الذي وصل إليه العديد من الشكاوى على بعض تصرّفاته، فقد فاجأه قرار عليّ الالتحاق بدورات عسكريّة أخرى! فشجّعه على التفرّغ لدراسته، طالباً منه الالتحاق بالدورات عندما يكبر قليلاً لصعوبتها وطول مدّتها، فردّ عليه بأنّه حسم أمره وأنّه مدرك تماماً لما يريده في هذه الحياة.
•شخصيّة خاصّة
كان عليّ مدلل العائلة، فقد رُزق به والداه بعد ستّ سنوات على ولادة أخيه الأكبر الذي انتظره هو الآخر على أحرّ من الجمر، فنشأت بينهما علاقة عاطفيّة شديدة على الرغم من الاختلاف الكبير بين الشخصيّتين؛ فعليّ لا يعرفُ للهدوء سبيلاً، ولا يحتاج إلّا إلى دقائق معدودة ليقلب البيت رأساً على عقب، وإذا ما سكتَ صوته، أوجس أهله خيفةً من أن يُنذر صمته بعاصفة ما، أضف إلى أنّه من الصعب جدّاً إلزامه بأيّ شيء وهو غير مقتنع به. وقد كان له رأيه الخاص مُذ كان في الصفوف الابتدائيّة، حيث برز ذكاؤه الحادّ، الذي حوّله مع الأيّام إلى تلميذ يبدو قليل الدرس بالمعيار التقليدي، في الوقت الذي يسعفه ذكاؤه وذاكرته على الاعتماد اعتماداً تامّاً على الشرح الذي يسمعه في الصفّ، وكان نجاحه هو الردّ على الإلحاح الدائم من والديه ليدرس، فيقول لهما: "أنتما تريدان لي النجاح، وها أنا ذا أنجح!".
•الفتى الديناميكيّ
لم تكن تربية عليّ سهلة، إذ كان صعباً عليه التقيّد بقوانين المنزل، فهو يحبّ أن يعيش أيّامه ببساطة ومن دون أيّ تعقيد، كما كان يعبّر، في أجواء من الفرح والضحك والمزاح، ملتزماً بالحدود الشرعيّة وقواعد التهذيب. وعندما يكون في الطريق، تراه يصافح هذا، ويسلّم على ذاك، ويتحدّث مع أكثر من شخص في لحظة واحدة! كلّ هذه الحيويّة حوّلته إلى ظلٍّ متنقّل من الحبِّ والبهجة خصوصاً في الجبهة.
أمّا في الدورات التي كان يشارك فيها، فعلى الرغم من غيابه الطويل عن البيت، إلّا أنّ أخباره الحافلة كانت ترد إلى مسامع أبويه من حين إلى آخر، فتارةً يتلقّيان مديحاً وأخرى شكاوى، كيف لا وهو ذاك الشابّ الذي لا يعرف السكون، ناهيك عن تحويل خيمته إلى مطعم لرفاقه حيناً، ومكاناً للعب والمزاح حيناً آخر.
•عاطفة جيّاشة
ساهمت بيئة المنزل المتديّنة والمجاهدة التي نشأ فيها عليّ بتحصينه وتقوية عزيمته. وكان الوالدان يتعاملان مع أولادهما الثلاثة كأصدقاء، أمّا الإخوة فكانوا كجسد واحد يؤازر بعضه بعضاً، وهذا ما غرس فيه بذور العاطفة التي كان يُظهرها بشكلٍ واضح في الكثير من المواقف. ففي أحد الأيّام، ذهب إلى زيارة والدته في المستشفى، وكان إلى جانبها في الغرفة سيدة كبيرة تنازع، وقد أخبر الطبيب أولادها أنّها ستفارق الحياة خلال ساعات، سمعها عليّ وهي تقول إنّها تشتهي نوعاً محدّداً من الطعام، فهبّ من مكانه وذهب مباشرةً ليشتري لها ما تشتهيه، وقد جلس بعد عودته بالقرب منها يراقب فرحتها وهي تأكل ما جلبه لها. وبعد عودته إلى الجبهة، كانت تلك السيدة أوّل من سأل عنه حين اتّصل بأمّه، فأخبرته أنّها توفيت.
•وقت الجدّ والعمل
مع احتدام المعارك في سوريا، ما عاد جميع أفراد الأسرة يتحلّقون معاً حول المائدة، وتحوّلت سهرات الأنس إلى ساعات انتظار طويلة، إذ سرعان ما التحق عليّ بالجبهة بعد إلحاح منه، في ظروف قتاليّة ومناخيّة صعبة، تاركاً خلفه كلّ تلك الذكريات المليئة بالصخب والضحكات.
ها هو الفتى المدلّل بات على الجبهة، وقد كان على قدر المسؤوليّة، راسماً مشاهد لا تنسى من البطولة والشجاعة والإيثار والصبر، وكأنّه رجل ناضج خاض الكثير من التجارب والمشاركات العسكريّة.
•تغيّر غير متوقّع
كان عليّ كلّما رجع من عمله الجهاديّ، يبادر إلى التواصل مع الأقارب وكلّ الرفاق، وقد أمضى وقته مع أهله كطائر صغير يلوذ بجناحٍ يحميه، إلى أن ذبلت ضحكة شفتيه ذات يومٍ، بعدما عاد من الجبهة مكسور الفؤاد باستشهاد أحد رفاقه. ومنذ تلك اللحظة، بدأ التغير يظهر عليه، فلم تعد النكتة حاضرة كعادتها، وصار الكلام يخرج منه بصعوبة، وكان يقضي وقت الراحة في الجبهة بين قراءة القرآن والدعاء، إلى أن حلّ شهر رمضان المبارك، وقد كانت أمّه في زيارة حضرة الإمام الرضا عليه السلام حينها، فاتّصل بها وطلب إليها أن تدعو له بالشهادة.
•آخر الصور
زيارته الأخيرة لعائلته كانت بُعيد شهر رمضان المبارك، وقد أصرّ يومها على قضاء وقت ممتع مع والده، وسهر مع أمّه حتّى الصباح.
وفي صباح أحد الأيام، استيقظ كلّ الأقارب على رنين هواتفهم، ليجدوا أنّ عليّاً قد أنشأ مجموعة على الواتساب تحت اسم "وداعاً عائلتي"، وبدأ يرسل لهم صوره، وتلك الصور كانت آخر ما شاهدوه عنه، فحفرت في قلوبهم أثراً عميقاً.
كانت مهمّة عليّ ورفاقه السيطرة على تلّة عالية جدّاً، وقد أخذ العطش من المجاهدين كلّ مأخذ، لكنّهم ثبتوا، وسقط منهم عدد من الجرحى، أما علي فقد فاحت رائحة عطر جميل من موضع إصابته في عنقه، وارتقى شهيداً.
لم تخمد ضحكاته، ولم تذبل حكاياه، ولا يزال وجهه الباسم يرتسم على صفحات الأيّام. عليّ لا يعرف معنى الغياب. استشهد قبل بلوغه الثامنة عشرة بشهرين، وقد نجح في امتحانات الشهادة الرسميّة، ولكنّ نجاحه الأبرز كان في نيله تلك الشهادة الحقيقيّة التي وضعها نصب عينيه منذ أن عاد من دورة المقاتل.
بعلبك
الحاج هيثم رعد
2024-03-02 23:05:34
هنيئا له مجاهداً عاشقاً وشغوفاً بمعنى الحب والحنان لعائلته الكريمة ولا ريب في مثله أن يختم عمره الشريف بالشهادة في سبيل الله وهي أسمى وسام وأرقى درجة ينالها عباده الذين أتقوا