تقرير: غدير مطر
"لا أصلّي في العمل؛ لأنّ ثيابي تتنجّس ما إن تمسّ أيّ شيء خارجيّ، فأنتظر عودتي إلى البيت، حتى أؤدّي الصلاة قضاءً. لست مرتاحة لهذا الوضع، وأشعر بتأنيب الضمير، لكن ليس لديّ حلٌّ آخر". هي إحدى الحالات التي يظن أصحابها أنّ لديهم مبرّرات لتفويت الصلاة، بينما للواقع وللشرع حديثٌ آخر.
أعدّت مجلة "بقيّة الله" تقريراً عن بعض الحالات التي واجهت عقبات أمام تأدية الصلاة، وفي المقابل سجّلت حالات أخرى تجاوزت هذه العقبات؛ للحفاظ على عمود الدين، مع استضافة الشيخ "إسماعيل حريري" لتحديد وظيفة المكلّف بالصلاة في بعض الظروف، فهل ثمّة أعذار لتفويت صلاتنا، فتُرفع سوداء غير مقبولة؟
•أوّلاً: حالات إهمال الصلاة
1. تعب وكسل: يهمل (غ. و.) صلاته بحسب حالته النفسيّة، فهو يشعر أحياناً أنّه متعب، لذا يماطل ويتركها ليومين أو ثلاثة بداعي الكسل. وإذا ما لجأ إلى الله في حاجة ولم يستجب له، فإنّه يترك الصلاة أيضاً لأيّام!
2. النوم أثناء صلاة الفجر: أمّا (ف. م.) فتهمل صلاتها أحياناً لأسباب متعدّدة، وخاصّة فريضة الصبح، وغالباً ما تؤدّيها قضاءً. إلى أن وقعت في محنة ونذرت نذراً بتأديتها في موعدها إن أعانها الله على ما ابتلاها.
3. مشاغل بيتيّة: (ن. ع.) أمّ لأطفال صغار تقضي يومها بالاعتناء بهم والاهتمام بأمورهم، فتنتظر حتّى يحين موعد نومهم مساءً، لتؤدّي كلّ الصلوات مرّة واحدة؛ فتأتي بفريضتي الظهر والعصر قضاءً!
4. قوانين المؤسسات: تتحدّث (م. ح.) -وهي طالبة- عن ظروف الصلاة في مدرستها؛ فبالرغم من وجود مكان مخصّص لها في ذلك المكان، إلّا أنّها لم تقصده هي وصديقاتها إلّا أثناء شرح درس عن الصلاة في حصّة التربية الدينيّة، تقول: "أتساءل لماذا لا تتوقّف الدراسة عند الأذان ونؤدّي صلاتنا في موعدها؟" لذلك، فهيّ تؤدّيها فوراً حين انتهاء الدوام المدرسيّ، والعودة إلى البيت قبل أن يفوت وقتها.
5. السفر: كثيرون قد يهملون صلاتهم خلال سفرهم، سواء برّاً أو جوّاً، بحجّة صعوبة الإتيان بها، فها هو (م. ش.) يشعر بمشقّة أداء الصلاة في الجوّ عندما يسافر إلى بلدٍ ما بالطائرة، فينتظر وصوله إلى المكان المقصود فيقضيها. أمّا (ع. ن.)، وهو سائق أجرة يتنقّل بين بيروت والجنوب والبقاع، فيقول: غالباً، يحين موعد صلاة الظهر وأنا أسير بين الطرقات، فلا أؤدّيها إلّا قضاءً حين أصل إلى بيتي ليلاً".
إضافة إلى حالات أخرى، كمن تجد أنّ عليها تطهير كلّ ملابسها التي تتنجس في السير في الطريق مثلاً، أو التي تحكم على أرض المسجد بالنجاسة لأن رائحة الرطوبة تفوح من السجّاد، وغيرها من المبرّرات والأعذار.
•ثانياً: صلاتنا لا تُهمل
بالمقابل ثمّة أشخاص واجهوا ظروفاً صعبة لكنّهم ذلّلوها، وعدّوا الظرف المعيق امتحاناً لمدى محافظتهم على صلواتهم، من هذه الحالات:
1. صلاتي أولاً: تعمل (ب. ت.) في متجر كبير لبيع الدجاج، كان أصحابه لا يسمحون لها بالصلاة حتّى لا يرى ذلك الزبائن الذين هم من طوائف مختلفة، الأمر الذي اضطرّها أن تقضي صلاتها حينما تعود إلى البيت. وقد حدث ذات يوم أن لفت أحدهم نظرها إلى أنّ ثمّة إشكالاً شرعيّاً في ترك الصلاة تؤدى قضاءً، فطلبت من المعنيين في الإدارة بالسماح لها بالصلاة خلال دوامها وإلا سوف تقوم بتقديم استقالتها، ولأنّها ذات خبرة لم يستغنوا عنها، فخصّصوا لها زاويةً ضيّقة لهذه الغاية بعيدة عن أنظار الزبائن، حتّى أنّ زملاءها صاروا يصلّون في ذلك المكان واحداً تلو الآخر.
2. سنفترش الطرقات: من الصعب أن تنتمي إلى صرح تعليميّ يجد في الصلاة رمزاً دينياً غير مقبول، يقول (ح. م.): "عمدنا إلى افتراش الطرقات؛ لنصلّي بحريّة، حيث لم ترَ إحدى الجامعات الصلاة إلّا باعتبارها رمزاً دينياً، في الوقت الذي تنتمي فيه إلى التعليم اللاهوتيّ، لكنّها فجأةً أصبحت ضد الرموز الدينيّة. لذا، جعلنا من الشارع المحيط بالجامعة مسجداً للطلّاب، ولن نترك الصلاة".
3. الصلاة أغلى من الدماء: يقول (م. س.): «قبل تحرير الجنوب، كان عملاء لحد يجهدون ليثبتوا انتماء شابٍّ إلى المقاومة الإسلاميّة، والعلامة الأولى كانت الصلاة، كانوا يراقبوننا كثيراً، رغم ذلك كنّا نصلّي وندخل المساجد ونتعرّض للتعذيب والتحقيق. لقد كانت الصلاة موقفاً وجهاداً في وجه هؤلاء. حتّى أنّ أحد الإخوان اندسّ بينهم لإيصال معلومات محدّدة عنهم إلى المقاومة، كان يحمد الله أنّه لم يفوّت فرضاً واحداً؛ لأنّه كان يتحيّن الفرص بذكاء ليصلّي دون أن يراه أحد". تذكّرنا هذه المواقف بكلمة الإمام الحسين عليه السلام حين أوقف المعركة لأداء الصلاة، وقال: "إنّما نقاتلهم على الصلاة".
•ثالثاً: معرفة الموقف الشرعيّ علاج
للوقوف عند هذه الأسباب وغيرها، توجّهنا إلى فضيلة الشيخ إسماعيل حريري، وهو أستاذ في الحوزة العلميّة، وأحد علماء الدين المعتمدين في مكتب الوكيل الشرعيّ للإمام الخامنئي دام ظله في لبنان، فبيّن سماحته أنّ كثيراً من الحالات يكمن علاجها في معرفة الحكم الشرعيّ:
1. السفر: ليس موجباً لترك الصلاة حتّى لو كان متعباً وشاقّاً، ولا يجوز لأيّ إنسان أن يتركها أو يؤجّلها حتّى خروج وقتها، وإنّما السفر يوجب التقصير في الصلاة الرباعيّة: الظهر والعصر والعشاء إلى ركعتين بدلاً من أربع. وعلى المسافر أن يأتي بها بالكيفيّة التي يقدر عليها؛ فإذا كان مسافراً بالطائرة، فيجب أن يصلّي بالكيفيّة الممكنة، سواء من قيام أو من جلوس، مع الاستقبال إن أمكن، وإلّا فيسقط شرط الاستقبال، ولا يجوز له أن يؤخّرها إلى أن يصل إلى المقصد بعد فوات وقتها.
كما يمكن للمسافر بالسيّارة عند حلول وقت الصلاة التوقّف لأدائها في استراحة قريبة أو ما شابه، دون أن يسبّب له ذلك ضرراً أو حرجاً. وفي حال لم يتوفّر مكان، أو ثمّة ضرر أو حرج، فيجوز له أن يأتي بالصلاة في السيّارة جلوساً، فلا يجوز تأخيرها إذا كان سينقضي وقتها.
2. الشكّ في وجود نجاسات: أمّا في حالة تأخير بعض الناس صلاتهم عن وقتها لشكّهم بتنجس ملابسهم أثناء المشي في الطريق، أو بسبب تبلّلها بماء الطرقات في فصل الشتاء، فالحكم الشرعي لهذه الحالة هو عدم البناء على الشكّ، وهذا يعني أنّ ملابس المكلّف وبدنه لا يزالان طاهرين، لأنّه غير متيقّن من حصول النجاسة. بل حتّى لو تيقّن من تنجّس ملابسه، ولم يكن قادراً على تبديلها أو تطهيرها لسبب ما، فعليه أن يصلّي بثيابه المتنجّسة، وصلاته في هذه الحالة صحيحة ومقبولة إن شاء الله تعالى؛ لأنّ هذا هو تكليفه.
3. السهر والعمل المتأخّر: قد يكون السهر من دون أيّ مبرّر سبباً لتأخير الصلاة عن وقتها، خصوصاً صلاة الصبح. فمن يعلم أنّ سهره سوف يفوّت فريضة الصبح؛ يُعد ذلك استخفافاً بها، وسهره ذاك حرام، بل عليه أن يعمل جاهداً ولو بالاستعانة بالمنبّه؛ ليستيقظ في وقتها. كذلك، من يعمل إلى وقت متأخّرٍ من الليل وينام قبيل وقت الصلاة فتفوته، عليه أن يعمل جاهداً للاستيقاظ حتّى يؤديها في وقتها، وإلّا عُدّ إهماله استخفافاً بالفريضة؛ وهو بحكم المتعمّد لتركها.
4. طبيعة العمل: إنّ طبيعة بعض الأعمال قد تفرض على المكلّف تأخير الصلاة إلى أن يعود إلى بيته، كأن يعمل في مستشفى ممرّضاً، فيتعذّر عليه الإتيان بها بسبب حالات الطوارئ الدائمة أو التعب الشديد، فيؤخّرها قضاءً، والحكم في مثل هذه الحالات أنّه لا يجوز تأخير أيّ صلاة من هذه الصلوات الخمسة عن وقتها بحجّة الحالات الطارئة أو التعب الشديد، بل يجب أن يؤتى بها في وقتها الشرعيّ وبالكيفيّة التي يقدر عليها، ولو كان ذلك بالإيماء، ولكنّها لا تسقط أبداً، ولا شيء يبرّر تأخيرها أو تأجيلها مطلقاً.
5. بيئة غير متديّنة: قد يتهاون المكلّف في صلاته بسبب البيئة غير المتديّنة أحياناً، أو الحضور في مجالس اللهو، أو الأصدقاء غير المتديّنين، وهنا، يُعد هذا التهاون حراماً قطعاً. والمطلوب من الفرد المحاط ببيئة غير متديّنة أن يجاهد نفسه للمحافظة عليها ويجعلها أولى أولويّاته، وسوف يعينه الله على ذلك. أمّا الحضور في مجالس اللهو، فهو حرام في حدّ ذاته، لأنّ الشيطان يوسوس له بترك الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، ومجالس اللهو من الفحشاء والمنكر.
6. عدم توفّر الماء للوضوء: قد يهمل المكلّف صلاته إن لم يتوفّر له الماء للوضوء، أو قد يتعذّر بسبب المرض أو البرد الشديدين، فيظنّ المكلّف عدم إمكانيته أداء الفريضة، ولكن الشرع الإسلاميّ قدّم بديلاً عن الوضوء وهو التيمّم، فلا يجوز له تأخير الصلاة بانتظار توفّر الماء، أو انتفاء العوامل الأخرى، بل إذا ضاق الوقت عن استعمال الماء أو عن تحصيله ضمن وقتها الشرعيّ، فيجب عليه أن يتيمّم فوراً ويصلّي، ولا يجوز له أن يهملها، وصلاته صحيحة ومقبولة إن شاء الله.
7. المرض: صحيح أنّه ليس على المريض حرج، لكن هذه القاعدة لا تشمل الصلاة، لأنّها لا تسقط بحال من الأحوال، وإنّما هي تختصّ بالصوم، وتفصيله في كتب الفقه، أمّا صلاته، فثمّة ما يسمّى بصلاة المريض، فمن يعجز عن القيام يأتِ بصلاته من جلوس، ومن يعجز عن الجلوس يأتِ بها مستلقياً وبأيّ كيفيّة، وبالشروط التي يستطيع تحصيلها، وبالأجزاء التي يستطيع أن يأتي بها.
إنّ كلّ هذه الحالات وغيرها لا تبرّر ترك الصلاة أو إهمالها أو تأجيلها تحت أيّ سبب أو عذر كان، وهذا ما يدلل على قدسيّة هذه الفريضة وأهميّتها حتّى باتت عمود الدين، وأنّ الصلة بالله أهم أولوياتنا.
فأينما كنتَ، فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام، والله يُحبّ المصلين.