مع الإمام الخامنئي | كلّنا مَدينون للنبيّ الأعظم* نور روح الله| هكذا كانت حياة الرسول* مع إمام زماننا | حين تزفّ السماء نبأ الظهور (2): في مكّة السيّد محسن شهيداً على طريق القدس مقاومتُنا بعينِ الله صُنعت حاجّ محسن! إلى اللقاء عند كلّ انتصار* أبو طالب: قائدٌ في الميدان والأخلاق المقاومة الإسلاميّة: ثقافتنا عين قوّتنا الشهيد على طريق القدس بلال عبد الله أيّوب تسابيح جراح | جراحاتي لا تثنيني عن العمل

أخلاقنا | الإلحاد خصيم الفطرة*


الشهيد السيد عبد الحسين دستغيب قدس سره


إذا كان الإيمان بالله فطريّاً، فلماذا نجد كثيراً من الناس غير مؤمنين؟ وخلاصة الجواب: إنّ نقاء الفطرة وبروز أثرها في الإنسان أمران يتوقّفان على إرادته؛ فلو كان يريد أن يصبح من أهل المعرفة بالله ويستقيم على هذه الإرادة حقّاً، فسوف يصل إلى ما يريد حتماً.

•ما أكثر الغافلين!
ما أكثر الأشخاص الذين قضوا شطراً من أعمارهم أسرى الأوهام الباطلة، التي نسجها الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، فتصوّروها أدلّةً على عدم وجود الله؛ فأنكروا وجود خالق مدبّر لهذا الكون العظيم، وأنكروا مرتبة الإنسانيّة السامية، وعدّوا الإنسان حيواناً بلغ حدّ الكمال، أي أُلقي عنه القرنان والذنَب والصوف أو الوبر الذي كان يكسوه، وتطوّر من المشي على أربع، فأصبح يمشي على اثنتين، وهكذا. وما أكثر الغافلين الذين قبلوا هذه الأوهام، التي تنسجم مع التحلّل والعبث واتّباع الشهوات، واعتقدوا بها وبنوا كلّ تصرّفاتهم وممارساتهم على أساس المادّيّة والحيوانيّة! بل ما أكثر الناس الذين يعيشون هذه الأوهام إلى الآن، بينما نجد أنّ الذين حملوا راية هذا المنهج الفكريّ الخاطئ، عندما عادوا إلى رشدهم وفكّروا في أنفسهم، أيقظهم وجدانهم وشعورهم الباطنيّ وكشف لهم زيف أفكارهم. ونذكر هنا كنموذج أسماء عدّة:

1. داروين يعترف: صاحب النظريّة المشهورة "أصل الأنواع" أو التطوّر "شارلز روبرت داروين"، ومؤسّس المدرسة الداروينيّة التي ملأ ضجيجها الآفاق، ركع أخيراً أمام ضغط قوّة الفطرة والوجدان، فهو كما يُنقل أنه اعترف في أواخر أيّام حياته بتراجعه عن نظريّته، واعترف بالقوّة الإلهيّة الأزليّة والأبديّة. وينقل عنه "بخنر" العالم الألمانيّ أنّه ذكر في رسائله إلى أصدقائه أنّ "من المحال على العقل أن ينكر وجود مبدأ مدبّر لهذا الكون، وهو يرى فيه هذا النظام والتناسق المحيّرين".

2. التلميذ يتبع أستاذه: الفيلسوف الألمانيّ الشهير "رئينغ"(1)، الذي كان في البداية من أتباع "داروين" المتعصّبين له، اضطرّ أخيراً للتسليم والخضوع أمام ضغط الوجدان والفطرة، وألّف كتاباً باسم "الدنيا المخلوقة"، واعترف فيه بمنتهى الصراحة بأنّ لهذا العالم خالقاً.

3. و"فارادي" يركع: "مايكل فارادي" عالم في الفيزياء والكيمياء، كان يعتبر العالم موجوداً من التركيبات التصادفيّة للمواد لا غير، ولم يكن يعتقد بالله الحكيم المدبّر، وأمضى تمام عمره في أبحاث الفيزياء والكيمياء. في أحد أيّام العام 1867م، وبينما كان على فراش المرض، سأله أحد أصدقائه: "بأيّ نظريّة تفكّر؟"، فأجابه: "أشكر الله أنّي لا أفكّر بأيّ نظريّة، أنا أسجد أمام عظمة الله وأركع معترفاً بالحقّ. إنّي أفكّر فقط بالله الذي تشهد بوجوده فطرتي وإحساسي وشعوري الباطنيّ وكلّ أنظمة العلوم. أنا أعرف ربّي وأنا مطمئن أنّه سيغفر لي تقصيري وزلّاتي لعجزي وانكساري وتوبتي" .

•الفطرة هي الأساس
يروى عن الإمام الباقر عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "كلّ مولود يولد على الفطرة"(2)؛ وهي معرفة الله.

سأل أحدهم الإمام الصادق عليه السلام عن طريق معرفة الله، فقال له الإمام: "يا عبد الله، هل ركبت سفينة قط؟ قال: نعم، قال: فهل كُسِرَ بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم، قال: فهل تعلّق قلبك هنالك أنّ شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلّصك من ورطتك؟ قال: نعم، قال الصادق عليه السلام: فذلك الشيء الذي هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث"(3).

ويقول الإمام الصادق عليه السلام أيضاً: "ليس العلم بالتعلّم، إنّما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه"(4). والظاهر أنّ المراد بهذا العلم ليس العلوم الاكتسابيّة، بل الإيمان بالله ومعرفة أسمائه وصفاته وما يتعلّق به سبحانه.

•كيف نؤمن بإله لم نره؟
يقول بعض الغافلين أصحاب الأفكار المنحرفة: كيف نؤمن بربّ لم نره؟ فيجب أن يُرد عليهم بالسؤال: وهل يصحّ إنكار وجود العقل والذاكرة وسائر القوى الباطنة؛ بسبب أنّكم تعجزون عن رؤيتها أنتم وغيركم؟ وكذا هل يصحّ إنكار الأجسام الشفّافة التي لا تُرى بالعين مع أنّها تشاهد بآثارها، وآثارها تدلّ عليها؟

يروى أنّ أبا حنيفة قال ذات يوم لأصحابه إنّ جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام قال كلمات حيّرتني، إنّه يقول: إنّ الله لا يُرى لا في الدنيا ولا في الآخرة، وكيف يمكن للموجود أن لا يُرى؟ ويقول: إنّ إبليس يعذّب يوم القيامة بالنار مع أنّه من نار، فكيف يعذّب بما خُلق منه؟ ويقول: إنّ أفعال العباد تُنسب إليهم مع أنّ القرآن ينسب أفعال العباد إلى الله.

وكان بهلول حاضراً في المجلس، فأمسك قطعة طين يابسة، وقذفها تُجاه أبي حنيفة فضربت رأسه، فسال منه الدم ثمّ ولّى هارباً. فاشتكى أبو حنيفة بهلولاً إلى القاضي، فسيق للمحاكمة، فقال: لقد اعترض أبو حنيفة على الإمام الصادق عليه السلام في ثلاث مسائل، وأنا أجبته عليها بهذه الضربة؛ إنّه يقول: إنّ الشيء الموجود لا بدّ من أن يُرى. وهو يدّعي الآن أنّي آلمت رأسه، فليُرني الألم، وحيث إنّ الألم لا يُرى فهو يكذب! ويقول: إنّ الشيطان من نار ولا يمكن أن يعذّب بالنار. والطين الذي ضربته به تراب وهو من تراب، فيجب أن لا يؤلمه! ويقول: إنّ فعل العبد يُنسب إلى الله، فلماذا اشتكى عليّ إذاً؟ فأُطلق سراح بهلول.

•عِلْمنا قطرة في محيط
إنّ الشكر لله على أنّ أكثر علماء الطبيعة، خاصةً في عصرنا الحاضر، قد اكتشفوا زيف أستار الجهل والغرور هذه، وأذعنوا لعظمة الله وقدرته وحكمته، واعترفوا ببقاء الروح بعد الموت وبعالم الجزاء، وهم يقولون: إنّ معلوماتنا كقطرة، ومجهولاتنا تشبه المحيط الكبير اللامتناهي. مثلاً:

- يقول "هرشل" الإنكليزيّ وهو من كبار العلماء: كلّما اتّسعت دائرة العلم، ازدادت البراهين الساطعة على وجود خالق أزليّ قادر غير متناه.

- يقول العالم الاجتماعيّ "هربرت سبنسر": إنّا ندرك من بين كلّ هذه الأسرار التي تزداد غموضاً كلّما تقدّمنا في البحث، حقيقة واحدة واضحة وقطعيّة وهي أنّه توجد قوّة أزليّة وأبديّة أعلى من الإنسان، هي سبب حدوث كلّ الأشياء.

- يقول "لوي نيه" العالم الفيزيولوجيّ الفرنسيّ: إنّ الله الأزليّ العظيم الذي يعلم كلّ شيء ويقدر على كلّ شيء قد ثبت وجوده عندي، واتّضح لي بواسطة بدائع صنعه، فأدهشني وحيّرني. 

- يقول "باسكال" الفيلسوف المعروف: لا شيء غير الاعتقاد بالله يروي ظمأ أرواحنا ويطفئ لهيبنا الباطنيّ. 

- يقول "توماسو دي فيو": الله عالم بكلّ شيء، ويتصرّف بكلّ شيء، وهو ربّ كلّ شيء، يدبّر أمور الموجودات ويديرها.

إنّ هؤلاء من العلماء الذين تُدرس علومهم وآراؤهم، كانوا يعتقدون بالله تعالى، ويعترفون بوجوده جلّت عظمته؛ فلماذا لا يُبرزون لنا إلّا آراء المنكرين؟!


* مقتبس من كتاب القلب السليم، ج1، ص198- 205.
1.لم يُعثر على هذا الاسم، وربما كان خطأً في الترجمة الفارسيّة، ويمكن أن يكون المقصود هو "أوجين كارل دوهرينغ". المعاصر لداروين وعرف أنه يعارضه.
2.الكافي، الشيخ الكليني، ج 3، ص 591.
3.بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج3، ص42.
4.المصدر نفسه، ج 1، ص 225.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع