الشيخ بلال حسين ناصر الدين
يمكن توجيه كلمة الاحتضار إلى مقصدين:
أ. إمّا أنّها تعني أنّ الإنسان من خلال هذه الحالة، يصل إلى حضرة الله تعالى، أكان مؤمناً أم كافراً على السّواء، حيث إنّ الناس جميعهم سيقفون أمام الله وبحضرته، فيحاسب كلّ إنسان على أفعاله، فإن كان كافراً كان وصوله إلى تلك الحضرة محفوفاً بغضب الله وسخطه، وإن كان مؤمناً كان وصوله إليها محفوفاً برضى الله وغفرانه.
يقول تعالى: ﴿كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ* وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ* وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ* وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ* إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ (القيامة: 26-30).
أي عندما تصل النفس إلى الحلقوم وتلتفّ ساقاه بعضهما ببعض، يفهم المحتضر أنّه في لحظة الموت والانتقال من عالم الدنيا إلى عالم البرزخ، ليساق إلى الله ويسير إلى جهته تعالى: ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾. إذاً، لا فناء في البَين أصلاً، بل توفٍّ ووفاة، وتستمرّ هذه الحركة إلى أن يصل إلى دار القرار: ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾ (القيامة: 12)، مقرّ حضوره سبحانه وتعالى.
ب. وإمّا أنّها تعني حضورَ ملك الموت عند الإنسان، وهذا ما يمكن فهمه من بعض الروايات التي تشير إلى بعض حالات المؤمن والكافر عند الاحتضار، منها ما ورد أنّ المؤمن الموالي لأهل البيت عليهم السلام لا يُكره على قبض روحه، فعن سدير الصيرفيّ أنّه قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: جُعلت فداك يا بن رسول الله، هل يُكره المؤمن على قبض روحه؟ قال: "لا والله إنّه إذا أتاه ملك الموت لقبض روحه جزع عند ذلك، فيقول له ملك الموت: يا وليّ الله لا تجزع، فوالذي بعث محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم لأنا أبرّ بك وأشفق عليك من والد رحيم لو حضرك"(1).
(1) الشيخ الكليني، الكافي، ج 3، ص 134، باب أنّ المؤمن لا يكره على قبض روحه.