مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الافتتاحية: رسالة البكاء على سيّد الشهداء عليه السلام


الشيخ بلال حسين ناصر الدين


في كلام للإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام يخاطب فيه صاحبه ابن شبيب يقول له: "يا بن شبيب، إن كنت باكياً لشيء فابكِ للحسين بن عليّ"(1). بهذه الكلمات أوصى الإمام الرضا عليه السلام صاحبه، وبالتبع كلّ شيعته ومواليه بأن احرصوا على البكاء على سيّد الشهداء عليه السلام. وهكذا كان دأب آبائه وأبنائه المطهّرين حيث ظهر جليّاً في أحاديثهم وسيرتهم عِظَمُ اهتمامهم بإحياء أمر الإمام الحسين عليه السلام، من خلال إقامة مجالس العزاء والبكاء والتعريف بمظلوميّته، ومن ذلك ما ورد عن أبي هارون المكفوف قال: قال أبو عبد الله -الإمام الصادق- عليه السلام: "يا أبا هارون، أنشدني في الحسين عليه السلام، قال: فأنشدته، فبكى، فقال: أنشدني كما تنشدون -يعني بالرقّة- فأنشدته، قال: [...] فلمّا فرغت قال لي: يا أبا هارون، من أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى عشراً كُتبت له الجنّة"(2). وكذا كانت سيرة الأئمّة الأطهار عليهم السلام في تعاملهم مع مجالس العزاء. واللافت في موقف الإمام الصادق عليه السلام أنّه كان يريد الاستماع إلى ما ينشده الشاعر بصوت رقيق أي بصوت حزين، وكأنّه يريد أن يبكي أكثر فأكثر. فما سرّ هذا الحثّ الشديد يا ترى؟

في الواقع، عند الحديث عن البكاء على الإمام الحسين عليه السلام، لا بدّ من أن نلتفت إلى أنّنا نتحدّث عن أمر يرتبط برجلٍ يمتلك مكانة عظمى عند الله تعالى، ولا تستطيع عقولنا القاصرة إدراك كنهها، ولأجل ذلك فإنّ سرّ البكاء عليه وقدره إنّما يتناغم بلا ريب مع تلك المكانة العظمى. وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يشير إلى ذلك كما في قوله: "إنّ للحسين في بواطن المؤمنين معرفة مكتومة"(3). أمّا وجه هذا الاهتمام بالبكاء على الإمام عليه السلام في أحاديث الأئمّة الأطهار عليهم السلام وسيرتهم، فهو لأنّ البكاء بنفسه بمثابة الرسالة التي تصل مضامينها إلى جهات عدّة، فهي تارة توجّه إلى داخل الإنسان الباكي، أي إلى قلبه ومشاعره وأحاسيسه، إذ يكون البكاء لقلبه حينها بمثابة الماء للزرع، فيؤهّله للتوجّه نحو القضيّة الحسينيّة، ليعيش معها بمشاعره، وهذا ما يجعله أكثر تفاعلاً وأشدّ تأثّراً بما جرى في واقعة الطفّ وبما كان مرتبطاً بها من قبلها ومن بعدها. علاوةً على ذلك، فإذا كان البكاء مرتبطاً بمثل هذه الشخصيّة العظيمة وقضيّتها الجليلة، فسوف يكون له أثر بالغ في النفوس، ويُسهم حتماً في تنقيتها وجلاء ما فيها من غشاوات الدنيا. هذا مضافاً إلى البُعد الغيبيّ الذي يتّصل بالبكاء على الإمام الحسين عليه السلام، والذي أكّدت عليه أحاديث المعصومين عليهم السلام من تكفيرٍ للذنوب وعلوٍّ في الدرجات وحالات قربٍ لا يدركها سوى من بكى الإمام عليه السلام وذرف لأجله الدموع. وتارةً أخرى، تكون رساليّة البكاء مرتبطة بالقضيّة الحسينيّة من الناحية السياسيّة والعقديّة؛ فهذه القضيّة لا ينبغي أن تموت، بل لا بدّ من بقائها حيّة في وجدان الأمّة عبر الزمن، فيكون البكاء إزاء ذلك شعاراً يدلّل على القضيّة والنهضة الحسينيّة، بما تحمله من مبادئ جليلة تحاكي الإسلام المحمّديّ الأصيل، وفي الوقت عينه تدلّل على جهة أهل الباطل، الذين كانوا يرومون العبث بمبادئ الإسلام.

ففي البكاء على الإمام الحسين عليه السلام رسالةٌ تحاكي قلبَ الباكي، وتَقرعُ بابَ معرفته ووعيه بالقضيّة الحسينيّة.


(1) الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج1، ص268.
(2) ابن قولويه، كامل الزيارات، ص 208.
(3) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج43، ص272.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع