دعاء محمد علي
تطالب أميركا العالم بضبط اقتناء السلاح، وتهدّد شعوباً بسبب وجود بعض الأسلحة، وتشنّ حرباً على بلد ما لاشتباهها بوجود سلاح، فماذا عن السلاح المتفلّت في المجتمع الأميركيّ؟ ولماذا تدعم أميركا ثقافة اقتناء السلاح داخلها؟
• السلاح ونشأة أميركا
كانت الأسلحة الناريّة ضرورةً للساكن الجديد ولا غنى عنها في سبعينيّات وثمانينيّات القرن الثامن عشر في البلد الناشئ الأميركيّ. وامتلاك سلاح ناريّ كان يعني الوقوف في وجه الأنظمة الملكيّة المستعمرة، وخصوصاً الجيش البريطانيّ. وقد أشاد جيمس ماديسون، الذي يُعرّف بأنّه "أبو الدستور" الأميركيّ، بـ"ميزة امتلاك السلاح التي يتفوّق بها الشعب (الأميركيّ) على كلّ البلدان الباقية تقريباً". ويشير ديفيد يامان، الأستاذ في جامعة وايك فورست، الذي كتب عن تطوّر ثقافة السلاح في أميركا، من "ثقافة أسلحة نسخة أولى" إلى "ثقافة أسلحة نسخة ثانية"، إلى الدور الدمويّ الذي لعبته الأسلحة الناريّة في إرضاخ القبائل الهنديّة (السكّان الأصليّين للقارة)، وفي السيطرة على العبيد.
وبحلول بداية القرن العشرين، ومع توسّع المدن، وجدت الولايات المتّحدة نفسها أمام مستويات عنف لا تقارن بالدول الأخرى؛ وذلك بسبب الأسلحة الناريّة. فاتّخذت السلطات الفدراليّة إجراءات، منها حظر البنادق الرشّاشة عام 1934م، وإلزام مالكي الأسلحة بالتصريح عنها. بموازاة ذلك، فرضت الولايات نفسها قيوداً خفيفة، فمنعت على سبيل المثال حمل السلاح في العلن.
• المطالبة بامتلاك السلاح
في المقابل، ساهمت شركات الأسلحة و"الجمعيّة الوطنيّة للبنادق"، أي لوبي الأسلحة، في منع فرض قيود تحدّ من استخدام السلاح، من خلال الحملات الشديدة التي شنّتها دفاعاً عن حقّ حمل السلاح.
بعد ذلك، وقفت الجمعيّة الوطنيّة للبنادق صفّاً واحداً مع الحزب الجمهوريّ؛ للدفاع عن التعديل الثاني للدستور، باعتباره كرّس "الحقّ الجوهريّ" في امتلاك أسلحة ناريّة وفق تفسيرها له. وأوضح ماثيو لاكومب، الأستاذ في كليّة بارنارد، أنّه من أجل الوصول إلى هذا التفسير، نسج لوبي الأسلحة أسطورة ًحول "حقّ حمل السلاح"؛ ليغرف منها حاملو الأسلحة مبرّراتٍ لحيازة مكانة اجتماعيّة.
وباتت الأسلحة أداةً بالغة الأهميّة لتحديد الهويّة السياسيّة في الولايات المتّحدة، ولا سيّما في الأرياف التي لطالما سعى الجمهوريّون للاحتفاظ بالسيطرة عليها على حساب الديمقراطيّين.
• مبيعات السلاح
تبيّن في أحد تقارير شبكة "سي إن إن" الأميركيّة أنّ مئات المتاجر في الولايات المتّحدة تبيع الأسلحة، سواء السلاسل الكبيرة مثل "وَلمارت" (Walmart)، أو المتاجر التي تديرها العائلات. وثمّة أيضاً العشرات من المعارض الخاصّة بالأسلحة التي تُنظّم في العطلات الأسبوعيّة. كما يمكن للناس أن يشتروا الأسلحة من جيرانهم أو أفراد عائلاتهم. ويُكتفى بإجراء اختبار خلفيّة (فحص سجلّ) لمن يشتري عبر المتاجر فقط، ولو تبيّن أنّه مدان فى جناية أو جنحة بأحكام تتجاوز العامين، أو يعاني من أزمة عقليّة، فإنّه لن يتجاوز الاختبار.
• نسبة حيازة السلاح
• كشفت "الدراسة الاستقصائيّة للأسلحة الخفيفة" في حزيران 2018م أنّ الأميركيّين كانوا يملكون نحو 45% من الأسلحة الناريّة المدنيّة المنتشرة في العالم، في حين أنّهم لا يمثّلون سوى نحو 4% من سكّان العالم.
• ثمّة ما يقرب من 390 مليون سلاح متداول في الولايات المتّحدة في عام 2018م، أي نحو 120.5 سلاحاً ناريّاً لكلّ 100 من السكّان.
• تتركّز الأسلحة الأميركيّة في أقليّة صغيرة من الأسر، إذ إنّ 3% فقط يمتلكون نحو نصف الأسلحة في البلاد. ويطلق على المواطنين الذين لديهم ما معدّله 17 بندقيّة لقب "المالكون الفائقون".
• قدّرت "مؤسّسة غالوب للدراسات" في عام 2021م أنّ 42% من الأسر الأميركيّة تمتلك أسلحة بشكلٍ عام.
• في حزيران 2021م، قال 30% من الأميركيّين البالغين إنّهم يمتلكون قطعة سلاح واحدة على الأقلّ، وفق استطلاع لمركز "بيو".
• السلاح والجريمة
تهزّ الولايات المتّحدة بشكلٍ مستمرّ ومتكرّر حوادث إطلاق نار فرديّة وجماعيّة، وقتل وانتحار وسرقات وتهديد بالسلاح، تتعدّى خلال أعوام إلى حدّ كبير أيّ حوادث مماثلة في الدول المتقدّمة. وباتت الأسلحة الناريّة السبب الرئيس للموت بين الشباب الأميركيّين. ويصل معدّل جرائم القتل بالأسلحة الناريّة في الولايات المتّحدة إلى 26 ضعفاً عن البلدان الأخرى ذات الدخل المرتفع، فيما معدّل الانتحار بالسلاح أعلى بما يقرب من 12 مرّة مقارنةً بغيرها من الدول. وبحسب دراسة أُجريت في كانون الثاني 2022م، فإنّ الولايات التي لديها قوانين أسلحة ضعيفة، تكون معدّلات جرائم القتل والانتحار المرتبطة بالأسلحة الناريّة فيها أعلى.
وتواجه الولايات المتّحدة حاليّاً معضلة فى مواجهة أزمة عنف الأسلحة التي تسفر عن ارتفاع هائل في حوادث إطلاق النار الجماعيّ، والتي تسببت بسقوط مئات القتلى والمصابين على مدار السنين. رغم ذلك، ما زال القانون الفيدراليّ الأميركيّ يمنح البالغين حقّ الحصول على السلاح، بشكلٍ واسع في مختلف أنحاء البلاد.
• معدّلات الجريمة
• ارتفع معدّل جرائم القتل في الولايات المتّحدة بنسبة 30% بين 2019م و2020م، وهي أعلى زيادة مسجّلة في التاريخ الحديث.
• في عام 2020م، كانت 54% من ضحايا الأسلحة الناريّة ناجمة عن الانتحار، بينما كانت 43% منها جرائم قتل.
• أظهرت بيانات الـFBI أن الولايات المتّحدة سجّلت أكثر من 21 ألف و500 جريمة قتل في 2020م، أي ما يعادل 59 جريمة في اليوم.
• وللعنصريّة حصّة، ففي عام 2020م، طالت 10 آلاف جريمة قتل تقريباً أمريكيّين من العرق الأسود، أي نحو نصف جرائم القتل، في حين أنّهم يمثّلون 12% فقط من عدد السكّان.
• زادت إصابات اليافعين الذين تقلّ أعمارهم عن 18 بالأسلحة الناريّة، بنسبة 52% خلال جائحة كورونا.
أمام هذه الجرائم الخطرة، هل حاولت أميركا ضبط سلاح الأفراد المتفلّت داخلها؟ هل تضع قوانين مع أو ضد؟