اعلم أنّ العبد السالك إذا قام عن السجود، فقد رجع من حالة الغيبة عن الخلق إلى حال الحضور، فيسلّم على الموجودات سلام من رجع من السفر والغيبة. ثمّ يسلّم على النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فيتوجّه بعدها إلى أعيان سائر الموجودات على طريق التفصيل والجمع.
ومن لم يكن في صلاته غائباً عن الخلق، ولم يسافر إلى الله، ولم يحصل له في هذه الصلاة عروج، فالسلام بالنسبة إليه بلا حقيقة وليس إلّا لقلقة لسان؛ فالأدب القلبيّ للسلام مرتبط بالأدب في جميع الصلاة.
* آداب السلام عند الإمام الصادق عليه السلام
قال الإمام الصادق عليه السلام: "معنى السلام في دبر كلّ صلاة الأمان؛ أي من أدّى أمر الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم خاشعاً فيه، فله الأمان من بلاء الدنيا، وبراءة من عذاب الآخرة. والسلام اسم من أسماء الله تعالى أودعه خلقه، ليستعملوا معناه في المعاملات والأمانات والإنصافات، وتصديق مصاحبتهم فيما بينهم وصحّة معاشرتهم، فإن أردت أن تضع السلام موضعه، وتؤدّي معناه، فاتّق الله، وليسلم منك دينك وقلبك وعقلك، ولا تدنّسها بظلمة المعاصي، ولتسلم حفظتك ألّا تبرِمُهُم (تضجرهم) وتملّهم وتوحشهم منك بسوء معاملتك معهم ثمّ صديقك ثمّ عدوّك، فإنّ من لم يسلم منه من هو أقرب إليه، فالأبعد أولى، ومن لم يضع السلام مواضعه هذه، فلا سلم، ولا سلام، وكان كاذباً في سلامه، وإن أفشاه في الخلق"(1).
* معاني السلام
يقول عليه السلام أنّ معنى السلام عقيب الصلاة هو:
1. الأمان: بمعنى أنّ من أدّى الأوامر الإلهيّة والسنن النبويّة بالخشوع القلبيّ، فإنّه يأمن من بلاء الدنيا وعذاب الآخرة؛ أي يأمن من التصرّفات الشيطانيّة في الدنيا، لأنّ أداء الأوامر بالخشوع القلبيّ موجب لقطع تصرّف الشيطان: ﴿إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾.
2. من أسماء الله: ثمّ يشير عليه السلام إلى سرّ من أسرار السلام، ويقول: "السلام اسم من أسماء الله تعالى أودعه خلقه"؛ وهذه إشارة إلى أنّ الموجودات مظهرٌ للأسماء الإلهيّة، ولا بدّ للعبد السالك من أن يُظهر هذه الحقيقة، ويستعملها في جميع المعاملات والمعاشرات والأمانات والارتباطات مع الحقّ ودين الحقّ تعالى لئلّا يخون الوديعة الإلهيّة. فتسري حقيقة السلام إلى جميع قواه، وفي جميع عاداته وعقائده وأخلاقه وأعماله؛ لتسلم نفسه من جميع التصرّفات. وقد عرّف عليه السلام التقوى طريقاً لتحصيل هذه السلامة.
* التقوى طريق السلامة
وليعلم أنّ للتقوى مراتب ومنازل:
1. تقوى الظاهر: هي حفظ الظاهر عن القذارات وظلمة المعاصي الظاهريّة.
2. تقوى الباطن: هي حفظه وتطهيره عن الإفراط والتفريط وعن التجاوز عن حدّ الاعتدال في الأخلاق والغرائز الروحيّة.
3. تقوى العقل: هي حفظه وتطهيره بالعلوم الإلهيّة، والمراد من العلوم الإلهيّة ما يكون مرتبطاً بالشرائع والأديان الإلهيّة.
4. تقوى القلب: هي حفظه عن مشاهدة وذكر غير الحقّ، وهذه تقوى الأولياء. وهي المقصود من الحديث القُدسيّ الشريف الذي يقول الحقّ تعالى فيه: "أنا جليس من جالسني.."(2). هذه هي الخلوة القلبيّة، وهي أفضل الخلوات.
* انقطاع جذر العداوة
فمن اتّصف بجميع مراتب التقوى، يسلم دينه وعقله وروحه وقلبه وجميع قواه الظاهرة والباطنة، وتسلم حفظته الموكلة به، ولا تملّ ولا تضجر ولا تستوحش منه. ومن كان بهذه الصفة، تكون معاملاته ومعاشرته مع صديقه وعدوّه بطريق السلامة، بل ينقطع جذر العداوة عن باطن قلبه، وإن كان الناس يعادونه. ومن لم يكن سالماً في جميع المراتب، فهو محروم من فيض السلام بمقدار عدم سلامته، وقريب من أفق النفاق بمقدار ذلك، نعوذ بالله منه، والسلام.
(*) مقتبس من كتاب الآداب المعنويّة للصلاة، للإمام الخمينيّ قدس سره، الباب الثامن، الفصلين الأوّل والثاني.
(1) العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 82، ص 307 - 308.
(2) الشيخ الطبرسي، مستدرك الوسائل، ج 7، ص 535.