نهى عبد الله
تريّثت الفتاة حتّى تنهي السيّدة حديثها مع الحاضرات، كانت تنتظر بخجل، وهي تراقبها بشغف الروح. لطالما أخبرت والدتها المُسنّة أنّها لم ترَ في العرب مثل هذه السيّدة؛ هالةٌ من العلم والوقار تسير بين الناس، لم ترد عليها مسألة يعييها جوابها.
لاحظت أنّ السيّدة قد أنهت كلامها، وحمدت الله ودعت للحاضرات بالصلاح والاستقامة، وفيما تهمّ بالقيام، هرعت الفتاة إلى جانبها قبل أن تحيطها السيّدات بأسئلتهنّ المعتادة، وبادرت: "سيّدتي، والدتي مريضةٌ، يشقّ عليها الحضور إليك، وقد اشتبهت عليها أمور في صلاتها، فأرسلتني أحمل سؤالها".
بادرتها من فورها: "سلي ما شئت"، فسألتها سؤالاً، وبعد أن أجابتها، تشجّعت الفتاة لتسأل آخر، ثمّ أتبعته بثالث ورابع، وهي تقرأ ملامح السيّدة الجليلة في محاولة ذكيّة؛ لكي لا تزعجها أو تثقل عليها، فتتوقّف عند حدّ معيّن من أسئلة والدتها التي لن تنتهي بسهولة؛ فهي قعيدة البيت ولا يمكنها حضور هذه الدروس، التي لم تملك أيّ امرأة في المدينة قدرة وكفاءة لتتصدّى لها... غيرها.
أخذت الفتاة تطرح سؤالاً تلو آخر، والسيّدة يزهر نورها، وتجيب برحابة، وتفصّل المسائل على مهل؛ لتضمن أنّ الفتاة ستحفظ الإجابات. حينما وصلت إلى السؤال العاشر، أجابتها السيّدة، فتوقّفت الفتاة حياءً عن طرح المزيد، واعتذرت: "سيّدتي، لا أشقّ عليك أكثر..."، وسريعاً، بحزم وحرص بادرتها، كأنّما الأسئلة كانت عطاءً لها: "هاتي"، زادت دهشة الفتاة، عندما تابعت: "سلي عمّا بدا لك، وهل يشقّ الحمل الثقيل مقابل ثروة؟! أعطيتُ عن كلّ مسألة أكثر من ملء الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن لا يثقل عليّ".
*فاطمة بنت محمّد عليهما السلام، التي لم يتجاوز عمرها الثامنة عشرة عاماً، تجاوزت في قلوب محبيّها الدهور.