تحقيق: نانسي عمر
حينما وضعت يدها على جبين ابنها الصغير اكتشفت أنّ درجة حرارته مرتفعة قليلاً، فلجأت إلى جارتها، التي تظنّ أنّها "تعرف كلّ الأدويّة"، ونصحتها بمضاد حيويّ وصفه الطبيب لابنها مرةً، سألتها الأم، كون جارتها قدمت لها النصيحة نفسها الأسبوع المنصرم: "ألن يصيبه ذلك بمكروه؟!" وبثقة "الطبيب" أجابت الجارة: "لن يحدث أي سوء، إن لم يفده، لن يضره".
مشهدٌ يتكرر في حياتنا حول المضادات الحيويّة، فما هي الكيفيّة الصحيحة لاستخدامها في العلاج؟ وما هي الآثار المحتملة لتناولها دون وصفة طبيب؟ وإلى أيّ مدى يصحّ ما يقوم به بعض الناس من تناول بضع حبّات من الدواء ثمّ التوقّف عنه فجأةً عند الشعور بالتعافي؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على الدكتورة ندى شمس الدين، المتخصّصة في الأمراض الجرثوميّة، وعدنا بالمعلومات الآتية:
* انتشار الأوبئة ليس مبرّراً
كثرت في أيّامنا هذه الفيروسات والأمراض، وأخذت تنتشر بقوّة بين الناس، وكثر معها الحديث عن أسماء لمضادات حيويّة وأنواع لها، أو ما يُعرف باللغة الشائعة بـ "أدوية الالتهابات"، والتي يتناولها الناس، في كثير من الأحيان، دون وصفة طبّيّة. إلّا أنّ فيروس كورونا، الذي انتشر في السنتين الأخيرتين، حمل معه تحذيرات الأطبّاء من خطورة تناول المضادات الحيويّة للمصابين بالفيروس دون استشارة الطبيب المتخصّص، ما دفع معظم الناس ليفكرّوا مليّاً قبل أن يتناولوا هذا الدواء عند الإصابة بفيروس أو بمرض معيّن.
* ما هي المضادات الحيويّة؟
المضادات الحيويّة (antibiotics) عبارة عن أدوية مختصّة بفئة معيّنة من الأمراض الجرثوميّة التي تسبّبها الميكروبات، والتي تنقسم إلى أنواع عدّة، منها: البكتيريا، والفيروس، والطفيليّات، وسواها. ولكلّ فئةٍ أدوية خاصّة بها تقع كلّها تحت عنوان "المضادات الحيويّة".
يتمّ إنتاج المضادات الحيويّة من خلال استخدام الميكروبات مثل البكتيريا المنتجة للبنسلين، أو عن طريق استخلاصها من النباتات. وفي حالات أخرى، يتمّ إنتاجها صناعيّاً بشكلٍ كامل. وهي تُستخدم بشكلٍ عام لمنع نموّ الميكروبات، أو لإبطاء نموّها وتكاثرها.
* طريقة العلاج
عادةً، تؤخذ المضادات الحيويّة عن طريق الفم، أو عن طريق الحقن في بعض الأحيان، حيث تبدأ فعاليّتها في غضون ساعات قليلة بعد تناولها.
تؤكّد الدكتورة شمس الدين أنّه لا يوجد بروتوكول موحّد لعلاج الأمراض الجرثوميّة بمختلف حالاتها، لذلك، يختلف استعمال أدوية الالتهابات وتحديد النوع المناسب بحسب نوع الجرثومة المسبّبة للمرض، وبحسب المرض الالتهابيّ الموجود؛ بمعنى أنّ الجرثومة نفسها المسبّبة للمرض، قد تختلف طريقة علاجها وفقاً لموضع الالتهاب في الجسم ومدى قوّته، مضافاً إلى الظروف الصحّيّة المحيطة بالالتهاب.
كذلك، يختلف أسلوب العلاج بالمضادات الحيويّة بلحاظ مسائل عدّة، منها: عمر المريض، وإذا كان يعاني من أمراض أخرى، أو يتناول أدوية معيّنة، أو إذا كان ثمّة حالات عضويّة في موضع الالتهاب، وغير ذلك من الظروف. لذا، يصعب تحديد نوع الدواء الخاصّ بكلّ مرض من دون استشارة الطبيب.
* المضاعفات والآثار الجانبيّة
ككلّ الأدوية الموجودة في الأسواق، يمكن أن تؤدّي المضادات الحيويّة إلى آثار جانبيّة ومضاعفات معيّنة، منها: الإسهال، والتعب، والالتهابات الفطريّة في الفم والجهاز الهضميّ. وفي حالات نادرة، قد يؤدّي استعمال المضاد الحيويّ إلى التهاب القولون، وتشكّل الحصى في الكلى، وتخثّر الدم، خاصّة عند كبار السن، أو عندما يترافق استعماله مع أنواع معيّنة من الأدوية.
ويحذّر الأطبّاء من تناول جرعات زائدة من المضاد الحيويّ لما قد يسبّبه من:
1. بعض حالات التسمّم: ينتج عنه التقيّؤ، الغثيان، الإسهال، تقلّصات المعدة.
2. الحساسيّة: يعاني بعض مرضى الحساسيّة من بعض العوارض في حال تناولهم المضاد الحيويّ بجرعة مفرطة، أو دون استشارة الطبيب المختصّ، وعوارض الحساسيّة مثل: الطفح الجلديّ، السعال، ضيق التنفس.
3. تقليل فعّاليّة العلاج: تجعل الجرعات المفرطة الدواء أقلّ فعاليّة في مقاومة المرض.
4. قتل البكتيريا المفيدة في الجسم: بما أنّ ثمّة أنواعاً من البكتيريا المفيدة في الجسم، والتي تساعده على العمل بشكلٍ طبيعيّ، فإنّ تناول المضادات الحيويّة بشكلٍ زائد يؤدّي إلى قتل هذه البكتيريا المفيدة مع البكتيريا الضارّة، ما يسبّب اختلالاً في توازن الجسم. كما أنّ تناول الدواء من دون أيّ داع، أو عدم الالتزام بالمدّة الزمنيّة المطلوبة للعلاج، تزيد من تلك المضاعفات وحدّتها.
5. وضع جراثيم الجسم في حالة مقاومة دائمة: تهيّئ الجرعات المفرطة من المضادات الجراثيم الموجودة في الجسم بشكلٍ طبيعيّ؛ لتصبح في حالة مقاومة دائمة، فتسبّب أمراضاً جرثوميّة والتهابيّة صعبة العلاج، في وقت تضعف قوّة الجهاز المناعي للجسم بسبب تفاعل المضادات معه. وفي هذا الصدد، تحذّر منظّمة الصحّة العالميّة، بشكلٍ دائم، من وجود مثل هذه الجراثيم والبكتيريا والفيروسات المقاومة للمضادات الحيويّة وتكاثرها بشكلٍ كبير ومخيف، وتنبّه إلى أنّ ذلك قد يحصد في العام 2050م أكبر نسبة وفيّات، ما قد يفوق نسبة الوفيّات التي تسبّبها كلّ الأمراض الأخرى المنتشرة في العالم، ومنها أمراض السرطان. أمّا سبب ذلك، فيعود إلى الاستعمال الخاطئ وغير الموجّه للمضادات الحيويّة، كتناول الدواء من دون وصفة طبّيّة، أو تناول بعض الحبّات أو جزء من الجرعة المحدّدة.
* ضرورة إتمام الدواء
كثيراً ما يعمد بعض المرضى إلى التوقّف عن استخدام الدواء، بعد تناول جزء منه، وبمجرّد شعورهم بالارتياح والتحسّن. ولكن ما هو سبب هذا الشعور؟
في هذه الحالة، يشعر المريض بالتحسّن بسبب ضعف البكيتريا وليس موتها بشكلٍ نهائيّ، ولكنّها قد تستردّ قوّتها من جديد وتهاجم أجزاء المضاد الحيويّ. لذا، فإنّ هذا الخطأ الشائع، بالتوقّف عن تناول الدواء قبل إتمام الجرعة المطلوبة، يجب تجنّبه بشكلٍ نهائيّ للحدّ من انتشار الفيروسات والجراثيم المقاومة للمضادات الحيويّة، وحتّى يبقى الدواء يمارس دوره بالفعاليّة المطلوبة في مواجهة الجرثومة أو الفيروس المخصّص لعلاجه.
* الالتزام بتعليمات الطبيب
هنا، تُحذّر الدكتورة شمس الدين من التساهل في تناول المضادات الحيويّة ضد الالتهابات، وتؤكّد ضرورة إشراف الطبيب المتخصّص على العلاج بالمضاد الحيويّ؛ لأنّه لا يمكن لأيّ طبيب أن يشخّص الحالة المرضيّة إلّا إذا كان متخصّصاً بنوع معيّن من الأمراض.
والأهمّ من ذلك كلّه، بحسب الدكتورة شمس الدين، هو عدم السماح بوصف هذه الأدوية من قِبل أيّ شخص غير الطبيب، حتّى لو كان هذا الشخص هو الصيدليّ، لأنّ الطبيب وحده المخوّل لتحديد نوع العلاج المطلوب، والجرعة المناسبة، والمدّة الزمنيّة المطلوبة، بعد أن يقوم بفحص المريض وتشخيص حالته المرضيّة. وما على المريض سوى أن يلتزم بتعليمات الطبيب بشكلٍ كامل حتّى يحصل على النتيجة المرجوة، دون مضاعفات محتملة.