مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الافتتاحية: بذلك انتصروا وننتصر


الشيخ بلال حسين ناصر الدين


سجنٌ وتضييقٌ وترهيب، جواسيسُ وعيون، كلماتٌ مفتاحيّة لمن رام النظرَ في المشهد التاريخيّ للحقبة التي عايشها الإمام العسكريّ عليه السلام مع الحكم العباسيّ، حيث قضى جلّ أيّامه رهنَ حقد العبّاسيّين وبغضِهم، علماً أنّه عليه السلام لم يكن قد أعلن الحربَ العسكريّة عليهم، ولم يحمل السلاحَ في وجههم -ولو ظاهراً-، نظراً إلى الظروف الحاكمة آنذاك، إلا أنّهم كانوا يرَون في وجوده أعظمَ خطر يُهدّدهم، وفي كلماته سلاحاً فتّاكاً يفضحهم، وفي قلبه وروحه وحسن أخلاقه، سهاماً تُرمى على عروشهم. هذا وقد تميّزت شخصيّته المباركة بميزات عدّة، منها قدرته على التأثير في الآخرين، وقوّة الجذب التي كان يمتلكها، حتّى جعلت أفئدةً من الناس تهوي إليه، بعد أن كانوا له أعداء؛ كذاك السجّان الذي عيّنه المتوكّل العباسيّ، والذي كان من أشدّ ناصبي العداء له، إذ سرعان ما تغيّر حاله بعد يوم واحد من سَجنه عليه السلام!

إنّ ما كان العباسيّون يهابونه هو قدرته عليه السلام على التأثير في الآخرين، وما يحمله من نهجٍ وفكر، والذي يستطيع من خلاله أن يمتلك قلوب الناس وأذهانهم؛ من هنا، بذل العبّاسيّون بمنظومتهم الاستخباريّة قُصارى جهدهم في ملاحقته هو وأتباعه، ولم يراعوا في سبيل ذلك أيّاً من المبادئ الدينيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة، فإنّ كلّ هذه المبادئ تهون في نظرهم أمام كرسيّ السلطة والعرش، وهم بذلك على نسق الأنظمة الاستكباريّة الحاليّة، التي تضع المنفعة الشخصيّة أولى أولويّاتها في تعاملها مع الآخرين؛ هكذا هي روحُ الظلم، هي واحدةٌ، ولو تعدّدت لغاتها وأمكنتها وأزمنتها. وفي الوقت الذي كان فيه العبّاسيّون يضيّقون على الإمام عليه السلام، كانوا أيضاً يعمدون إلى دعم المناوئين له ولأهل بيت العصمة عليهم السلام، وكانوا يحاولون دوماً تشويه مكانتهم ونهجهم. كلّ ذلك لم يقف حائلاً أمام سير الإمام عليه السلام في ما يراه صلاحاً للرسالة والأمّة، والذي تجلّى في إرساء معالم المشروع الإلهيّ، والتمهيد لغيبة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، من خلال تثقيف ثلّة صالحة وتوعيتها، وبناء نواة من الرجال المخلصين الذين حملوا فكره ونهجه، وعمدوا إلى بثّه في الناس ونشره بينهم.

نستلهم من ذلك المشهد التاريخيّ، ومن حركة الإمام العسكريّ عليه السلام، أنّ أساس المعركة بين أهل الحقّ وأهل الباطل، إنّما تدور في فلك النهج الفكريّ الذي يحمله كلا الطرفين، ولطالما كان نهج أهل الحقّ مدعاة خوفٍ وقلقٍ في قلوب المستكبرين والمستبدّين، حتّى يكاد المرء يقول: إنّها سنّة من السنن الاجتماعيّة الراسخة في حركة التاريخ البشريّ.

وهذا ما نجده اليوم واضحاً وجليّاً، وإن تعدّدت الأساليب والوسائل، حيث إنّ دول الاستكبار العالميّ تجهد في سبيل إضعاف البنية الثقافيّة والفكريّة لدى أبناء المجتمع الإسلاميّ الممانع، بل وتدعم كلّ ما يُسهم في زعزعة الثقة بالمبادئ الأصيلة التي يحملها الناس، وبأدوات مختلفة، من كذبٍ وافتراءٍ وتشويهٍ وتضليل، حتّى وصل الأمر بهم أن يتّخذوا بعض المقدّسات غرضاً يُرمى بسهامهم، ومن ذلك الحجاب، الذي أصبح قضيّة محوريّة في حساباتهم التدميريّة؛ كلّ ذلك بغية خرق المجتمع المحافظ بشكلٍ دراماتيكيّ، أخلاقيّاً ومعنويّاً، فيستطيعون عندها الوصول إلى مآربهم، وهي الحاكميّة على أصعدة شتّى.

هذا يعني أنّ أسس الانتصار في المعركة مع المستكبرين وأهل الباطل، تكمن في مدى تحصين المجتمع ثقافيّاً وفكريّاً، بل إنّ إعداد العدّة عسكريّاً ومادّيّاً إنّما يرتبط بالإعداد والتحصين الفكريّ والثقافيّ، ذلك أنّ رسوخ نهج الحقّ يجعل الإقدام على تحصيل سبل الاقتدار أشدّ وأقوى. وبذلك الإعداد والتحصين، انتصر أهل بيت العصمة عليهم السلام وأتباعهم، وبذلك ننتصر.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع