نهى عبد الله
كان يومنا الرمضانيّ شاقّاً، لكنّه تكلّل بالنجاح. بقيت زيارةٌ أخيرةٌ لصديق الشيخ، الذي قرّر المساهمة في التبرّع لبناء مسجد القرية، وقد دعانا للإفطار في منزله.
عندما وصلنا حيث يسكن، صادفنا جاره في الطبقة نفسها، بادره الشيخ بالسلام والتحيّة، وتبادل حديثاً معه كأنّما يعرفه، وسأله عن أحواله وعن أبنائه. لا أدري ما لاحظه الشيخ في قسمات وجهه، ولم ألحظه أنا!
همس الشيخ في أذني أنّ هذا الجار مكروبٌ ولديه حاجة، سألته هل ثمّة معرفةٌ بينهما، فأشار بالنفي.
استقبلنا صديقُ الشيخ بحفاوةٍ عالية، تسامرا، وتحدّثا عن المسجد، فيما كانت مائدة الإفطار تتجهّز، وفيها ما لذّ وطاب، كانت رائحة الشواء تملأ أنوفنا بعد يوم صيام ومشقّة. نظر الشيخ مليّاً إلى المائدة، وسأل صديقه: "يبدو جارك رجلاً طيّباً، ماذا يعمل؟" فتبيّن أنّ مضيفنا لا يعلم شيئاً عن جاره: "ليس بيننا أكثر من التحيّة، إنّها انشغالات الحياة". خشيتُ ممَّا يُفكّر فيه الشيخ حينها، وصدق توقّعي حين قال: "أعتذر منك، لا يمكنني الإفطار على مائدة تحمل كلّ هذه الأصناف، يكفيني صنفٌ واحدٌ". شعرتُ بالحرج، فما أعدّه مضيفنا يستلزم وقوف الطاهي يومين في المطبخ.
أمام محاولاته اليائسة لثني الشيخ عن الذهاب، ابتسم الشيخ وحمل من فوره طبقين كبيرين من السمك والأرز وقال: "إذاً اسمح لي بالتصرّف على راحتي، ما دمنا أصدقاء، ولا مجاملات بيننا، اختر طبقين وتعال معي"، وأشار لي بذلك أيضاً. خرج قاصداً بيت الجار، سمعته يقول: "هل تسمح لنا بالإفطار معكم؟".
لن أنسى فرحة أطفاله بما حمل الشيخ لهم، فسفرتهم كانت طبقاً صغيراً من الزعتر والزيت، وبعض الخبز.
عرفت حينها ما لاحظه الشيخ(*)، ولم ألحظه أنا.
(*) الشيخ راغب حرب (رضوان الله عليه)، نقلاً عن صديق.