مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

كيف واجه الأسرى.. همجية الصهاينة؟(1) الصبر



علي حيدر


تكامل أدوار، وحدة موقف، تعددية أم تصادم وتضارب
أي من هذه العناوين انطبق وينطبق على سلوك الأسرى داخل المعتقل في مواجهة الهمجية الإسرائيلية؟ سؤال يطرح نفسه بحثاً عن الإجابة.
إن من المداخل الصحيحة للوصول إلى صورة واضحة حول ذلك أو على الأقل إلى الصورة الأقرب إلى الواقع، أن نتناول ما يلي: من المعلوم أن الخطة لا تواجه ولا تنهزم إلاَّ بخطة مضادة خاصة عندما يكون هناك تفاوت وهوة واسعة في موازين القوة والظروف.. كما أنه لكي تخطط جماعة ما لمواجهة وضع معين فإن أدنى شرط لذلك هو أن تجلس هذه الجماعة مع بعضها لتتناول وتتبادل الآراء.. فضلاً عن شروط أخرى. ولكن هذا الشرط لم يكن ممكناً في معتقل الخيام إذ كان هناك ظروف موضوعية تحول دون تحقيق ذلك لأن المعتقلين كانوا موزعين على 5 أقسام، واحد للبنات و4 للشباب، وكل قسم هو في مبنى منفصل تماماً عن المبنى الآخر. وثانياً إن المعتقلين الموجودين في المبنى الواحد موزعون على غرف متعددة ضمن ترتيب معين يختلف من قسم لآخر.. هذا التوزيع بدوره كان له نتائجه السلبية العملية وربما النفسية ذات العلاقة بموضوعنا من جهة ما...

إلا أنه وفي مقابل ذلك فإن وحدة الظروف والمعاناة التي كان يعيشها الأسرى والمعتقلون ووحدة المصير والأخطار المشتركة إلى جانب القاسم المشترك في ما يتعلق بأسباب الاعتقال والعداء لإسرائيل وعملائها فإنه من الطبيعي أن ينتج عن ذلك مواقف موحدة وتكامل أدوار ويتضح ذلك عند تناولنا لتفاصيل المواجهة والحياة داخل المعتقل.
ومن الطبيعي أيضاً أن يؤدي تباين العقول واختلاف الطبائع وتعدد الأفكار.. إلى التعدد في الآراء والتقويم.. وتضارب هنا وهناك.

- مفردات وآلية المواجهة: إن مظاهر ومصاديق خيار المواجهة وإن كانت موزعة... إلا أن هناك ما يضبط حركة ذلك الخيار ويجعلها خطة متكاملة إلى حد ما ومحتضنة من قبل الأسرى وذلك على أرضية العدو والمصير المشترك ووحدة الظروف والموقف ولعل أبرز مفردات هذه الخطة ما يمكن أن نعبر عنه بما يلي:
1- الصبر. 2- الابتكار في مقابل التضييق. 3- مواجهة الشائعات. 4- فضح الأساليب والفخوخ الأمنية. 5- رأب الصدع وتعزيز الوحدة. 6- المواجهة بالكلمة والموقف. 7- نشر أخبار المقاومة الإسلامية (صدى المقاومة الإسلامية في المعتقلات). 8- بث الوعي والتعبئة.

* دور الصبر: إن كل أساليب الانتقام والضغط وكل محاولات الابتزاز مرهونة في تحقيق نتائجها بشروط ومزايا ميدانها نفس الأسير، وإن افتراض تحقيق إنجازات أو اتخاذ مواقف وتجلي مصاديق الصلابة من قبل الأسرى والمعتقلين وإن بشكل نسبي ومتفاوت مرهون أيضاً وقبل كل شيء بمزايا وصفات جوهرها وعمادها ومقدمتها الصبر.
- فالصبر.. ثم الحؤول بين الإسرائيليين وبين بعض أو أغلب أو كل ما أرادوا الحصول عليه في غرف التحقيق مع تفاوت واختلاف.
- وبالصبر ثبت الأسير المعتقل على ولائه وانتمائه والسياط تهوي فوق رأسه والأيدي مكبلة والأعين معصوبة والدماء تسيل من جنباته والخنادق محفورة في ظهره.. فانتصرت في ذلك الموقف إرادة الجهاد والمقاومة.
- وبالصبر الذي تجلى إرادة وعزيمة آثر جائع في زمن الجوع أخاه على نفسه.. فتجلت صورة من الإيثار في أبهى صورة..
- وبالصبر الذي تجلى إرادة وعزيمة آثر جائع في زمن الجوع أخاه على نفسه.. فتجلت صورة من الإيثار في أبهى صورة.
- وبالصبر أصرّ الأسرى على انتهاج الخيار الصعب وإن كلفهم سنين من الألم والحرمان والعذاب، ولم ينتهجوا الخيار الذي يوهم بالطمأنينة والأمن فأضحى الصبر عدو الجلادين وخصمهم العنيد يبحثون عنه ويفتشون عن أسبابه ويرصدون جذوره علّهم ينالون منه ولكن هيهات.. وبذلك أصبح الصبر طرفاً في المعادلة وسلاحاً في المواجهة وعنواناً للساحة.
مصاديق لانتصار الصبر: تجلى انتصار الصبر في ساحة الصراع بمصاديق كثيرة وكثيرة.. نذكر منها غيضاً من فيض..
- عندما اتخذ الإسرائيليون قراراً بمعاقبة كل المعتقلين بأن يقف الجميع مرفوعي الأيدي لفترة قد تصل إلى ساعات وذلك كلما صدر صوت من أي أسير أياً كان ذلك الصوت أو أن يخبر الأسرى الإسرائيليين باسم الشخص الذي تكلم، وغالباً ما يكون العقاب ليلاً، ولكن الموقف كان القبول بالخيار المر على أن يخبروهم باسم أخ لهم تكلم أو قام بعمل ما...
- وفي أيام الجوع الشديد المؤلم المؤذي المتواصل كان بإمكان أي أسير أن يتجنب ذلك الجوع المذكور بأساليب هي في متناول الأيدي ولكنها على حساب المبدأ والعقيدة إلا أن الأكثرية الساحقة اختارت خيار الجوع عمداً على الخيار الآخر.
وهناك نوع آخر من الصبر لأنه يوجد فرق بين أن يصبر إنسان على أمر مفروض عليه وبين أن يصبر على نتيجة أفعال اختارها بنفسه. مع قدرته على الامتناع ومعرفته المسبقة بمخاطرها ونتائجها... وقد تجلى ذلك في ميادين كثيرة.
- تحريض العملاء على ترك العمالة مع أنه كان يسبب عذاباً ومعاناة مع معرفة مسبقة بذلك وبعون الصبر كان القرار بالسير في هذا النهج.
- وتجلى ذلك في تحدي الإجراءات التي كانت تمنع عنا أبسط الأمور... مع معرفة مسبقة بأن ذلك قد يسبّب معاناة وآلاماً وبعون الصبر كان القرار بالسير في هذا النهج.
- وتجلى ذلك أيضاً في إعلان وإبراز التمسك بالولاء (بشكل حكيم في الغالب) مع القدرة على إخفاء التمسك بالولاء ومع معرفة أن ذلك يسبّب آلاماً وقد سبب ذلك وبعون الصبر كان القرار بالإصرار على هذا الموقف.

عوامل الثبات: إن الحديث عن مقومات الصبر وعوامل تعزيره لدى الأسرى يختلف في طبيعته عن الكلام عن دور الصبر ومصاديقه إذ أن الأخير هو حديث عن مظاهر ظاهرة للعيان بذاتها بينما الأول في جانب منه على الأقل هو حديث عن حالة وتفاعل في أعماق النفس إذ أنه- في المطلق- من الناس من يترك الدنيا من أجل الدنيا ومن الناس من يترك الدنيا من أجل الآخرة ولذا فإن هناك من يصبر للدنيا ومنهم من يصبر للآخرة وحديثنا هنا هو عن الفئة الثانية..
- إن سمو الدافع وترسخ وتجذر الشعور بالمسؤولية تجاه الدين والأمة ابتغاء رضوان من الله أكبر وجنة عرضها السماوات والأرض هو الذي جعل الأسير يختار طريق الجهاد والمقاومة مع معرفته مسبقاً أن إحدى الاحتمالات التي قد يتعرض لها هو الأسر وهو أيضاً نفس السبب الذي دفع ويدفع الأسير على الصبر إزاء ما واجهه ويواجهه من همجية ووحشية صهيونية مباشرة أو عبر العملاء..
ونجد أن هذا المحتوى الداخلي قد تمظهر في التوجه نحو الله والمداومة على إقامة مراسم الأدعية بشكل جماعي.. تلاوة القرآن وحفظه وغير ذلك من الأمور ضمن هذا الإطار... وهذا أمّن الانفتاح على قنوات الاتصال بمصدر الإلهام واللطف.

وإن اتخاذ وضع الهجوم والعمل على إلغاء وإزالة كل مظاهر الانحراف أو ما قد يسبب الوهن وتحريك الشهوات قد حصّن النفوس وشدّ من عزيمتها.. بالإضافة إلى أن صدى عمليات المقاومة الإسلامية وصدى استشهاد المجاهدين.. قادة وقاعدة رفع من المعنويات وبعث الأمل والانتعاش في النفوس فأشعرها بالعزة والقوة والمنعة وأخرج التفكير والاهتمامات من الدوائر الضيقة والقابعة في الزنارين إلى ساحة الحياة فتحولت لتك البطولات إلى مادة دائمة للأحاديث الأمر الذي عكس ما كان يختلج في النفوس إثر وصول أنباء تلك العمليات لأن من يعيش الهم والغم والضيق لا بد أن ينعكس ذلك في أقواله وأفعاله ومن يكون قلبه منفتحاً على قضايا الأمة وهو بين الجدران الأربعة وداخل السور المحصنة.. فإن ذلك سوف ينعكس أيضاً على الأقوال والأفعال فتترجم كل ذلك عزيمة وإرادة وإصرار وصبراً..


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع