نهى عبد الله
"لمَ عليهم جميعاً أن يتفقوا على الأمر نفسه؟ الدعوى نفسها؟"، كان يكرر هذا السؤال على نفسه، كلّما فكّر في الأمر. "كانوا أربعة رجال تناوبوا على الوكالة له، لديهم التصريحات نفسها، التعبير نفسه، الدقّة نفسها، والسلوك المتواضع نفسه مع الناس، يتعاملون كأمناء على وديعة ولا يتدخلون بشيء حتى يأتيهم الإذن منه، وكلٌّ منهم أبلغ عن وجود تاليه، كأنّما الأربعة كانوا رجلاً واحداً توزّع على مدار أكثر من سبعين عاماً". وما زال سؤاله يلّح عليه أكثر: "لماذا لم يدّعِ أحدهم أنّه المنتظر؟! مالذي منعهم؟!"
لم ينهِ كتابة مداخلته في ندوة عن "منشأ عقيدة المخلص"، التي أراد انتقادها. أربكته حيرته، ماذا لو انتقده أحد الحضور على هذا السؤال؟! سيطيح بكل مداخلته، بل ربما سيطيح باعتقاده أيضاً.
"لماذا لم يدّعِها أحدهم رغم كل نفوذهم حينها؟". أخذ ينبش المصادر في مكتبته، وضع أمامه الرسائل التي رووا أنّهم مكلّفون بإبلاغها للمؤمنين به، لم يجد ثغرة يعتمد عليها. قاطعه رنين هاتفه، كان صديقه: "هل أنهيت عملك؟"، لم يجبه، بل بادره بسؤال: "هل يمكن لأربعة رجال أن يتفقوا على حراسة جوهرة ثمينة بحرص، دون أن يفكر أحدهم أن يأخذها لنفسه؟ مع العلم أنّ لكلّ واحد منهم فرصته الكاملة؟". صمت صديقه لحظات، ثمّ أجابه: "إذا كانوا يعتقدون أنّ الجوهرة ثمينة فعلاً، لا، إلّا في حالة واحدة؛ أن يكون الأربعة أمناء فعلاً".
ربما نعتقد أنّ وجود النواب الأربعة للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وثيقة تاريخية فقط، في حين أنّهم يمثلون ذلك وأكثر، فنسبة الفضل إلى أهله، عند وجود الفرصة الكاملة على العكس، دليل صدق القضية كلّها.
جعلنا الله من المؤمنين بظهوره، وعجّل له الفرج.