مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

سيرٌ في وصية الإمام لابنه السيد أحمد: الصداقة

 


من الأمور التي أود أن أوصيك بها - وأنا على عتبة الموت، أصعّد الأنفاس الأخيرة - أن تحرص، ما دمت متمتعاً بنعمة الشباب، على دقة اختيار من تعاشر وتصاحب، فليكن انتخابك للأصحاب من بين أولئك الصالحين والمتدينين والمهتمين بالأمور المعنوية، ممن لا تغرّهم زخارف الدنيا ولا يتعلقون بها ولا يسعون في جمع المال وتحقيق الآمال أكثر مما هو متعارف أو أكثر من حد الكفاية، ومن لا تلوّث الذنوب مجالسهم ومحافلهم، ومن ذوي الأخلاق الكريمة، فإن تأثير المعاشرة على الطرفين من إصلاح وإفساد أمر لا شك في وقوعه.

واسعَ أن تتجنب المجالس التي توقع الإنسان في الغفلة عن ذكر الله، فإن ارتياد مثل هذه المجالس قد يؤدي إلى سلب الإنسان التوفيق، الأمر الذي يعد - بحد ذاته - خسارة لا يمكن جبرانها.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "عليكم بالإخوان، فإنهم عدة في الدنيا والآخرة، ألم تسمع لقول أهل النار، فما لنا من شفيع ولا صديق حميم".

خلق الله الإنسان، واهبطه إلى الأرض واضطره إلى الحياة الاجتماعية. وكل ذلك ابتلاءً له ليرى أيهم أحسن عملاً، ففي العلاقات الإنسانية المتبادلة والمواجهات السلبية والإيجابية بين البشر تظهر معادنهم. ولعل في الحديث الشريف المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تنظروا إلى كثرة ركوع المرء وسجوده فلعلها عادة اعتادها ويشق عليه تركها، ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأدائه الأمانة" إشارة إلى هذه النقطة بالذات، ففي هذا الحديث يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المعايير الحقيقية لتقويم الناس، وهي معايير ترتبط بشكل واضح بالعلاقات الإنسانية. المؤمن الواقعي هو الذي يتجلى إيمانه بصورة العدالة والإحسان. وذلك لأن الإيمان الذي ينبع من إدراك الصفات المطلقة لله سبحانه، يجعل الإنسان متحسساً لمظاهر هذه الصفات ومراتبها الدانية، التي تكون موجودة في الناس، كما أن انجذاب الإنسان إلى الكمال الحقيقي، يجعله منجذباً إلى كل تجلياته.

وعليه، فإنه من غير الممكن أن يقيم الإنسان رابطة معنوية قوية بالسر في الوقت الذي تكون نظرته وتعامله مع الناس سيئاً ومنحرفاً. ولهذا ورد في الحديث النبوي الشريف: "كلما ازداد المرء إيماناً ازداد مداراة للناس". هذا أولاً على مستوى دور العشرة وعلاقتها بالإيمان. أما النقطة الأخرى التي يجب الالتفات إليها وهي مورد حديث الإمام (قدس سره) فهي المتعلقة بآثار العشرة أو العلاقات الإنسانية.

لا يخفي على كل عاقل مدرك أن وجود كل الكائنات المحيطة بالإنسان له علاقة مباشرة بتكامله. أو فقل إن كل ما يحيط بالإنسان إنما كان لتيسير سبيل الوصول إلى سعادته. ولا يوجد موجود في هذا العالم إلا وله تأثير إيجابي في هذا المجال، سواء شاء أم أبى، ويتنوع تأثير الموجودات، ولكن أشدها تأثيراً هو النوع الإنساني، وذلك لسعة وجوده وعمقه.
أما ما مدى هذا التأثير؟ فيكفي أن نلقي نظرة سريعة على حياة البشر حتى نطلع على عمقه وشدته. فإنه يصل إلى حد جر الإنسان إلى سوء العاقبة والعذاب الأبدي، أو أنه يكون سبباً في نجاة الإنسان وسعادته المطلقة.

هذا مع العلم بأن كل فرد مسؤول بشكل كامل عن تقبل هذا التأثير أو ذاك. ولا يمكن أن يفرض عليه الأثر السلبي للعشرة إذا لم يشأ.
إننا مهما بحثنا لن نجد شيئاً بقوة تأثير الإنسان على الإنسان. ولهذا نعلم لماذا تتوقف البعثة على وجود شخص مرسل. ولم يُكتفَ بإرسال الكتب إلى الناس. فإن من أهم أهداف الرسالات الإلهية صناعة الإنسان الكامل وفق برنامج رباني. وحيث أن الناس الذين يرسل إليهم الأنبياء في الأغلب يكونون غارقين في مستنقع الشهوات ولجة الضلالات، فلا بد لأجل حدوث التغيير من مؤثر قوي بمستوى صدمة شاملة تهز الأعماق وتنتشل الغارقين إلى عالم المعاني والقيم السامية. فمن يقدر على ذلك.

إنه الإنسان الكامل والنعمة الكبرى والحجة العظمى الذي يحدث تلك التموجات العالية التي تدخل إلى عمق باطن الإنسان وتجذبه إلى مقامه.
وفي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "واطلب مؤاخاة الأتقياء، ولو في ظلمات الأرض وإن أفنيت عمرك في طببهم فإن الله عز وجل لم يخلق على وجه الأرض أفضل منهم بعد النبيين والأولياء، وما أنعم الله على عبد بمثل ما أنعم به من التوفيق بصحبتهم".

قال العارف الشهيد عبد الصمد الهمداني في بحر المعارف: "وأما صحبة أهل المعرفة فنعم الرفيق الشفيق. لأن مثل نفس العارف كمثل البيت، ومثل قلبه مثل القنديل دهنه من اليقين وماؤه من الصدق وفتيله من الإخلاص، وزجاجته من الرضا وعلائقه من العقل. فالخوف نار في نور، والرجاء نور في نار، والمعرفة نور على نور والمحبة نور من نور، والشوق نور من نور، والقنديل معلق بباب الكوة. فإذا فتح العارف فاه بالحكمة التي في قلبه هاج في كوة فمه من الأنوار التي في قلبه فيقع ضياؤه على قلوب أهل النور حتى يتعلق النور بالنور".
وعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "عليكم بالصديق فإنه يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة".
وعنه أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم: "من أراد الله به خيراً رزقه خليلاً صالحاً، إنْ نسي ذكره، وإن ذكر أعانه".
وفي الحديث القدسي: "أوجبت محبتي للمتحابين فيّ، وأوجبت محبتي للمتواصلين فيّ".

وقال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "أكثر من الإخوان، فإن ربّك حيي كريم يستحي أن يعذب يوم القيامة (أحداً) بين أخوانه".
وفي مدرسة السير والسلوك يستفيد بعض أهل الله من الحديث المشهور: "الرفيق قبل الطريق، مطلباً سلوكياً حيث يشترطون الرفيق المعنوي قبل البدء في السلوك العملي. وهناك مواصفات أساسية ينبغي أن يتمتع بها هذا الرفيق حتى يكون صديقاً. فعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "الصداقة محدودة، ومن لم تكن فيه تلك الحدود، فلا تنسبه إلى شي‏ء من الصداقة، أولها أن تكحون سريرته وعلانيته واحدة، والثانية أن يرى زينك زينه وشينك شينه، والثالثة أن لا يغيره عنك مال ولا ولاية، الرابعة أن لا يمنعك شيئاً مما يصل إليه مقدرته، والخامسة أن لا يسلمك عند النائبات".
وعنه عليه السلام قال: "إذا وددت أحداً بجربه حتى كم له من حرمة الله والحياء منه، فإن كان عارفاً بحرمة الله واليحاء منه فاصحبه، وإلا فسرّحه فإنك لست أكرم عليه من الله".

ولنرجع إلى الشروط التي ذكرها إمامنا الراحل صلى الله عليه وآله وسلم؛ فهي:
1 - أن يكون صالحاً.
2 - متديناً.
3 - مهتماً بالأمور المعنوية.
4 - لا تغره زخارف الدنيا.
5 - ولا يتعلق بها.
6 - لا يسعى لجمع المال.
7 - ولا تحقيق الآمال أكثر من حد الكفاية.
8 - لا تلوث الذنوب مجالسه.
9 - من ذوي الأخلاق الكريمة.
وإذا توقفنا قليلاً عند الشرط الثالث، وهو الاهتمام بالأمور المعنوية، وحاولنا أن نفكر فيه، فإنه سيهدينا إلى خير كثير، ويكون باباً إلى الهداية، رزقنا الله وإياكم.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع