مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

من وصية الإمام لابنه السيد أحمد: التمسك بالثقل الأكبر

السيد عباس نور الدين


بني، تعرف إلى القرآن ـ كتاب المعرفة العظيم ـ ولو بمجرد قراءته. وشق منه طريقاً إلى المحبوب، ولا تتوهمن أن القراءة من غير معرفة لا أثر لها. فهذه وساوس الشيطان. وهذا الكتاب كتاب من المحبوب إليك وإلى الجميع، وكتاب المحبوب محبوب، وإن كان العاشق المحب لا يدرك معنى ما كتب فيه. وقد جاء إليك هادفاً خلق هذا الأمر لديك وهو حب المحبوب الذي يمثل غاية المرام فلعله يأخذ بيدك.

روي عن أمير المؤمنين ومولى المتقين عليه السلام أنه قال: "الحكمة بحر والعلم نهر، والعلماء حول النهر يطوفون والحكماء في البحر يغوصون، والعارفون في سفن النجاة يسيرون". للمعرفة في المدرسة الإلهية معنى يختلف. عن جميع المعاني الموضوعة لها في المدارس الأخرى. فهي الكمال النهائي للإنسان، والغاية القصوى من إيجاد هذا العالم، وسبب إرسال الرسالات وبعث النبوات. قال الله تعالى:  ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾.

وفي الحديث القدسي إن الله تعالى يقول: "كنت كنزاً مخفياً، قأحببت أن أُعرف، فخلقت الخلق لكي أُعرف". وعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله تعالى ما مدوا أعينهم إلى ما متع الله به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها. وكانت دنياهم أقل عندهم مما يطؤونه بأرجلهم، ولنعموا بمعرفة الله تعالى وتلذذوا بها تلذذ من لم يزل في روضات الجنات مع أولياء الله. إن معرفة الله عزَّ وجلَّ أنس من كل وحشة، وصاحب من كل وحدة، ونور من كل ظلمة وقوة من كل ضعف وشفاء من كل سقم".
والقرآن الكريم يمثل هذه المعرفة في أعلى درجاتها ومراتبها. وإذا كانت المعرفة الحقيقية منحصرة بمعرفة الرب سبحانه، بمعنى معرفة تجليات ذاته المقدسة، فالقرآن يتضمن أسمى آياته وأعلى تجلياته، وإذا كان الوجود مظهر أسمائه، فالقرآن اسمه الأعظم، ولهذا فهو غاية آمال العارفين، وتحقق الإنسان الكامل الأكمل.
وليست المعرفة عند العارفين انتقاش صورة في الخيال أو إدراك القواعد في الإجمال. بل هي ذلك الشهود المقرون بالحياة، والكمال الذي لا حد له ولا منتهى.
هذا هو القرآن الكريم الذي قال رسوله الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه "إنه الغنى الذي لا فقر بعده".
يوصي الإمام المقدس ابنه بالتعرف إلى القرآن، مبيناً له طريق المعرفة، مشيراً إلى موانعها، مع ذكر الغاية منها.

وأن الحد الأدنى من العمل على هذا الطريق هو القراءة، وقد تقول إننا نرى أكثر الناس يقرؤون القرآن ولكنهم لم يصلوا إلى ما يعد به الإمام؟! والحق أن الإمام قد ذكر شرطاً خفياً لتحقق الغاية، وهو الإقبال على قراءة القرآن بنية شق الطريق إلى المحبوب والتوجه إليه سبحانه، وهذا ما يتطلب إدراك الغاية من إنزاله والثقة الدائمة بتحقق مواعيده.
قراءة القرآن بهذا الشرط هي مداومة النظر في سبحات وجه المحبوب الذي تجلى في كتابه، ولأنه الجميل المطلق، فسيظهر للقارئ كل حين في مشهد من مشاهد الجمال كما أشير في الحديث الشريف من أن قارئ القرآن لا يقوم عنه إلا بزيادة في حسنات أو نقصان سيئات. وعلى أثر المواظبة على الزيادة من خلال القراءة وتكرار حصول التجليات الجمالية يصل القارئ إلى الجذبة التامة التي تفنيه في المعشوق حيث غاية المرام.
الوصول إلى حب المحبوب هو غاية المرام. أي أن المحبة هي المقام الأعلى الذي ينشده السالك. وفيه يتحقق الوصال والقرب ويتخلّع المحبوب بخلع الكرامة من محبوبه.
إلا أن إبليس يقف على الصراط ويصد عن السبيل، ولن يترك هذا الإنسان حتى يسقطه في أسفل سافلين. ومن جملة وساوسه أن يلقي إلى قارئ القرآن أن مجرد قراءة القرآن لا يحصل منها أي أثر لأن المهم هو المعنى والفهم. وحيث أن هذا القارئ المسكين لا حظّ له من المعاني ولا قدرة له على الرجوع إلى التفاسير، فإنه ييأس من نيل أية فائدة من القراءة ويقطع المل من حصول الأثر فيترك القرآن ويجعله مهجوراً. ويكون إبليس عدو الإنسانية قد حقق هدفه وجعل الإنسان محروماً من أعظم النعم الإلهية التي لا حصر لها ولا إحصاء.

يقول الإمام:
"واعلم أننا لو أنفقنا أعمارنا بتمامها في سجدة شكر واحدة على أن القرآن كتابنا، لما وفينا هذه النعمة حقها من الشكر".

كل نعمة محدودة يمكن شكرها، أما النعمة التي لا تحصى، فإن العمل المحدود بالعمر والأجل ـ مهما طال ـ لا يمكن أن يشكرها. فالأفضل أن يعترف المرء بالعجز عن الشكر، وبهذا يكون شاكراً حقاً.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع