لم يكن شهيد الإسلام الكبير السيد محمد باقر الصدر استثنائياً في جانب فكره الوقاد فحسب، بل كان رجلاً استثنائياً في مختلف جوانب حياته... إنه المرجع الاستثنائي الذي وجد فيه الشباب طموحهم الكبير حيث عالج المسائل الفقهية بروح الإسلام الشامل لكل العصور... وهو العالم الاستثنائي الذي لم يرض أن يكون علمه مجرد كتب ومحاضرات تعطى لطلاب الحوزات... بل لا بد من نزول الفكر ليقود الأمة الإسلامية إلى خلاصها..
.. وهو المجاهد الاستثنائي الذي لا يرى لأزيز الرصاص.. ولا لأعواد المشانق أي أثر لإيقاف العمل الجهادي... بل إن ذلك يزيد من العزيمة للوصول إلى شاطئ الأمان..
... لقد اجتمعت في هذا الإنسان تلك المزايا التي تجعل منه قائداً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وكانت مجريات الأمور في شرقنا الإسلامي يبدو وكأنها تسير إلى ذلك... ومن كان يتابع وضع الحركات الإسلامية آنذاك يدرك وبسهولة أن القائد لهذه الأمة هو نفس صاحب هذه الصفات القيادية.
وفي عالم الغيب خرج ذلك الرجل الذي أذهل دوائر الاستكبار العالمي.. الإمام الخميني المقدس.. خرج يحمل بيده كل أدوات التغيير..
ويلتفت السيد الصدر.. ويأبى إلا أن يكون استثنائياً أيضاً.. فلا يقول كلمات المجاملة، وإنما الكلمات التي تفوح منها رائحة الولاية.. والشهادة "ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام"... وكان هو أول الذائبين في هذا الشخص وهذا النهج.. ويبقى السيد الشهيد استثنائياً حتى في قيادته...
أن تشعر أنك تتخلى عن شيء من ذاتك.. فهذا عطاء.. أما أن تتخلى عن كل ذاتك.. فهذا قمة العطاء.. إنه الاستثناء وليس ذلك فكراً.. ولا معلومات متناثرة.. إنه نتاج الإخلاص الذي يجعل العلم سبيلاً إلى الله.
أما العلم الذي لا يقارنه اخلاص فهو سبيل إلى الناس.. وقد يتشابه هذان العلمان في الظاهر.. ولكن شتان بين علم يعرفك بالله فتدخل به إلى الجنة.. وبين علم تحول إلى حجاب بينك وبين الله فلا ينظر الله إليك في ذلك اليوم.. إنه من أولئك الذين ينطبق عليهم قول أمير المؤمنين عليه السلام:
"أولئك ـ والله ـ الأقلون عدداً، والأعظمون عند الله قدراً، يحفظ الله بهم حججه وبيناته حتى يودعوها نظراءهم، ويزرعوها في قلوب اشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استعوره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى، أولئك خلفاء الله في أرضه، والدعاة إلى دينه، آهٍ آهٍ شوقاً إلى رؤيتهم".
.. هنيئاً لتلك النفس الطيبة التي توجت عطاءها بأعظم العطاء.. وطوبى لشهيدنا الكبير بذلك البذل الذي امتزج فيه مداد العلماء.. بدماء الشهداء.. ولا يلقاها إلا ذو حظ عظيم.
والسلام