بسم الله الرحمن الرحيم
إن سرّ النجاح في تحقيق الأهداف الكبرى يكمن في هذه المتابعة والاهتمام المتواصل، وهذا درس كبير نتعلمه من مناجاة لمولى المتقين عليه السلام يقول فيها "وهب لي الجدّ في خشيتك والدوام في الاتصال بخدمتك".
إن الصلاة تمثل أعظم الفرائض ـ في الميدان الأبدي للبحث عن الحقيقة والذي فُرض على الإنسان بل جُبل عليه ـ وأكثرها تأثيراً، ولعل البعض تعرّف إلى هذه الخصوصية من خلال الجهد الفردي نحو الكمال فقط ولم يسمع بدورها في ميدان الجهاد الجماعي لمواجهة القوى الدنيوية لذا يجب أن نعرف أن الرجولة والثبات في المواجهات المختلفة مرتبطة بكون القلوب والإرادات مليئة بالصفاء والتوكل والثقة بالنفس والأمل بحسن العاقبة.
إن الصلاة تمثّل النبع الفوّار الذي يفيض بكل هذه وفيوضات كثيرة أخرى على قلب وروح المصلّي وتصنع منه إنساناً نقياً متفائلاً ثابت الإرادة والعزم.
وما جاء في القرآن بأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ووصف على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنها معراج المؤمن وقربان كل تقي، وفي كلمة واحدة أنها عمود الدين ووصفها الرسول بأنها "قرة عيني" يجب أن يحثنا على التأمل والتعمّق في فهم عظمة الصلاة.
طبعاً، يجدر بنا أن نعلم أن الصلاة لا تعني التفوّه ببعض الكلمات وأداء بعض الحركات، فلا تترتب كل هذه الفيوضات والبركات على إيجاد أمواج صوتية وأعمال بدنية دون أن تبعث في هذا البدن روح الذكر والتوجّه ـ وأن يتمّ بها إسقاط التكليف على الأقل ـ فروح الصلاة هي ذكر الله والخشوع والحضور أمامه، وهذه الكلمات والأفعال التي فرضت على المكلّف بالتعليم الإلهي أفضل إطار لروحه وأقرب الطرق لوصوله إلى المحل المقصود.
فصلاة بلا ذكر وحضور، كبدن بلا روح، وإطلاق لفظ الصلاة عليها وإن لم يكن على سبيل المجاز لكن لا ينبغي أن يرتجى منها أثر وخاصية الصلاة أيضاً.
وقد ورد الحديث عن هذه الحقيقة في الآثار الدينية بعنوان "قبول الصلاة" وهكذا ورد أنه ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾...
إن هذه الصلاة موهبة ليس لها بديل ومنبع فيض لا يزول، نستثمرها لإصلاح أنفسنا أوّلاً ومن نحبّ ثانياً، وهي بوابة مفتوحة إلى جنة واسعة يسودها الصفاء، وإنه لمن المؤسف أن يقضي الإنسان عمره بجوار هذه الجنة ولا يحاول أن يزورها أو يدعو أحبّاءه إليها، فقد أبلغ الوحي النبي العظيم صلى الله عليه وآله وسلم ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾. واليوم اعتبروا هذا الخطاب موجّه إليكم وقدّروا أهمية الصلاة هذه الحقيقة المقدسة والدرّ الساطع الذي هو هبة إلهية لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم. ولكل منكم سهمه الخاص إزاء هذه الوظيفة.
فعلى الآباء والأمهات هداية الأبناء بالقول والعمل نحو الصلاة.
وعلى المعلّمين إرشاد طلاب المدارس والجامعات نحو هذه الحقيقة الساطعة.
وعلى الفضلاء والعلماء وأئمة الجماعة المحترمين في المراكز التعليمية والأقسام الداخلية للطلبة اغتنام الفرصة لتربية الجيل الجديد.
وعلى مؤلفي الكتب الدراسية إدراج أسرار ودروس الصلاة في الكتب الدراسية.
وعلى الفنانين الأعزاء الخوض بفنونهم في هذا الأمر الجدير وذلك بلسان الشعر والقصة والرسم وما شابه وبإبداعهم للآثار الفنية الجيدة بل الممتازة.
وعلى المعلّمين والمدراء في المدارس والمسؤولين في جميع المراكز الحضور في صفوف الصلاة لتشجيع المصلين عليها، ويجب أداء الصلاة في وقتها في الاجتماعات العلمية والثقافية والتعليمية والتبليغية كمصدر إلهام للصدق والهداية.
وعلى الكتّاب وخطباء الإسلام الكتابة والتحدّث عن الصلاة وذكر مفهومها وفلسفتها وأهدافها وآثارها وبركاتها وأحكامها.
وعلى الناس إحياء المساجد بحضورهم في صلوات الجماعة التي هي أفضل كيفية لأداء الصلاة، وعليهم بناء المساجد في الأماكن العامة التي يجتمع فيها الناس عادة كالمطارات ومحطات القطار والموانئ ومحطات سيارات النقل العام والدوائر الحكومية والمتنزهات وأمثالها، وعلاوة على كل هذا، على الناس اعتبار كل أرض طاهرة ومناسبة مسجداً عند دخول الوقت والصلاة فيها، وهذه وظيفة كل طبقات الشعب فيجب على الجميع أن يعملوا بدورهم لتعميم هذه الفريضة الجماعية، وفي هذه الحالة يكون مجتمعنا الإسلامي الذي استطاع إقامة الصلاة مصداقاً للآية الكريمة ﴿ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور﴾ صدق الله العلي العظيم.
أسأل الله أن يوفق الجميع لأداء هذه الفريضة الإلهية بالصورة الصحيحة.