مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

علوم: أي تقلبات مناخية سيشهدها العالم؟



الأرض بين مطرقة "التسخين" وسندان "النينو"


بعد أن هدأت عاصفة الحروب الباردة أضحى العالم يواجه حاضراً ومستقبلاً، خطراً جديداً ساهمت المدنية الحديثة والتطورات الصناعية الهائلة في إيجاده، وهو ناجم عن التلوث الصناعي والتغيرات المناخية والتقلبات الجوية التي بدأت تشدد الخناق على الكرة الأرضية إلى درجة أضحى العالم فريسة تعتصرها عوامل طبيعية شاذة متمثلة بالتسخين العالمي وظاهرة "النينو".

قبل ملايين السنين كانت القارة الأفريقية وقارة أميركا اللاتينية متصلتين معاً بصورة تتيح للإنسان التنقل براً بينهما لو كانت الوسائل متوفرة وكان ذلك ينطبق أيضاً على شبه جزيرة ألاسكا في أقصى شمال غرب أميركا الشمالية وسيبيريا في شرقي القارة الآسيوية، فقد كانت أميركا الشمالية متصلة بقارة آسيا أيضاً، أما القطب الشمالي فكان قبل ملايين السنين يقع إلى الجنوب بمئات الكيلومترات في المنطقة التي تقوم عليها مدينة شيكاغو اليوم.

والسبب في هذه التغييرات التي حدثت مع مرور ملايين السنين هو "الانجراف القاري"، الذي لا يؤثر في شكل الأرض فحسب، بل في المناخ أيضاً، فحتى قبيلة "شيكاغو" الهندية (التي أعطت اسمها للمدينة) ما كانت تستطيع في الموقع الذي تقوم فيه المدينة قبل ملايين السنين لأن القطب الشمالي كان آنذاك في تلك المنطقة. إضافة إلى الانجراف القاري الذي يؤثر في المناخ فإن هناك عوامل أخرى تؤثر فيه كالأعاصير والرياح البحرية، ثم الإنسان.
والحديث عن تعاظم عدد سكان العالم هذه الأيام، وعن أن موارد العالم تنضب بسرعة ولا تكفي البلايين الستة التي يعيشون فيه (أي العالم) هو حديث خاطئ ومضلل إذ أن في وسع عالمنا اليوم أن ينتج من المواد الغذائية ما يكفي لأكثر من عشرين مليار سنة لو كان هناك تركيز على إنتاج المواد الغذائية الضرورية من الزراعة وتربية المواشي فقط، لكن المشكلة أن نصف سكان العالم تقريباً يعيشون حياة بذخ ويستخدمون السيارات في تنقلاتهم (في لبنان مثلاً سيارة لكل شخصين) ويستهلكون الوقود والطاقة بينهم، ويعملون في المصانع، ويحرقون الغابات الطبيعية من دون أي وازع. لهذه الأسباب يمكننا القول أن العالم مكتظ بالسكان إلى درجة كبيرة ولهذه الأسباب رأينا أخيراً في أندونيسيا سحباً من الدخان الممزوج بالضباب، امتدت ألف كيلومتر في تشرين الأول الماضي ولهذه الأسباب أيضاً تغطي سحب الدخان والغيوم الملوثة كيلومتراً بين تاهيتي عاصمة تايوان ومدينة تياسونغ، مثلما تغطي أيضاً سحب الدخان وذرات الضباب الملوث من الغازات المنبعثة من مظاهر التلوث البيئي أجواء عاصمتنا بيروت الكبرى ولنفس الأسباب تغطي 40 كيلومتراً من سحب الدخان أجواء منطقة لوس انجلوس.

هذه المظاهر هي التي يُطلق عليها العلماء اليوم "التسخين العالمي" ومعنى ذلك ببساطة أن المناخ العالمي يزيد سخونة وسيأتي اليوم الذي يزداد فيه هذا المناخ برودة مثلما حدث في العصر الجليدي، ولعل أفضل مثال على خطورة هذه الظاهرة أن الصحراء الكبرى في أفريقيا كانت قبل ستة آلاف سنة مغطاة بالسهوب العشبية الخضراء، لكنها تحولت صحراء جافة خلال أقل من ثلاثة آلاف سنة وخلال الثلاثة آلاف سنة الأخيرة بدأت الصحراء تنتشر ويتسع نطاقها حتى أصبحت ظاهرة التصحر مشكلة خطيرة إذ أن الصحراء الكبرى تزحف على جنوب موريتانيا وشمال السنغال على حدود الدول الأخرى في المنطقة بمعدل ثماني كيلومترات كل سنة.

ولو عدنا إلى الوراء لوجدنا أن انحسار العصر الجليدي عن أوروبا وآسيا هو الذي ساعد الإنسان القديم على عبور مضيق جبل طارق إلى أوروبا والاستقرار فيها للمرة الأولى في التاريخ، وكانت بداية العصر الجليدي قبل الانحسار هي التي أجبرت العديد من الحيوانات مثل الجمال، على الانتقال من موطنها الأصلي في أميركا الشمالية جنوباً إلى أواسط آسيا ثم إلى شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا فيما توجهت حيوانات أخرى مثل اللاما إلى أميركا الجنوبية.

* مؤتمر دولي للحد من "التسخين العالمي":
وقد رأى ممثلو الدول الذين شاركوا في المؤتمر الدولي للحد من "التسخين العالمي" الذي انعقد مؤخراً في الأول من كانون الأول في اليابان، فقد رأوا أثر التسخين على الجبال الجليدية التي أخذت تذوب في شمال كندا، وصوراً وأفلاماً أخرى عن انتشار الأمراض الاستوائية وغيرها من الأمراض التي اكتسبت مناعة ضد المضادات الحيوية، ومرض فقدان المناعة المكتسبة (الايدز) وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات بسبب الانهيارات الجليدية وذوبان الجبال الجليدية نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، وما إلى ذلك من الآثار التي ترتبت على التسخين الحراري البيئي، ومن الحقائق الأخرى أن العديد من الموانئ العالمية ستواجه مخاطر محتومة فمع أن المدن التي تقوم فيها تلك الموانئ مثل نيويورك وبناما وشنغهاي ويوكوهاما ومرسيليا والظهران وبيروت وبور سعيد والعقبة وغيرها ستصمد في وجه ارتفاعات منسوب المياه وآثار التسخين الحراري الاصطناعي، فإن الموانئ نفسها ستواجه خطر الانغمار تحت المياه ومن المرجح أن يأتي زمن تصبح فيه مدينة كلكتا في الهند (12 مليون نسمة) تحت سطح المياه. وهناك الآن أمثلة حقيقية على ما تنطوي عليه تلك المخاطر إذ أن المنارة البحرية التي بناها الأميركيون على المحيط الأطلسي في القرن التاسع عشر كانت ترتفع أكثر من مئة متر آنذاك وكانت تقف شامخة مطلة على الأطلسي فوق رأس هانيراس غير أنها أضحت اليوم مغمورة كلياً تحت مياه المحيط، وهي الآن على مسافة ثلاثة كيلومترات داخل تلك المياه بعيداً عن الشاطئ.

والمشكلة الأساسية التي يواجهها العالم اليوم: كيف يمكن وقف هذه التغييرات التي نجمت وستظل تنجم أيضاً عن تصرفات الإنسان نفسه؟ لكن خاب أمل المشاركين في مؤتمر اليابان عندما رفضت كل من الولايات المتحدة واليابان توقيع المعاهدة التي تنص على خفض نسبة الغازات التي تساعد على تسخين الجو مثل ثاني أوكسيد الكربون إلى 25% وبأسرع وقت ممكن، حيث بررت كل منهما هذا الرفض بالضغوطات التي يواجهونها من شركات تصنيع السيارات وغيرها من المصانع، فاقترح الاتحاد الأوروبي حلاً وسطاً يقضي بخفض الغازات المنبعثة من المصانع ومنشآت الطاقة بنسبة 15 في المئة بحلول العام 2010، أما الإدارة الأميركية فتريد العودة إلى مستويات الانبعاث الغازي التي كانت سائدة العام 1990 لكن بحلول العام 2010، ويرى المنادون بحماية البيئة وخفض نسبة التلوث ان هذه الحلول لا يمكنها أن تساعد على التخلص من المشكلة غير أنها الحلول الوحيدة الممكنة.

لكن الشيء الأكيد الذي لا خلاف عليه امتزاج ثاني أوكسيد الكربون مع بخار الماء يؤدي إلى احتباس الأشعة تحت الحمراء في الجو، ما يؤدي بالتالي إلى ارتفاع درجة الحرارة. ومن الحقائق العلمية المعروفة أنه لولا امتزاج أشعة الحرارة الشمسية مع بخار الماء لكانت درجة الحرارة في الصحراء الكبرى على سبيل المثال حوالي عشر درجات مئوية، ولكنت باريس ستشهد شتاءً قارصاً طوال العام باستثناء شهرين في السنة. ومن الحقائق التي تثير القلق أن نسبة ثاني أوكسيد الكربون المنبعثة من السيارات والمصانع في العالم ستصل خلال عشر سنوات إلى ضعف ما كانت عليه قبل قرن، ويختلف ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات من منطقة إلى أخرى، فبينما انغمرت منارة هاتيراس على الساحل الشرقي لأميركا على رغم شموخها قرناً، نجد أن منسوب مياه البحر الأبيض المتوسط ومنسوب مياه الخليج يرتفع بين 10 و20 سنتيمتراً في العام، ولاستمرار عمليات التصنيع في مختلف أنحاء العالم، واستمرار زيادة السكان وما تنطوي عليه من تسخين حراري، فإن معدل درجة الحرارة في العالم سيكون أعلى بثلاث درجات مئوية عما هو عليه الآن بحلول العام 2010 وسيشهد العالم خلال العقد المقبل مزيداً من حالات الجفاف والقحط والعواصف المطرية الشديدة، كما أن المناطق المعتدلة من العالم ستشهد شتاءً أكثر دفئاً، وصيفاً أشد حرارة، إذاً هل سينجح العالم والمؤتمرون في كيوتو (اليابان) في إيجاد العلاج الناجح لهذه المعضلة.
* ترقبوا في العدد المقبل الجزء الثاني "ظاهرة النينو".

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع