نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شهر رمضان بين برنامجين


فضيلة الشيخ حسن حمادة


كما في كل عام يتأمل الإنسان المؤمن وهو يقف على باب رحمة الله الخاصة قارعاً باب شهر رمضان المبارك يتأمل إبعاد فريضة الصوم وشأنها الرفيع ودورها الكبير في تحصيل التقوى والكمالات الإنساينة الراقية وتحصين الذات من البلايا والآفات العارضة جرّاء طبيعة الفساد الملازمة للمادة والمتأصلة في الأهواء والرغبات البشرية بحكم السنة الإلهية، وكلما دقق المرء في فلسفة هذه العبادة العظيمة وبالأخص عند استعراض ما تضمنته الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة والنورانية لرسول الله وأهل البيت الطاهرين عليهم جميعاً أفضل صلوات المصلين يجد أنه يزداد يقيناً بسعة الرحمة وعظيم العطاء والمنة الإلهية بفرض هذا التكليف العبادي والذي هو في الواقع بمثابة تكريم وتشريف للمؤمنين الصائمين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ..  أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون﴾(1).

فالمؤمنون بحسب النص الإلهي مدعوون إلى شكر الله تعالى على تكريمه إياهم بدعوتهم إلى مائدة روحية ولا أشهى ومدرسة للفيض العلوي ولا أبهى في موسم سنوي يتزودون منه خير الزاد فهم بين تسبيح وتقديس ما داموا في الشهر سواء في ذلك ليلهم ونهارهم نومهم وقيامهم على حد الخطاب المقدس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب"(2) وعليه فشهر رمضان أكبر من مجرد ممارسة لفريضة يختصرها الفهم العرفي عادة بالكف عن الطعام والشراب في زمن محدد بل هو موسم عبادي مبارك يشتمل على برنامج كامل أعدته العناية والإرادة الإلهية وبلغته وطبقته خير تطبيق التجربة النبوية وهذا البرنامج أوسع وأشمل بكثير من خصوص الصوم وأحكامه الفقهية رغم أن تحقيق الأحكام والشروط التامة للصوم الواقعي يلتقي وهذا البرنامج الإلهي ويعد شرطاً أساسياً من شروطه حيث يشير الإمام الخميني قدس سره إلى هذه الحقيقة بقوله "ليس معنى الصوم الإمساك عن الأكل والشراب فقط بل يجب الاجتناب عن المعاصي أيضاً، هذا من الآداب الأولية للصوم بالنسبة للمبتدئين وأما آداب الصوم بالنسبة للرجال الإلهيين الذين يريدون الوصول إلى معدن العظمة فهو غير هذا"(3).

وفي تفاصيل البرنامج الرمضاني الإلهي نجد خطوات متناسقة ومتكاملة وفقرات وشروطاً مقدمات وموانع يكفل مراعاتها جميعاً نيل الغاية والمأمول من أجواء الشهر الفضيل ويؤدي عدم مراعاة ذلك إلى تناقص البركة والنتائج المتوخاة والتي قد تصل إلى درجة زهيدة جداً عند الإكثار من نقض الشروط وشطب المقدمات وأحياناً يمسخ البرنامج الإلهي بكليته روحاً وشكلاً ومضموناً ويتحول إلى برنامج مناقض يلحق الإهانة بالشهر الكريم وينقل الأمة من أجواء حظيرة القدس والقرب الإلهي إلى أجواء أين منها أجواء حظيرة البهائم والعجماوات بل ما هو أتفه وأحقر، وفي هذا الصدد نسجل ملاحظتنا على ما يجري ومنذ سنوات وبعدما أخذت أجواء شهر رمضان طريقها نحو البرنامج الإلهي الرحماني الشامل وصارت ليالينا الرمضانية تتلألأ بنجوم آيات القرآن مفاهيم وتلاوة وترتيلاً وشفاءً لأمراض المجتمع الإسلامي وأصبحت أسحارنا ممتلئة بجلال وعذوبة المناجاة ومتمتمة بتمجيد الخالق المجيد وأضحت نهاراتنا منارات للجهاد والعمل والصبر والتصبر في طاعة الله وتحول صومنا ونسكنا إلى حالة طهر إيماني تدمغ أحياءنا ومدننا وتصبغها بصبغة الله ومن أحسن من الله صبغة لقوم يؤمنون في هذا النمو الرائع بدأنا نلحظ غزواً ثقافياً مبرمجاً يتوجه إلى قلب وروح البرنامج الرمضاني النوراني بقصد التشويه والتعمية وإلغاء المفاعيل العظيمة أو الحد منها وأخطر ما في هذا البرنامج المؤامرة أنها باسم الشهر المبارك وإكراماً للصائمين!! وهنا مكمن الخطر والخبث في آن. فشاشات التلفزة ـ وإكراماً لشهر رمضان المبارك! ـ تعرض أصناف البرامج الفاحشة والراقصة والمبتذلة ومزيداً في الإكرام! تمدد ساعات البث ليلامس السحر بل والفجر فيأسر المسلمون في سجن التفاهات والميوعة ويحرمون من بركات الأسحار والمناجاة العذبة وقراءة القرآن والانقطاع إلى الله تعالى وزيادة في إكرام الصائمين! تستحضر تلك الوسائل كل إعلانات الأطعمة والأشربة والخمور بل وإعلانات الرذيلة والفساد ولا يكتفون بهذا المقدار فالمناسبة أحق بالإكرام من ذلك!! فإذا بالعقول الابليسية تبتكر الأساليب التي يعجز عن مثلها شياطين الجان فينشرون الخيم الساهرة المسماة أسفاً بخيم رمضان لتتحول تلك الخيم اللعينة إلى مقتلة للوقت ومضيعة للمال والأخطر إلى أداة لتسميم الأجواء الرحمانية والإيمانية لشهر الله لا سيما عند بث برامجها على الملأ ليدخل نتنها إلى كل بيت من بيوت المسلمين الصائمين.

في مقابل هذا الشر المستطير لا بد لمجتمعنا المؤمن والملتزم وبكل شرائحه ومؤسساته لا سيما الإعلامية منها أن يضاعف الجهد ليحصن برنامجه الرمضاني المبارك من سيل السموم تلك. أما مسؤولية الأفراد لا سيما الآباء والأمهات فهي ضبط البرامج التلفزيونية والتحكم بها بعناية وعدم الانسياق معها بل ومقاطعتها بمقتضى التكليف الشرعي ومن ثم تحويل أجواء البيت في شهر رمضان إلى ما يشبه أجواء المسجد من خلال إقامة الصلاة وتلاوة آيات القرآن والتوجه بالدعاء إلى محضر الرب الكريم والاشتغال بما فيه لله رضا. ويقع على عاتق وسائلنا الإعلامية الملتزمة مسؤوليات جسام تتلخص بإيجاد البرامج الروحية الجذابة والتي تشكل للمؤمنين بديلاً مفيداً عن الشاشات والإذاعات الأخرى في زمن باتت وسائل الإعلام لصاً وقحاً يدخل البيوت بلا استئذان أو خوف، وتبقى مساجدنا موئلنا وملاذنا في شهر الله وهل أفضل من إحياء جزء من الليل في بيت الله تالين أجزاء القرآن صافين الأقدام خشوعاً وخضوعاً لله طلباً للرحمة بقلوب منفطرة حباً لله وأملاً برحمته، وهنا تكبر مسؤولية أمناء المساجد ولجانها لا سيما بتوجيه العلماء الإعلام في إيجاد البرامج المسجدية الجادة والمناسبة لأجواء الشهر الكريم كما هي أيضاً مسؤولية عموم المؤمنين في المبادرة والمسارعة إلى المسجد بلا استثقال متذكرين ما وعد به تعالى من أجر لا يوصف للساعين إلى بيوته  ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ . إننا في شهر الله هذا أمام تحدٍ فريد من نوعه يتمثل في مواجهة البرنامج الرمضاني الإلهي للبرنامج الرمضاني الشيطاني. فلنكن جميعاً من أنصار الله وأنصار دينه لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الشيطان هي السفلى.
 

(1) سورة البقرة، الآية: 183 ـ 185.
(2) من خطبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في استقبال شهر رمضان.
(3) من كتاب الجهاد الأكبر للإمام الخميني قدس سره

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع