النجم الثاني عشر من نجوم سماء الولاية والإمامة هو حضرة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف. وُلد الإمام المهدي في زمن خلافة المهتدي العباسي في النصف من شهر شعبان سنة 255 للهجرة عند طلوع فجر يوم الجمعة. وقد أضاءت الدنيا بمولده المبارك وشعّت بارقة الأمل في قلوب المستضعفين ومحبّي أهل البيت عليه السلام. اسم الإمام محمّد وكنيته أبو القاسم. لهذا كانت الحكومات تعتقد أنّ ولادته خلاف مصلحتها، فلهذا كانوا يراقبون ولادته بشكل دقيق ويسعون لئلا يولد، أو القضاء عليه عند ولادته. لهذا فقد غاب عن الأنظار بأمر الله تعالى بعد وفاة أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام ولم يلتقِ إلاّ بنوّابه الخاصين، وإذا كان له لقاء مع غيرهم فهو أمر استثنائي.
استشهد أبوه الإمام سنة 260 للهجرة، ومن ذلك الزمان سميت غيبته بالغيبة الصغرى، واستمرت هذه الغيبة حتى سنة 329 أي حوالي تسعة وستين عاماً. وبدأت الغيبة الكبرى من هذه السنة، وهي مستمرة إلى ما شاء الله تعالى، وعندها سترتفع ستارة الغيب وتتحقّق الحكومة الإلهية وتتمثّل كل الشعارات وأهداف الأنبياء عليه السلام.
والمقصود من الغيبة الصغرى أنّ كلّ الشيعة ومحبي أهل البيت يستطيعون أن يتصلوا بالإمام بواسطة أحد نوّابه الخاصين ويحصلوا على أجوبة عن أسئلتهم. وأسماء النوّاب الأربعة:
1- عثمان بن سعيد العمري.
2- محمد بن عثمان بن سعيد العمري.
3- أبو القاسم حسين بن روح النوبختي.
4- علي بن محمد السّمري.
وكانت وفاة النائب الأخير سنة 329 للهجرة، وعندها بدأت الغيبة الكبرى، وانسدت باب النيابة الخاصة، وانتقلت زعامة الشيعة في عصر الغيبة والإجابة عن أسئلة الناس وحلّ مشكلاتهم إلى الفقهاء جامعي الشرائط.
خصوصيات الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف:
من مجموع الروايات الواردة في شأن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يمكن إجمال خصوصياته بالنقاط التالية:
1- إنّه من آل النبي وأحد أولاده.
2- إنّه ابن الإمام الحسين عليه السلام.
3- إنّه الإمام الثاني عشر بعد النبي (ص).
4- ابن الإمام الحسين العسكري عليه السلام.
5- يملأ الدنيا عدلاً وقسطاً.
6- يُقيم حكومة العدل الإلهي.
7- يُحرر المستضعفين من قيود الظلم والجور.
8- تنتهي الحروب ويعمّ السلام والصفاء والعمران محلها.
إنّ الكلام في أبعاد الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف المختلفة كثير ويجب على المسلمين أن يبحثوا ويحقّقوا في كلّ بعد من أبعاد حياته. وأكثر الأسئلة التي ترد على الأذهان بشأن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
هل يأتي يوم يعيش فيه الناس في صفاء وهدوء بعضهم إلى بعض ويزول فيه الظلم والاعتداء؟
والجواب أنّ الاعتقاد بحركة الإنسان التكاملية تجعلنا ننتظر مثل هذا اليوم.
إنّ الإنسان يسمع نداء الفطرة ويصغي لذلك الأمر، ولكن سبب الانحراف هو الاشتباه والخطأ في التطبيق. (يسعى الإنسان خلف الكمال والسعادة لكنّه يتصور أنّ هذا الطريق المنحرف هو الضامن لسعادته وكماله) ويجب أن نعرف أنّ الهدف النهائي الذي رسمه خالق الكون سوف يأتي قريباً كان أو بعيداً.
-القرآن ومستقبل البشر:
يتحدث القرآن الكريم عن مصير البشرية بشكل واضح، ويمكن معرفة نظر القرآن بهذا الشأن بملاحظة الآيات الواردة في هذا الخصوص، ونحن نطرح هنا عدّة آيات وردت في هذا الموضوع ضمن أقسام البحث الذي سنتطرق إليه.
أ- الصالحون يرثون الأرض:
إنّ نظر الإنسان في مستقبله يجبره على استحصال خبر عن مستقبل العالم ومصير البشر؛ لأنّه منذ بزوع تاريخ البشر كانت الحروب قائمة بين الحقّ والباطل وتنتقل الانتصارات من يدٍ لأخرى، والقرآن الكريم يعبر عن هذا الوضع قائلاً: (وتلك الأيام نداولها بين الناس).
وعلى الرغم من أنّ أسلوب تاريخ البشر كان بصورة مبادلة الانتصار لكن القرآن الكريم يعتقد أنّ السُنة الإلهية في المستقبل تجعل الأرض بيد الصالحين وستكون حكومة العالم وإدارة الأمور بيدهم وسيكون الحقّ والحقيقة ثابتة لا يغلبها الباطل وسوف تعيش المجتمعات البشرية تحت لواء حكومة الصالحين، يقول تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون) وسوف يعيش العالم أجمع خالياً من وجود الأشرار والمجرمين يقول تعالى:
(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم) وخلافة هؤلاء من قبل الله تعالى، على وجه الأرض وهو نفس تدبير أمور الحياة وإقامة العدل في المجتمع والإعمار في الأرض.
وفي الآية الثالثة تصرح بأنّ ذلك للمتقين، ويقول: (والعاقبة للتقوى).
ب- استقرار شريعة الله وبسط الأمن في العالم:
يقول القرآن الكريم أنّه في نهاية الأمر سوف تستقرّ شريعة الله في الأرض، شريعة مبرّأة من كلّ أنواع الشرك والوثنية.
في ذلك اليوم سيعم الأمن كلّ أنحاء الدنيا وسيعبد الله تعالى من دون خوف أو وجل. ولا تستعمل التقيّة التي كانت يعمل بها مع أهل الباطل يقول تعالى: (وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً).
ج- انتشار الإسلام في جميع أنحاء العالم:
لقد أخبر القرآن الكريم باستقرار وانتشار الدين الإسلامي في العالم وانتصاره على بقية الأديان، ولم يتحقّق هذان الخبران الغيبيّان إلى الآن، لكن طبقاً للروايات الواردة في هذا الشأن فإنّ زمان تحقّق هذا الوعد يكون على يد صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف حيث يأخذ بزمام الأمور وينشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها كما يقول تعالى:
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون).
ويقول تعالى في سورة أخرى بتعبير آخر: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون).
د- انتصار الأنبياء:
لقد جاهد الأنبياء وسعوا في نشر عقائدهم على طول التاريخ لكن ما استطاعوا أن ينشروا عقائدهم في جميع أنحاء العالم، ولقد كان في كلّ عصر مجموعة من المخالفين والمعارضين وقفوا بوجه الأنبياء وسدوا عليهم طريقهم، لكنّ القرآن الكريم يقول في شأن محاربة أهل الباطل للحق: إنّها حرب مؤقتة وإنّ شريعة الأنبياء سوف تنتصر وتشمل العالم أجمع بعد أن تتحطم كلّ معاقل الكفر والبطلان.
يبيّن القرآن الكريم هذه الحقيقة في عدّة آيات ويقول: (إنّا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا...).
ويقول القرآن الكريم في آية أخرى واصفاً تعلّق المشيئة الإلهية بانتصار الأنبياء في المستقبل: (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنّهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون).
ويقول تعالى في آية أخرى: (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي).
هـ- في حرب الحقّ والباطل الحق هو المنتصر:
يعتقد القرآن أنّ نظام الكون هو نظام خير وأنّ الغلبة على الشر هي خير، بل يعتقد في النهاية أنّ النظام الاجتماعي نظام ثابت ينتصر فيه نظام التوحيد على نظام الكفر والشرك والطاغوت ويكون هذا الانتصار على يد الصالحين، يقول تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق).
ويشبه القرآن الكريم في آية أخرى الحق والباطل بالماء والزبد حيث ركب وتلبس الباطل على الحق فبحركة الحق يتشتّت الباطل ويتفرّق، والحق والحقيقة مثل ماء الحياة الباقي في القلب و يقول تعالى: (فأمّا الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
و – الإمداد الغيبي في مساعدة المجتمعات:
يصرح القرآن الكريم بأنّه سيظهر في المجتمعات أشخاص مضحون يبذلون قصارى جهدهم من أجل عزّة الإسلام وذلة الكفر، ويُنذر أولئك الذين ينحرفون عن جادة الحق والصواب ويعودون إلى الجاهلية بأن الحق لا ينحسر ولا يخسر. ويظهر أفراد خلال مسيرة المجتمع الإنساني نحو الكمال يحبون الله ويحبهم الله تعالى أعزة على الكافرين أذلة على المؤمنين لا يخافون في الله لومة لائم ويجاهدون في سبيل الله، يقول تعالى في هذا الشأن: (يا أيها الذين آمنوا مَن يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم).
والآن لننظر متى تتحقّق هذه الوعود الإلهية التي لم تلبس لباس الفعلية والعمل بعد؟
وهذه المشكلة تُحل بمراجعة الروايات الإسلامية الصحيحة. لقد وضعت الروايات الإسلامية أصبعاً على هذا المجهول وأخبرت بأن تحقّق هذه الوعود سيكون في عصر ظهور صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.
لقد أخبرت بعض الروايات عن تكامل وتقدم العقول البشرية وتطور الصناعات والتكنولوجيا كما أخبرت عن شمول العدل الإسلامي للعالم أجمع. والآن نشرع بذكر الروايات الواردة في هذا الموضوع ونذكر حديثاً واحداً فقط في كلّ موضوع لأجل الاختصار.
1- تكامل العقول:
إنّ مرور الزمان والتجارب المرّة والحلوة تكون سبباً لتفتح العقول البشرية ويجد البشر في ضوء الألطاف الإلهية أنّ المنظمات البشرية غير قادرة على حلّ المشاكل والمعضلات التي تواجه الناس. لهذا يلبون نداء حضرة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف من دون ترديد وشك ويلتحقون بثورته.
يقول الإمام الباقر عليه السلام: "إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم".
2- تكامل الصناعات:
لا يمكن للثورة العالمية أن تقبل من دون تكامل الصناعات، ولا يمكن لقائد ثورة أن يوصل صورته إلى آخر نقطة من العالم من دون تكامل تكنولوجي من هذه الجهة تبشر الأحاديث الإسلامية بأنّ عصر ظهور صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف تصل الصناعات فيه إلى درجة من التطور بحيث يكون العالم بحكم مدينة واحدة، ويرى الأشخاص الذين يعيشون في المشرق الأشخاص الذين يعيشون في المغرب. يقول الإمام عليه السلام في هذا المورد:
(إنّ المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه بالمغرب وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي بالمشرق).
ويقول عليه السلام في حديث آخر بشكل أوضح.
(إنّ قائمنا إذا قام مدّ الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتّى لا يكون بينهم وبين القائم بريد، يكلّمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو مكانه).
3- يعم الإسلام ربوع العالم أجمع:
تبشر الأحاديث الإسلامية وتنطبق على الوعود القرآنية بأنّ الإسلام سيعمّ جميع العالم بظهور صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ويقول الإمام الباقر في هذا الصدد:
(يبلغ سلطانه المشرق والمغرب ويظهر الله عزّ وجلّ به دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون).
4- التكامل الأخلاقي:
مرّ فيما سبق أنّ التكامل الحقيقي يجب أن يكون في جميع الأبعاد المادية منها والمعنوية، وأنّ التكامل ذا البعد الواحد ليس تكاملاً.
وردت الأحاديث الإسلامية عن التكامل الأخلاقي في عصر ظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وقد نقل كلّ المحدثين الإسلاميين هذه الجملة عن رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم من أنّ واحدة من خصوصيات حكومة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف هي انتشار العدل وإزالة الظلم (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً).
5- الإعمار والإصلاح:
ووردت الأحاديث الإسلامية تحكي بشكل واضح عن إعمار العالم وسيطرة البشر على الكنوز المخفية في باطن الأرض بظهور صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف يقول عليه السلام:
(وتظهر له الكنوز ولا يبقى في الأرض خراب إلاّ يعمره).