اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

الآداب المعنوية للصلاة: في سر طهارة اللباس‏



ع. ن.


تمثل الصلاة عند العارفين العبادة الجامعة لكل الأسرار. ولهذا فقد احتوت على جميع مراتب وأسرار العبادات. وأهل الله تعالى يبحثون من خلال أسرارها عن الحقائق، كما أنهم يكتشفون أسرارها بالتعبُّد.
وكما أن للصلاة أسراراً فإن لمقدماتها ومتعلقاتها أسراراً أيضاً. ولعل إدراك سر الصلاة لا يتم بدون إدراك سر المقدمات مثلما أن الصلاة لا تصح بدون مقدماتها: "لا صلاة بدون طهور".
ولهذا يبحث العارفون عن أسرار المقدمات كمقدمة للبحث عن سر الصلاة. وأن رعاية شروط اللباس من المقدمات الضرورية للصلاة. ولهذا نقدمه في البحث عن الآداب المعنوية للصلاة.


إن للتأكيد على طهارة اللباس الذي هو ساتر البدن فائدة أساسية تعلم من خلال المقدمات التالية:
الأولى: أن جميع مراتب النفس حاضرة في محضر الله تعالى.
الثانية: اللباس هو الذي يستر عيوب الجسد.
الثالثة: لا يصح أن يرد البدن إلى الصلاة بدون ساتر.
الرابعة: يشترط في صحة الورود إلى الصلاة طهارة الساتر.

وحيث أن الصلاة تمثل هذا الحضور الإرادي لتمام مراتب النفس، وحيث أن حضور النفس لا يتحقق في عالم الدنيا بدون حضور البدن، وبما أن صحة الحضور البدني متوقفة على ستره وطهارة ساتره وهو اللباس، فإن الحضور المعنوي موقوف على طهارة اللباس.
ويستفاد من هذا التشريع أن الأمر بطهارة اللباس مطلق ويسري إلى جميع مراتب النفس. وذلك لأن كل مرتبة من مراتب النفس تمثل ساتراً للمرتبة الأعلى. وما لم تحصل طهارة المرتبة فلن ترد إلى محضر الله تعالى. وما لم يحصل الحضور لا تتم الصلاة، لأن الصلاة هي "مقام العروج إلى مقام القرب والحضور في محضر الإنس".
ولأجل تحقق الطهارة لا بد من معرفة القذارات المتعلقة بكل مرتبة وكيفية التطهير.

ولنبدأ بذكر كلمات الإمام في كل مجال مع التوضيح المطلوب.
أولاً: حقيقة الصلاة هي الحضور والقرب.

ثانياً: يجب مراعاة آداب الحضور في محضر القدس لملك الملوك. وذلك لأن رعاية الأدب شرط الحضور كما أنها شرط البقاء في المحضر.

ثالثاً: من الذي يكون حاضراً؟
يقول الإمام قدس سره: "وحيث أن أدنى المراتب والمراحل لظهور النفس التي هي قشر القشور والبدن الملكي الصوري وأعلى المقامات والحقائق فيها التي هي لب اللباب ومقام سر القلب، كلها حاضرة في محضر الحق المقدس...". أي أن النفس بتمام مراتبها الوجودية تكون حاضرة في محضر الله تعالى لأن العالم كله محضر الله.

رابعاً: يجب على الإنسان أن يلتفت إلى هذا الحضور وبمراعاة آدائه يحصل له الحضور الاختياري الذي هو سر كماله. فالحضور مصطلح يطلق على معنيين ها هنا. الأول الجبري الطوعي الذي لا مناص منه وهو ظهور حقيقة المالكية والولاية الإلهية: (وهو الذي في السماء إله وف الأرض إله). (والله يسجد له من في السماوات والأرض). أما الحضور الاختياري فهو عبارة عن شهود الحضور الأول. وله شروط أهمها رعاية آداب المحضر. وتأتي الصلاة لتعلم الإنسان أدب الحضور الاختياري.
يقول الإمام قدس سره: "فالسالك أيضاً لا بد أن يستحضر جميع الجنود الظاهرة والباطنة لممالك السر والعلن ويعرضها أمام محضر الحق جل وعلا. ويجب أن يقدم جميع الأمانات التي وهبه الله تعالى إياها بيدي الجمال والجلال وأن يردها إليه كما كانت في كمال الصفاء والطهارة من دون تصرف أحد من الموجودات".

خامساً: ضرورة الالتفات إلى المخاطر.
يقول الإمام قدس سره: "ففي أدب الحضور مخاطر كثيرة لا يجوز للسالك أن يغفل عنها لحظة واحدة".
وسر ذلك أن هذه الغفلة تؤدي إلى الوقوع في تلك المزالق التي تكون سبباً لطرد الإنسان من المحضر وغفلته النهائية عنه.

سادساً: أن كل مرتبة من مراتب النفس تمثل ساتراً للمرتبة الأعلى، يقول الإمام قدس سره:
"وليتفطن إلى أنه كما أن هذا اللباس الصوري ساتر فهو لباس للبدن الملكي، فالبدن ساتر للبدن البرزخي. والبدن البرزخي موجود الآن، ولكنه في ستر البدن الدنيوي وحجابه. والبدن البرزخي ساتر ولباس وحجاب للنفس، والنفس ساتر للقلب، والقلب ساتر للروح، والروح ساتر السر، وهو ساتر اللطيفة الخفية، إلى غير ذلك من المراتب، وكل مرتبة ساترة للمرتبة العالية...".

سابعاً: الاستفادة المعنوية من أمر بتطهير الساتر الظاهري. يقول الإمام قدس سره:
"ولا بد له أن يجعل طهارة اللباس الذي هو ساتر للقشر (بل قشر القشر) وسيلة لطهارة الألبسة الباطنية...".
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾
ويقول الإمام: "فليعلم أنه كما لا تتحقق صورة الصلاة بدون طهارة اللباس والبدن، لأن القذارات التي هي رجز الشياطين مبعدة عن محضر الرحمن ومانعة من وروده، كذلك فإن قذارات المعاصي... من موانع الورود في محضره".

ثامناً: ما هي قذارات المراتب المختلفة للنفس؟
يذكر الإمام في هذا المقام أربعة مقامات للنفس ويبين القذارات المتعلقة بها. وهذه المقامات أو المراتب هي:
1 - البدن الدنيوي، وقذارته تلك النجاسات المعروفة والمذكورة في الدنيا.
2 - البدن البرزخي، وقذاراته ارتكاب الذنوب والمعاصي.
3 - البدن الملكوتي، وقذاراته الأخلاق الذميمة.
4 - القلب وقذاراته حب الدنيا والاعتماد على الخلق.

ولكن من الذي يدرك هذه الحقائق، ولماذا نجد الكثيرين لا يعتقدون بها بل وينكرونها علناً؟
يذكر الإمام سبباً أساسياً لذلك ويحذر قائلاً: "... وما دام الإنسان في حجاب الدنيا لا يطلع على ذلك البدن الغيبي وطهارة لباسه وقذارته وشرطية ومانعية القذارة فيه. ولكن في اليوم الذي يخرج من هذا الحجاب، فإن رائد السلطنة الباطنية ويوم الجمع يطويان بساط تفرقة الظاهر، وتطلع شمس الحقيقة من وراء الحجب المظلمة الدنيوية، وتنفتح عين البصيرة الملكوتية الباطنية، وتغلق البصيرة الحيوانية الملكية. وعندها يدرك بعين البصيرة أن صلاته كانت فاقدة للطهارة إلى نهاية الأمر. وأنه كان مبتلى بآلاف الموانع التي كان كل واحد منها بحد ذاته سبباً لبعده عن محضر الحق. ومع آلاف التأسفات، لا يوجد في ذلك اليوم مجال لجبران ما فات ولا تبقى حيلة للإنسان، بل الحسرة والندامة، ندامة لانتهاء لها وحسرة لا حد لها، ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ .

فاسمع أيها القارئ‏ء الكريم كلام الإمام حينما يقول: "إن تطهير اللباس الباطني من شرائط تحقق الصلاة الباطنية وصحتها، وما دام الإنسان في حجاب الدنيا فلن يطلع على البدن الغيبي وإذا جئنا أولاً إلى البدن الدنيوي فإن ساتره هو ذلك القماش ولهذا فإن قذارته هي تلك النجاسات والخبائث التي ذرت بالتفصيل في كتب الأحكام العملية، وعلى السالك أن يتعرف إلى تلك الأحكام جيداً، لأن أول ورود له موقوف على الطهارة منها.

ثم يأتي بعدها البدن البرزخي وقذاراته هي الذنوب والمعاصي التي يرتكبها البدن بأعضائه وجوارحه، أي أن اللباس هنا هو البدن، يقول الإمام قدس سره:
"فالمتلبس بالمعاصي قد نجس ساتر البدن البرزخي، ولا يتمكن مع هذه القذارة من الورود إلى محضر الحق...".
لهذا ينبغي أن يعرف السالك جميع المعاصي الظاهرية. بيانها بالتفصيل قد جاء في الرسائل العملية. بالإضافة إلى الأحكام الولايتية. فعندما يخالف الإنسان حكم الله يكون قد نجس لباس البدن البرزخي.
ومن بعده يأتي البدن الملكوتي، وقذاراته هي: "الأخلاق الذميمة التي يلوث كل منها الباطن، ويبعد الإنسان عن المحضر، ويطرده من بساط قرب الحق، وأن أصول جميع الذمائم ومبادئها هي العجب والتكبر والتظاهر والتعصب، وكل منها مبدأ كثير من الذمائم الأخلاقية ورأس كثير من الخطايا" (الآداب المعنوية).
فها هنا يبدأ تهذيب النفس بالتخلص من الأخلاق الرذيلة وقذارات هذه المرتبة التي هي لباس التقوى، وذلك "بناء التوبة النصوح والرياضة الشرعية". فالرياضة القلبية إما أن تكون شرعية ترجع إلى فقيه جامع للشرائط وإما أن لا تكون فليحذر الذين يقومون بالرياضات الباطنية عن أي شخص يأخذون لأنه من الممكن - لا سمح الله - أن لا تنتج مثل هذه الرياضة إلا المزيد من الرذائل وتحكم أصول الرذائل والعياذ بالله.
"فإذا فرغ السالك من هذه الطهارة، عليه أن يشتغل بتطهير القلب الذي هو الساتر الحقيقي، وتصرف الشيطان فيه أكثر، وقذاراته سارية إلى سائر الألبسة والسواتر، وما لم يطهر لا تتيسر سائر الطهارات".

أهم قذارات لباس القلب حب الدنيا والاعتماد على الخلق. فأما حب الدنيا فهو رأس كل خطيئة ومنشأ جميع المفاسد يقول الإمام قدس سره:
"... ما دام حب الدنيا في قلب إنسان لا يتيسر له الورود إلى محضر الحق ولا تتحقق المحبة الإلهية التي هي أم الطهارات...". وذلك لأن حب الدنيا وحب الله لا يجتمعان في قلب واحد ولو كان حب الدنيا مثقال حبة خردل. قال الله تعالى:  ﴿ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾
ونظراً إلى أن حب الله الذي هو أب الطهارات وأصلها لا يتحقق مع وجود حب الدنيا في القلب فقد ذكر الإمام أنه لم يهتم بشي‏ء في كتاب الله ووصايا الأنبياء والأولياءعليه السلام وخصوصاً أمير المؤمنين عليه السلام مثلما اهتم بترك الدنيا والزهد فهيا والاتقاء منها الذي هو من حقائق التقوى.

أما طريقة الطهارة من حب الدنيا فتقوم على الأسس التي ذكرها الإمام وهي: "ولا تحصل هذه المرتبة من التطهير إلا".
1 - بالعلم النافع.
2 - والرياضات القلبية القوية.
3 - وصرف الهمة في التفكر بالمبدأ والمعاد.
4 - وانشغال القلب بالاعتبار من أفول الدنيا وخرابها.
5 - وكرامة العوالم الغيبية وسعادتها". (آداب الصلاة)
ومن قذارات هذه المرتبة: "الاعتماد على الخلق الذي هو شرك خفي، بل هو عند أهل المعرفة شرك جلي" (آداب الصلاة) ولأجل تحصيل هذا التطهير يجب الوصول إلى مقام التوحيد الأفعالي للحق تعالى الذي هو منبع الطهارات القلبية.
ومعنى التوحيد الأفعالي بحسب ما يفيده البرهان ه "إنه لا مؤثر في الوجود إلا الله (وهذا أحد معاني لا إله إلا الله). والتأثير يشمل الرزث ولاصنر والتعلم والموت واحياء.. أما مقام التوحيد الأفعالي فهو الذي يعيش فيه السالك مستغنياً عن الخلق وقد صرف همته إى الحق، فلم تأخذه الأسباب وقد خرج من الخوف والحزن.

ولكي لا يحصل التوهم بأن التوحيد ليس إلا علماً يستوطن الذهن. قال الإمام قدس سره:
"وفي عقيدة الكاتب أن جميع العلوم هي عملية حتى علم التوحيد. ولعله يستفاد كونه عملياً من كلمة التوحيد التي هي تفعيل، لأنه بحسب ما يناسب الاشتقاق يكون التوحيد عبارة عن التوجه من الكثرة إلى الوحدة وجعل جهات الكثرة مستهلكة ومضمحلة في عين الجمع" (آداب الصلاة).
ولهذا أيضاً بيّن الإمام أن مجرد العلم البرهاني لا ينتج التوحيد الحقيقي. بل ربما يكون سبباً لظلمة القلب وكدورته. ويمنه الإنسان من الوصول إلى المقصد الأعلى.

يقول الإمام قدس سره: "وما لم يصل هذا المطلب البرهاني إلى القلب ويصبح صورة باطنية له لم نعبر من حد العلم إلى حد الإيمان".
"فلهذه الجهة نكون نحن مع العلم بالبرهان بهذا المطلب الإلهي الشامخ واقعين في التكثير [مقابل التوحيد]. وليس لدينا خبر عن التوحيد الذي هو قرة عين أهل الله، ندق طبل "لا مؤثر في الوجود إلا الله"، ومع ذلك نمد عين الطمع ويد الطلب إلى كل من هو أهل وغير أهل" (آداب الصلاة).

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع