مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

لقاء مع الجريح المجاهد عبّاس غسّان سويدان

تسابيح جراح: لقاء مع الجريح المجاهد عبّاس غسّان سويدان (أمير عبّاس)
حنان الموسويّ سرور


أذكر جيّداً كيف زار الضوء عينيّ، حيث أرخى الانفجار دويّه قربي، فتطايرت الشظايا وطالتني. هبطتُ نزولاً هويناً هويناً لألتقط ساعدي الذي هوى عن أمّه، حين أصيب بشظايا قذيفة b9 استهدفت الآليّة التي كنتُ ملاصقاً لها، بعد أن زكّيتُ نُسكي برؤيته. لم تكن هلوسات الصيام، ولا تأثير العطش في العروق المتيبّسة.

•نقشت بالدم
"كلّنا عبّاسك يا زينب"، نبوءة قد أعجزت طيني، نقشتُها كنور الشمس على زندي، ولطالما لثمتُها كالآس، كرايةِ قمر الهاشميّين هوت، أيُعقل قَبِلتَها السيّدة زينب عليها السلام؟! أجريتُ من عينيّ آخر نظرةٍ عليها، فقد حسبتها علامة رضاها، حملتُها وركضتُ مسرعاً إلى الغرفة التي اتّخذناها واقياً من القصف، قبل أن يضعني رفاقي في الـ pmb وأُنقل إلى المشفى، وكلّ الأمل يعرّش في خافقي أنّها علامة القبول، خصوصاً وأنّ الزند قد وري في الثرى بالقرب من مقام العقيلة عليها السلام.

•هواية وجهاد
هناك، في ملعب كرة القدم كانت البداية، حيث احتشد الشبّان وقضينا وقتاً مميّزاً، وصرنا نتنقّل من جامع لآخر لحضور الدروس الدينيّة، ونحيك قماش الشوق إلى إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بخيوط الدموع مع كلّ دعاء. إلى أن جاء اليوم الذي سحبت فيه بطاقة هويّتي خلسةً عن أمّي، وخضعت لدورة محو أميّة معهم، وللعديد من الدورات الثقافيّة، مضافاً إلى دورات عسكريّة عدّة، ثمّ انضممت رسميّاً إلى صفوف المجاهدين.

•دفاعٌ دامٍ
مع بداية معارك الدفاع عن حرم العقيلة عليها السلام في سوريا، كنّا قد مُلِئنا بحبّ الآل عليهم السلام، نجمع ظلال من عبروا سبايا، ونُحكِم حول سيّدتهم عليها السلام حصن الثبات. ومن بين المجموعات التي تشكّلت للدفاع عن المرقد المقدّس، كنتُ ضمن أفواج الهندسة التي اتّجهت إلى الزبدانيّ.

أتممتُ مهمّتي، وكان اليوم الأخير، بانتظار المجموعة البديلة. مكثتُ في المكان المحدّد، وعند توافد المجاهدين، ومع إطلالة آليّة الـ pmb الثالثة، عاجلها التكفيريّون بقذائف b9، فترجّل الإخوة منها، وقمتُ باصطحابهم لأدلّهم على الطريق الآمن. وفجأةً، لمع ضوءٌ قويٌّ قربي، وأحسستُ بلكمةٍ قويّة طالت ظهري، وشاهدتُ بأمِّ عيني كيف هوت يدي بكلّها من الكتف، وخيوط الدم سالت من جراحي. وعلى امتداد مواجعي، حقنني المسعف بالمخدّر ففقدتُ وعيي، ولم أستيقظ إلّا في المشفى. كانت الشظايا منتشرة في وجهي وكامل جسدي، وقد نال ظهري نصيباً وافراً من الجرح العميق.

ضمّد الأطبّاء في مشفى جديدة يابوس جروحي، ونُقلتُ بعدها إلى مشفى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في بيروت، حيث خضعتُ لجراحة في كتفي، مكثتُ على إثرها أسبوعاً في المشفى. وبعدها بعامين، خضعتُ لجراحة أخرى لاستئصال شظيّة منها.

•نزف وأمل
كثيراً ما شاكستُ أمّي. زيّنتُ لها حُسن الختام إمّا ببترٍ أو بنزف، خصوصاً وأنّها زارت وإيّاي صديقي الذي فقد قدمه في آخر معركة شارك فيها قبل شهر، فكأنّها كانت تتحضّر لهذا الموقف! وقد جفّت بحضرتها العطايا، ونزفتْ دمعاً دامياً حين عرفت بإصابتي، ورأت ما بُتِر منّي!

فعند وصولي إلى المشفى، أجريت اتّصالاً بصهري أخبرته فيه عن حالتي، وطلبتُ منه اصطحاب والديّ. وكنتُ قد حدّثت والدتي ممازحاً إيّاها وطالباً منها تحضير إفطار شهيّ، شرط أن تأتي إلى المشفى لتطمئنّ عنّي، وتضمّد بعض الجروح التي تناثرت في جسمي بحنانها. تقبّل أهلي المصاب بصبرٍ واحتساب، وقد تفاجأوا بتسليمي المطلق بالقضاء، بعد أن سكبتُ غيمة تجلّدي على الحيارى حولي من أهلٍ وأصدقاء.

•لكلِّ امرئٍ من اسمه نصيب
اقترن حبّي بأبي الفضل العبّاس عليه السلام منذ الصغر، فحظيَ بمكانة مميّزة في قلبي. وما إصابتي سوى جرح شحيح أمام الفيض الأعظم الذي وهبه قربان دفاعٍ عن مولاه عليه السلام. أقدّم له حشود الاعتذار عن طفيف ما قدّمت، فسيّد الإيثار قدّم يدَيه وعينه ورأسه وحياته ليحيا الدين، فكيف لا يكون قرباني زهيداً؟ ومع ذلك، وعلى بساطته، أشعر أنّه قرّبني منه ولو بمقدار ذرّة، خصوصاً أنّ ثمّة ما يربطني به بشكل أعمق، حينما زار عليه السلام أخي في الرؤيا ذات يوم، وطلب منه أن يطلق عليَّ اسم عبّاس قبل ولادتي.

ولأنّ لكلّ امرئ من اسمه نصيباً، كان للعقيلة عليها السلام في قلبي محبّة لا تُدرك كما في قلب كفيلها عليه السلام. عشقتُ تراب مرقدها وأقسمتُ أن أفديه. هي المدلّلة كما كانت لأخيها. وأمّا عن الوشم الذي نقشته على زندي، فقد حُفِر في الروح قبلاً، وما رسمه على جلدي سوى انعكاس حبٍّ تُرجم بالحبر لحظةً وبالدم كلّ حين.

•إرادة وحياة
في كلّ جيوش العالم، عند إصابة الجنود في حربٍ أو معركةٍ ما، تمتلئ قلوب جرحاهم بالأسى والجزع، ويحتلّها اليأس والإحباط. أمّا في مدرسة كربلاء، فكلّ جرح يوشم في أجسادنا، هو عزٌّ وافتخار، لا سيّما وأنّ البيئة التي تحيط بنا تحتضن الجرحى وتقدّرهم، وتدرك جيّداً أنّ في خطّ التضحيات لا مكان للضعف أو اليأس أو الاستسلام.

أراني بجرحي عبرةً للرائي. أسعى أن أترك الأثر البالغ في نفوس من يحيط بي، فالتكليف لم ينتهِ بعد، وأيّ تصرّفٍ أقوم به هو حجة عليَّ، فصورة عاشوراء الحيّة تتجسّد بي وبرفاقي كجرحى، وعلينا الانتباه والالتفات لكلّ عملٍ ننوي القيام به. وهذه الجراح التي حبانا الله بها، تسري في سلسبيل الخلود، وترتق كلّ شرخٍ سبّبه الزمان لكلّ إنسان شريف.

•إلى حسين زماننا
أقول للسيّد حسن نصر الله (حفظه الله): أنا الجنديّ المنتظر لإشارة من إصبعك، أهفو لخدمتك، ما أتمنّاه فقط لو أسترجع يدي كي أعود ولو حبواً إلى ساح الجهاد، وأكثر ما يؤلم المرء، أعجاز أمنيّاته الخاوية.

لن نتركك وحيداً وإن اشتدّت المحن، ومهما تضاعف الأعداء. حسين زماننا نفتديه بالأرواح، له كلّ الولاء. لن نتخلّى عنه ولو تخلّى العالم كلّه.

تكسرني الحروف وتبقى في شتات، حين أسعى بكلّ عزمٍ لأثبت معنىً يلحُّ عليَّ وأعجز عنه. أستدرج قطيع الحزن نحو ما مضى من فرح عشته في الثغور، لعلَّ رحيق الصبر يبرد لوعتي وأكون من أنصاره، روحي له الفداء، فهو حكاية الأمل في عيون المشتاقين الفاقدين.

•واحفظوا وصيّة الدماء
أحياناً يكون قدرك في هذه الدنيا أن تجدّف بدموعك حتّى تصل إلى رضى الله. في الطريق تراودك وجوه العابرين قبلك دون مرايا، فيستعر الحنين للحاق بهم. هنيئاً لكلّ المجاهدين المرابطين، ورسالتي لهم: تابعوا الطريق، واحفظوا وصيّة الدماء. دافعوا عن كلّ المظلومين والمضطهدين، فأوجاع المتعبين بجروحي تنام، وهاجسي أن أساعدهم وأخفّف عنهم وأحميهم، بذا أمرني ربّي، والحمد لله على ما اصطفاني واختار لي.

الجريح: عبّاس غسّان سويدان.

الاسم الجهاديّ: أمير عبّاس.

تاريخ الولادة: 18/8/1993م.

مكان الإصابة وتاريخها: الزبداني، 8/7/2015م.

نوع الإصابة: بتر الذراع اليمنى.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع