مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أخلاقنا: أسرة محبّةٍ لا بغضاء (*)


آية الله الشيخ حسين مظاهري


يشاهَد في قصّة "قيس وليلى"، والتي قد تكون ضرباً من الخيال، علاقة ما بعدها علاقة بين الحبيبَين. ويقال إنّ تغنّي قيس بليلى بلغ سمع أحد ملوك ذلك الزمان، فأراد أن يراها عن كثب. وعندما ذهب إليها، لم يرَ ليلى إلّا بنتاً قرويّة، سوداء الوجه، قبيحة المنظر، فتعجّب ممّا رأى! أهذه هي ليلى التي يتغنّى بها قيس، ويقول فيها أفضل الشعر؟!

وبعد أن فهم قيس ما يدور في خَلَد ذلك الملك، قال:

لـو نـظر الـمـلك بعيـن قيــس

لـمـا رأى غيــر جمــال لـيـلى

فهو يقول: تعال وخذ عينَيّ، لترى بهما وجه ليلى، فلا يمكن أن تراها إلّا أجمل مَنْ خَلَقَ الله تبارك وتعالى. والطريف في الأمر أنّه كان يبرّر كلّ قبح فيها بعبارة جميلة؛ فحينما يُقال له إنّها سوداء كالفحم، فلِمَ هذا الشغف والهيام؟ يجيب بأنّ المسك كلّما كان شديد السواد، كان عبيره أعبق؛ ولهذا نعته القوم بالجنون!

* كحبّ قيس وليلى
كذا الأمر بالنسبة إلى الزوجَين، فعندما تكون المرأة محبّة لزوجها، لا يمكن لها أن ترى سيّئاته، وقد يصل بها الأمر على أن تثور في وجه من يسدي لها النصح، حتّى لو كان أقرب الناس إليها، في حال انتقادهم زوجها الخطّاء، دفاعاً عنه؛ لأنّها تحبّه.

وإذا ما أحبّ المرء زوجته، رآها جميلة، حتّى لو لم تكن كذلك. وعليه، لا ينبغي لجوء بعض النساء إلى المشعوذين والسَحرة من أجل الحظوة بحبّ أزواجهنّ؛ لأنّ ذلك لا يؤدّي إلى المحبّة أبداً، مضافاً إلى أنّه عمل غير صالح، وفيه إثم كبير.

أقبلت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله! إنّ لي زوجاً وله عليّ غلظة، وإنّي صنعت به شيئاً لأُعطِفَه عليّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفٍّ لكِ، كدّرت البحار وكدّرت الطين، ولعنتك الملائكة الأخيار، وملائكة السماوات والأرض..."(1).

* إيّاكم وسوء الخُلُق
إنّ التي تريد جلب رضى زوجها، أو تريد أن تحظى بقلبه، عليها أن تكون حسنة الأخلاق، تُدخل السرور على قلبه دائماً، تقف معه في الشدائد والبلايا وكأنّها هي المبتلاة، تحاول الابتعاد عن كلّ ما يغضبه أو يزعجه. وكذا الأمر بالنسبة إلى الرجل الذي يريد امتلاك قلب امرأته، ينبغي له أن يتودّد إليها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً من خلال الكلام المهذّب والجميل، بعيداً عن البذاءة، والركاكة، والسباب، والعويل، والزعيق. ويجب عليه أيضاً أن لا يعكس مشكلات عمله خارج المنزل على زوجته وأولاده، فيصبّ نار غضبه عليهم؛ لأنّ ذلك سيؤدّي بهم إلى ما لا تُحمد عقباه، ناهيك عن ضغطة القبر التي ستصيبه آجلاً بسبب سوء خلقه.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان له امرأة تؤذيه، لم يقبل الله صلاتها، ولا حسنة من عملها حتّى تعينه وترضيه وإن صامت الدهر...، وعلى الرجل مثل ذلك الوزر، إذا كان لها مؤذياً ظالماً"(2).

* بألسنة متدلّية
المسلم بشكلٍ عام، لا ينبغي له أن يكون ظالماً ولا فحّاشاً ولا بذيئاً، ولا ينبغي له أن يكون عاملاً بالشكّ والريبة والظنّ، ومن يفعل ذلك، لن يحظى إلّا بغضب الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة من أهل بيته عليهم السلام.

الضرب والشتم والسبّ التي يستخدمها بعض الرجال مع نسائهم ليست من الرجولة في شيء؛ لأنّ اللواتي يضربونهنّ لا حول لهنّ ولا قوّة، ولو كُنَّ غير ذلك لما تجرّؤوا على ضربهنّ أو سبّهنّ. هذا بالنسبة إلى الرجل، أمّا بالنسبة إلى المرأة اللعّانة السبّابة، فهي الأخرى مغضوبٌ عليها، ولا يُقبل لها عمل حسنٌ عند الله أبداً، ولن يتأتّى لها أن تشمّ ريح الجنّة.

وإنَّ الرجال والنساء الذين يستخدمون العبارات السافلة والوضيعة سيُحشرون -على حدّ ما جاء في الأخبار- وألسنتهم متدلّية على الأرض يسحقونها بأقدامهم، فيسأل من في الحشر عنهم، فيُقال لهم: إنّهم فئات عدّة: مجموعة أولى: اللعّانون السبّابون، ومجموعة ثانية: النساء اللواتي كنّ يشتمن أزواجهنّ ويرددن عليهم الكيل صاعين، ومجموعة ثالثة: الرجال الذين كانوا يضربون نساءهم ويشتمونهنّ، ويكيلون لهنّ شتّى التّهم الباطلة.

ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إنّي أتعجّب ممّن يضرب امرأته، وهو بالضرب منها أولى..."(3).

* على هيئة قبيحة
في بعض الأحيان، نرى أنّ أحد الرجال يبدو عليه الوقار والفهم، ولكنّه في الحقيقة، غير ذلك، كونه يسبّ ابنه ويوجّه له عبارات نابية. فالفرد الذي يشتم ويسبّ، يعتاد على هذه الحالة وتتحوّل بعد مدّة إلى "مَلَكة" أو بالأحرى "هويّة" له، وبناءً على قانون تجسّم الأعمال، لو تأتّى له أن يرى بعين بصيرته، لرأى نفسه بصورة أخرى بشعة.

جاء في الخبر أنّ الأرواح تصعد إلى ساحة الربوبيّة المقدّسة فور الموت، ومن ثمّ تُساق إلى الجنّة أو جهنّم، فإذا كانت الروح الصاعدة لأحد الخيّرين الملتزمين، من الذين كانوا يشيعون الهدوء والسكينة في الدار، ويترقّقون لأزواجهم وأبنائهم، عندها ستقول الملائكة: جاء السيّد، جاء المؤمن، جاء المسلم، وجاءت السيّدة، جاءت المؤمنة، جاءت الخيّرة، كونهم رضوا عن الله ورضي عنهم فأرضاهم.

* معاً في الآخرة
اللهمّ نقسم عليك بأولاد الحسين عليه السلام إلّا جعلت بيوتنا، وأزواجنا، وأبناءنا مبعثاً للسرور والبهجة والحبور، اللهمّ أسبغ على بيوتنا الهدوء والسكينة.

اللهمّ نقسم عليك بعزّتك وجلالك أن تمنّ علينا بأبناء صالحين مؤمنين، ونساء خيّرات مؤمنات، واحشرنا معهم في الآخرة كما كنّا نعيش معهم في الدنيا، إنّك أنت أرحم الراحمين، وصلّ اللهمّ على محمّد وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين.

(*) من كتاب الأخلاق البيتيّة، الفصل الخامس– بتصرّف.
1- من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج3، ص445.
2- وسائل الشيعة (آل البيت)، الحرّ العامليّ، ج20، ص163.
3- بحار الأنوار، المجلسيّ، ج100، ص249.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع