تحدّثنا في الحلقة السابقة عن اختيار الشريك المناسب الذي سيلعب دور الأب أو الأم والذي يعد من أحد أهم المراحل الأساسية في تربية الطفل.
فالأهل كما أسلفنا، يتدخّلون في البناء العقائدي للولد كما أنّهم يؤثّرون تأثيراً مباشراً في رسم ملامح شخصيته وأنماط طباعه وأمزجته. وحتى لا يبقى حديثنا دائراً في العموميات يتعيّن أن ندخل في صلب المعالجة الإلهية لمثل هذه المواضيع، ونبيّن تفاصيل وجوانب هذا الموضوع بالتحديد.
بعد أن ذكرنا في قصة نوح أن نشوء الولد في محيط كافر وفي ظروف مضلّلة ومنحرفة من شأنه أن يؤدّي إلى انحرافه عن جادة الصواب، ويؤسس فيه جذور الفساد والكفر، نلاحظ من مجموعة أخرى من الروايات التي تؤيدها الأبحاث العلمية الحديثة أن عدم الاختيار المناسب للزوج أو الزوجة يؤدّي في أغلب الأحيان إلى حدوث تشوّهات ونقص في الخلقة وهذا بدوره يصبح ساحة للتخلّف العقلي والنفسي. من هذه الروايات ما ينهى عن الزواج من الحمقاء أو رضاع الأولاد منها، وأيضاً الزواج من الأقارب الذين يؤثّرون في حدوث التشوهات البنيوية.
وفي كتاب فقه الرضا عليه السلام جاء: "إيّاك أن تزوج شارب الخمر فإن زوجته فكأنما قدت إلى الزنا" فماذا نتوقّع من مثل هذا المحيط العائلي الفاسد.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إيَّاكم وتزوج الحمقاء، فإن صحبتها ضياع وولدها ضياع".
وعن حسين البشار قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: "إن لي قرابة قد خطب إليَّ وفي خلقه سوء؟ قال: لا تزوّجه إن كان سيّء الخلق".
هذه الأحاديث وجملة أخرى تبيّن لنا بعض سبل اختيار شريك الزواج في طريق بناء أسرة متكاملة تنشأ في ظلّها الأجيال الصالحة وتنمو وتتفتّح القابليات والاستعدادات الإنسانية الكامنة في أعماق الطفل.
يقوم الزوجان بتأسيس أركان البيت العائلي الذي سيجمع في طيَّاته أعضاء الأسرة الواحدة. وفي هذا البيت سيكبر ذلك الإنسان الذي سيكون له أثرٌ عظيمٌ في تغيير العالم سواء في سعادته أو شقائه. وقد لاحظنا أن أغلب العظماء قد نشأوا نشأة سليمة خالية من العقد النفسية بعكس أولئك الذين ألحقوا بأممهم وشعوبهم الويلات والدمار وكانوا في أغلب الأحيان يعكسون رواسب التربية المنزلية السيّئة.
وفي البيت العائلي يتقاسم الوالدان دور التربية ويقوم كل واحد منهما بمجموعة من الأعمال الأساسية في حركة منظمة ومراقبة دقيقة. وما لم يتحقّق الانسجام المطلوب لمثل هذه العملية، فإن قسماً كبيراً مما يقوم عليه نجاح التربية سوف يذهب أدراج الفوضى.
عندما يخطئ الطفل أو يرتكب فعلاً سيّئاً تقوم الأم بالصراخ في وجهه وضربه، فيلتفت إلى والده علّه يجد فيه العون والملجأ وموقف الوالد هنا سوف يحدّد الأثر النهائي لفعل الأم فإذا دعاه الوالد إليه وعطف عليه لم يفهم الطفل حقيقة فعله لأن الحاكم الأساسي في البيت لم ينكر عليه ويعبس في وجهه وهذا ما يجعله يتجرّأ أكثر على تكرار الفعل. أما إذا سكت الأب وفي اللحظات المناسبة عندما يكون الطفل خارجا اتفق مع زوجته على كيفية العقاب، ثم قاما بعد ذلك بتنفيذ العملية التربوية بشكل منسجم، فإنّ الولد هنا سوف يدرك جيّداً أن هناك أمراً سيئاً قد فعله.
ولنفرض حالة أخرى تحدث عندما نريد أن نحذّر الطفل من شيء يؤذيه أو قبيح يرتكبه فإننا نستخدم في هذا المجال عملية التخويف من أمور وهمية: كالغول أو الجن أو الرعد. إن هذه الأمور بالإضافة إلى أنها ستترك أثراً نفسياً سيّئاً ينعكس في شخصية الطفل ضعفاً وجبناً واضطراباً، سوف يجرّئه على استعمال الكذب لتحصيل مآربه لأن الوالد هنا سوف يخبره أن ما قالته له الأم إنما هو مجرد كذب وهراء.
وهكذا نجد أن عدم الانسجام التام بين الزوجين يؤدّي إلى وقوع العملية التربوية في دائرة الفوضى والفشل، بل قد تنقلب أحياناً بعض الطرق السليمة وتفشل نتيجة عدم التنسيق التام بين الأهل. وهذا ما يؤكّد على أهمية اختيار الشريك المناسب في الحياة. ولا بأس هنا أن نذكر جملة من الروايات التي تنير لنا طريق هذا الاختيار.
- "أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستأمره في النكاح، فقال: نعم إنكح، وعليك بذوات الدين".
- وأيضاً عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من تزوَّج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها لم يرَ فيها ما يحب، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا وكّله الله إليه، فعليكم بذات الدين".
- وأيضاً عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "تنكح المرأة على أربع خلال: على مالها، وعلى دينها، وعلى جمالها وعلى حسبها ونسبها، فعليك بذات الدين".
- وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل نساء أمّتي أحسنهنّ وجهاً وأقلّهن مهراً".
- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته يخطب [إليكم] فزوّجوه إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
- وجاء رجل إلى الحسن عليه السلام يستشيره في تزويج ابنته، فقال: "زوّجها من رجل تقي، فإنه إن أحبّها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها".