تحقيق: غدير مطر
كثيرة هي الأحاديث المرويّة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، والتي قدّمت الحياء فضيلة أو قيمة إنسانيّة لا بُدّ من امتلاكها، فعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "الحياء هو الدين كلّه"(1)، وعنه أيضاً: "إنّ لكل دين خُلُقاً، وإنّ خُلق الإسلام الحياء"(2). واللافت أيضاً عندما يقرن صلى الله عليه وآله وسلم الحياء بالإيمان في قوله: "الحياء والإيمان في قرن واحد، فإذا سُلب أحدهما اتّبعه الآخر"(3)، وهذا ما أكّده الإمام الصادق عليه السلام في حديثه: "س"(4).
من هنا، جلنا على بعض الشباب سائلين حول انعكاسات الحياء على إيمان الإنسان وربطه بتقبّل الناس له أو نفورهم منه. فهل للحياء أثرٌ اجتماعيّ؟
* الحياء إيجابيّ وسلبيّ
"خصال حميدة، وفضيلة يحثّنا الله تعالى على التمتّع بها. هي قوّة تساعد الإنسان على رسم حدوده الشخصيّة بينه وبين الآخرين، بما يحقّق له قوّة الحضور بين الناس". هكذا عرّفت الباحثة التربويّة فاطمة نصر الله الحياء. أمّا كمفهوم، فتصفه نصر الله: "هو خلق عظيم يساعد الإنسان على تجنّب الوقوع في الأخطاء والتعدّي على حقوق الآخرين".
لكن هل سبق وسمعتم بعبارة "الحياء الإيجابيّ والسلبيّ" في مكان ما؟
ربطت سناء. م. "الحياء بشقّيه بالعمل؛ فالحياء الإيجابيّ يشكّل رادعاً للابتعاد عن المعاصي، والامتناع عن أيّ عمل غير لائق، أمّا الحياء السلبيّ، فبالعكس، يمنعنا عن القيام بالعمل الجيّد واللائق".
بدوره يرى فادي. م. أنّ "الحياء الإيجابيّ هو حياء إيمانيّ إلهيّ، يردع الإنسان عن ارتكاب المعاصي والذنوب التي تخالف التعاليم الإلهيّة وتتجاوز الحدود الشرعيّة، أمّا الحياء السلبيّ فهو نتيجة عدم الثقة بالنفس، والخوف من مواجهة الناس ومحادثتهم أو مناقشتهم بالحقوق الفرديّة، ممّا يعوق تطوّر الفرد، ويحدّ من طاقته".
تؤكّد ريان. س. أنّ "الحياء مطلوب من الشاب والفتاة على حدٍّ سواء"، كما تلفت إلى "ضرورة الالتزام بهذه القيمة في المواقف التي تستدعي ذلك، لكي لا تغلب صفة الخجل"، وتحدّثنا عن "طفولتها التي كانت مليئة بالمواقف الصعبة نتيجة لخجلها غير المبرّر في بعض الأحيان"، وتقول: "في إحدى المرّات، تعرّضت لموقف مهين لي ولعائلتي، وعلى الرغم من أنّ الحق كان معي، لكنْ لسكوتي عن هذا الحقّ صار ضدّي".
* بلا حياء.. بلا إيمان
كثيراً ما نستخدم عبارة "شخص بلا حياء"، فكيف يفهمها الناس؟ وما هو موقفهم من هذا الشخص؟
"من يتعرّض للناس بالإهانة والشتم، والمغتاب، وغير المحتشم، كلّها صفات يمكن أن أصف بها غير الحيي"، يقول فادي. م.
أمّا سناء. م. فترى في "الشخص الذي لا يملك حياءً شخصاً وقحاً"، وتضيف: "بالنسبة إليّ مثلاً، من يرفع صوته في وجه مسنّ أصفه بأنّه وقح".
الباحثة نصر الله ترى في تعبير "شخص بلا حياء"، تعبيراً دقيقاً جدّاً، فهو "لا يمتّ للحياء ولا حتّى للخجل بصلة"، وتضيف: "من ننعته بهذه الصفة، غالباً ما نقصد أنّه وقح، متعدٍّ على الآخرين، قاسي القلب، غير منضبط، وغير لائق في مواقفه".
* فاقد الحياء منبوذ
تقول ريان. س. عن نظرتها لمن لا يتحلّى بالحياء: "من ليس لديه حياء لا يملك شيئاً، بنظري هو شخص مجرد من أيّ صفة أو قيمة أخرى، فالحياء قوّة، وعدم الحياء ضعف".
أمّا غوى. د. فتقول إنّ "بعض الناس يتذرّعون بالحياء، فهم يستحيون من الناس لا من الله، وهنا تكمن المصيبة العظمى". بالنسبة إلى آمنة. ق. فإنّ "الابتعاد عن الذين لا يملكون حياء هو سيّد الموقف".
"عدم الحياء من أقبح الصفات التي يمكن أن يتّصف بها الإنسان في مجتمعنا؛ إذ عندما يُقال عن فلان بلا حياء، تلقائيّاً سيتجنّبه الجميع كردّ فعل بديهي، فهذا الفلان يعني بالنسبة إلى الناس شخصاً بلا حدود ولا ضوابط، وقح وبلا أخلاق".
لفتت فاطمة. ي. إلى "استهانة الناس، وخاصّة جيل الشباب، بقيمة الحياء في أيامنا هذه" لتكمل: "على وسائل التواصل الاجتماعيّ مثلاً، تخطى الشباب والفتيات حدود التعاطي الأخلاقيّ والتعامل المنسجم مع مبادئنا التي تربّينا عليها. الكثير يكتب ما بدا له من كلمات ومشاعر، دون الاكتراث بالضوابط الأخلاقيّة لذلك".
سارة. ج. تؤكد: "نظرتي للشخص الفاقد لقيمة الحياء مختلفة، فالشخص غير الحيي تختلف طريقة التعاطي معه، لذلك أتفادى صحبته وأيّ صلّة وصل به".
وتضيف: "لا أطيق التعاطي مع هذا النوع من الناس، لأنّهم يمثّلون بالفعل كلّ صفات الإنسان غير الخلوق والوقح، الذي ليس لديه أيّ حدود ولا ضوابط تردعه عن تصرّفات قد تؤذي المجتمع كلّه أحياناً".
"إن تعرّضت لموقف ما استدعى مواجهتي لشخص بلا حياء، أتفاداه فوراً، لا يمكنني التحدّث إليه، فأنا أتّسخ أخلاقيّاً بمجرّد الاكتراث له"، تقول حوراء.
* "وافعل ما شئت"
"إذا لم تستحِ، فافعل ما شئت"، من الأحاديث المتداولة بيننا بكثرة، تفسّره الباحثة فاطمة نصر الله: "هو قول ينضمّ إلى مفهوم عدم الحياء، بحيث إنّ الإنسان إذا لم يستحِ، فبإمكانه فعل ما يشاء؛ لأنّ الحياء رادع، وهو نوع من الصفات تحدّد للإنسان ما إذا كان سيُقدم على أيّ عمل أو يمتنع عنه". تضيف نصر الله: "إذا نظرنا إلى الأحاديث المرويّة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته عليهم السلام نرى أنّ الحياء والإيمان متلازمان. هذا التلازم يجعل الحياء فضيلة من الفضائل التي يجب على الإنسان التحلّي بها؛ لأنّها صفة من صفات الإيمان"، وتؤكّد: "على المؤمن أن يستحي من خالقه، وأن لا يتجاوز حدوده، فهذه القوّة؛ أي الحياء، تمنعه من ارتكاب المعاصي".
* صفات محمودة ومنبوذة
تميّز الباحثة فاطمة نصر الله الفرق بينهما بالقول: "عندما نتحدّث عن الحياء، فإنّنا نتحدّث عن الصفة الإيجابيّة في الإنسان؛ الحياء الإيجابيّ من الفضائل التي تعطي الإنسان القوّة في شخصيّته بما يحقّق له حضوراً إيجابيّاً، ويساعده على رسم أسلوب التعاطي مع الآخرين بما يتناسب مع نفسه ومع الآخر". وتضيف: "يمكن أن نلحظ الحياء مقترناً بالكثير من الصفات الإنسانيّة المحمودة التي يتمتّع بها الإنسان المتوازن. والحياء لا يمنع الإنسان من المطالبة بحقّه وتحصيل أهدافه بطريقة لائقة وراقية، دون التعدّي على الآخرين". أمّا فيما خصّ الحياء السلبيّ، فترى نصر الله أنّه: "لا يمكننا القول إنّ ثمّة حياءً سلبيّاً؛ لأنّه عندما يصبح كذلك، فإنّنا نطلق على هذا الموقف كلمة الخجل المخالفة للحياء. وهو إحدى الصفات التي تعوق الإنسان عن التواصل السليم مع الآخرين بما لا يحقّق أهدافه، فيخسر الكثير من المواقف نتيجة شعوره هذا. والخجل من الصفات السلبيّة التي تمنع الإنسان من تأسيس العلاقات الاجتماعيّة بسبب عدم امتلاك القدرة على مواجهة المواقف الحياتيّة المختلفة".
* الحياء مواقف
"أحياناً أخجل من المطالبة بحقّي، استحياءً من عادات وأعراف فرضها المجتمع والتربية عليّ، ولكن الآن بتّ ألتفت إلى أنّ هذا الخجل سلبيّ، لذلك عليّ المطالبة بحقوقي مهما كانت"، تتحدّث سناء. م. بامتعاض.
تشير غوى. د. في معرض حديثها إلى الفترة الزمنيّة التي لم تكن فيها قد ارتدت الحجاب بعد: "عندما كنت أقصد منزلاً ملتزماً دينيّاً، كنت أضع منديلاً على رأسي احتراماً واستحياءً، وبعدها مَنّ الله عليّ بارتداء الحجاب الذي طالما أحببته، ورأيت فيه رادعاً لا مثيل له، فالحجاب حياء". وتضيف: "هذا لا ينفي ضرورة تحلّي الرجال أيضاً بالحياء، فكما فُرض على المرأة أن تتحلّى بالحياء المترجم بتصرّفات معيّنة، كذلك على الرجل أن ينتبه إلى حيائه، يجب أن يكون حييّاً".
* لا حياء في الدين
فادي. م. يتحدّث عن الحياء السلبيّ: "ثمّة من لديه خجل في مسألة التفقّه في الدين أو حتّى في مجرّد الاستفسار عن مسائل شرعيّة، قد توقعه في المحرّمات أحياناً، فقط لخجله من السؤال عنها".
إيمان. ج. لم تتجرّأ في الدفاع عن نفسها وأولادها بعد وفاة والدهم، أو حتّى عن حقّها في الزواج مجدّداً، وهي تتعرّض لشتّى المواقف المهينة، ومع ذلك تخجل وتخاف من الردّ، ولا تعرف أهو حياء من الله، أم من الناس؟!
تُدوّن سحر. ظ. لائحة بمستحقّاتها الماليّة من أصدقائها وأقاربها "التي قدمتها لهم تحت عنوان الدَّين، وأخجل من المطالبة بها، على أمل أن يعيدوها إليّ بإرادتهم، فالمبلغ صار طائلاً، لكنّني لم أطالب أحداً يوماً، على الرغم من وقوعي في ضائقة ماليّة حاليّاً".
* الحياء متفاوت
الكلّ اكتسب حياء بدرجات متفاوتة، تبعاً لعوامل مؤثّرة في شخصيّته، إن كان على مستوى الحياء السلبيّ أو الإيجابيّ، ليبقى السؤال مفتوحاً: "ما هي العوامل المؤثّرة في بناء شخصيّة الفرد الحييّ؟ ومتى علينا أن نتّصف بالحياء الإيجابيّ وأن نبتعد عن الوقوع في شباك الخجل السلبيّ؟".
1- ميزان الحكمة، الريشهريّ، ج1، ص717.
2- مستدرك الوسائل، الميرزا النوريّ، ج8، ص465.
3- بحار الأنوار، المجلسيّ، ج68، ص335.
4- الكافي، الكلينيّ، ج2، ص106.