نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الافتتاحية

خط الإمام الخميني خط أهل البيت عليهم السلام


هي صورتك العلياء لم تبرح مخيلتي وأنت تقف بشموخ، تحرك بكلماتك الهادرة جموع الملايين تبعث في أرواحهم شذرات المعاني، وتوقد في أعماقهم مصابيح الهداية، تعيد إلي حياتهم ذكرى الأطهارعليهم السلام الذين حفظوا الإسلام بأنفسهم الزكية.
هو وجهك الوضاء الذي يشع منه بريق يضي‏ء الآفاق هو نورك يسري في دياجي الظلمات، يقتبس منه السالكون في قافلة الانعتاق.
يا خميني...

لم يبرح الخميني، العبد الصالح، مجاهداً في سبيل الله، آخذاً بثأر جده، ثار الله في كل مواقفه حتى امتزج بروح الإسلام، فأصبحت كلماته منارة درب سفن العاشقين.
إن من ينظر متدبراً فيما فعله الإمام وما كتبه في حياته يدرك أنه كان في حركة دؤوبة لا تعرف الراحة والانتظار لأجل إحياء معالم الإسلام. ومن يعطي لنفسه متسعاً للبحث في علمه يدرك أنه متفرد في كل شي‏ء - رغم أنه لم يدّع لنفسه شيئاً.
فهو في الفقه قائد ثورة فقهية، رأى الإسلام كلاّ واحداً، لا يتجزأ، تجتمع أحكامه في روح واحدة تقود الإنسانية بفرديتها إلى السعادة وبجماعتها إلى الدولة العادلة. "إن الحكومة الإلهية بنظر الفقيه الواقعي هي الفلسفة العملية لكل الفقه بكل أبعاده" (بيان 15 رجب 1409).
لم ير الإسلام خارج نطاق الحكم والحكومة الإلهية. بل وجده فاقداً للقيمة يعيش حالة الاستثناء بمعزل عنها. وفي العديد من فتاواه الشرعية التي بينها في مرحلة ما قبل الجمهورية وبسط نفوذ الفقيه العادل، كان الاستثناء هو الحاكم. وعندما انتصرت الثورة الإسلامية المباركة أرجع الإمام كل ما كان غائباً عبر قرون القهر والتشريد الذي قاساه الفقهاء العظام أتباع أهل البيت عليهم السلام.

ويفي أن ننظر إلى فتاواه بالنسبة لخمس المناجم في الدولة الإسلامية، أو فتوى قطع أشجار الغابات ففيهما يظهر جلياً أن الإمام يرى الاستثناء فيما اشتهر في عصر الغيبة، وأن الأصل في الفتوى هو في وجودها وانطلاقها داخل الدولة الإسلامية ومع بسط النفوذ.
كانت ثورة الإمام دعوة واضحة لإعادة النظر في عمق التشريع والحركة الفقهية. وأن ما قدمه الإمام في هذا المجال يلقى الحجة الناصعة على كل الذين يريدون للإسلام أن يكون حاكماً وكلمة الله هي العليا.

ومن أهم ما بيّنه الإمام ما جاء حول نظام الحكم وعلاقة المرجعيتين، ففي البيان الذي أصدره في الخامس عشر من رجب (سنة عروج روحه من دار الفناء) أوضح الإمام أن المرجعية التي تعنى بالشؤون الفردية أو العبادية بالمعنى الشهور ينبغي أن ترتبط بالزمان والمكان، لأنهما شرطان واقعيان في معرفة الموضوع الذي يريد الفقيه تحديد الحكم الشرعي له. ومن هنا فقد مزج الإمام ما بين الفقه التقليدي الذي عبر عنه في أحيان كثيرة بالفقه الجواهري - وبين الفقه المتجدد (بالفارسية فقه يويا). وقد أكد على ضرورة الحفاظ على طريقة السلف الصالح في الفقهاء من البحث الفقهي والاجتهادي، لأن ما وصل إليه هؤلاء من طريقة البحث باستخدام القواعد الأصولية وتطويرها يمثل حالة متقدمة جداً تختصر مئات السنين من العمل المضني، وحتى لا يضيع الإسلام في متاهات القياس والاستحسان فلا يبقى منه إلا رسمه كما حصل مع الفرق الأخرى. وفي نفس الوقت لكي لا يجمد هذا الدين العظيم فلا يقدر على الإجابة عن المعضلات الاجتماعية الأساسية.


يقول قدس سره:
"إن الهدف الأساسي هو تطبيق الأصول الثابتة للفقه في عمل الفرد والمجتمع، ونتمكن من الحصول على جواب للمعضلات إن جل خوف الاستكبار يرجع إلى هذه المسألة، وهي أن يمتد للاجتهاد بعد عيني عملي، وأن يخلق في المسلمين روح التعامل والحركة". (15 رجب - 1409).
فعندما طرح الإمام فقه الإسلام الأصيل كحل لكل مشكلات المجتمع الإنساني ارتعد الغرب وخشي الاستكبار من نفوذ الإسلام وقوته. وفي الوقت الذي كان الإمام يقود حركة الإسلام المقاوم كانت الجماعات المختلفة تطعن في الظهر... يقول الإمام قدس سره: "إن حجم الضربة التي تلقاها الإسلام من هؤلاء المتقدسين المتظاهرين بصورة أهل العلم لم يتلقها من أية فئة أخرى".
كان الإمام يحرك الأفكار نحو فهم جوهر الإسلام وحقيقة الولاية وامتزاج الحكومة والجهاد بكل مبادئه، وكان الآخرون - وتحت شعار التقدس وحفظ الفقه من الضياع - يجزئون تعاليمه لتفقد روحها الأصيلة جاعلين هذا الدين عرضة للضياع والبوار.
لقد تقدم الإمام بقوة وشجاعة، وكجده أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن يخشى أحداً في حياته، وعرض المبادئ‏ الأصيلة والمعاني العميقة بأسلوبه الروحاني، فنفذت إلى أعماق الطالبين وسرت في حركتهم لتفجر ثورة اقتلعت عرش الظالمين.

أما أولئك الذين مات الإسلام في نفوسهم فيخاطبهم الإمام: "والبعض الآخر من المتظاهرين بالروحانية والذين كانوا يفصلون الدين عن السياسة ويتزلفون على أعتاب البلاط الملكي، انقلبوا فجأة وأصبحوا متدينين وأخذوا يكيلون تهم الوهابية وما هو أسوأ منها إلى العلماء الأعزاء والشرفاء الذين تحملوا في سبيل الإسلام كل هذه الصعاب والتشريد والتهجير" (بيان 25 رجب 1409هـ).
لقد رأى الإمام أن سير العارف وسلوكه إلى الله لا يمكن أن يتحقق بحقيقته ما لم يكن مجاهداً في سبيل الله وخادماً لعيال الله وخلقه، وكان الإمام يؤكد على هذا الموضوع في فلسفته العملية والنظرية للعرفان الأصيل. ومن الملف الواضح أن الإمام مع غور قدمه في ميدان العرفان العميق لم يفصل تعاليمه عن الحركة الاجتماعية للإنسانية.

يقول سلام الله عليه:
"وصية من أب كهل... إلى ابن ينعم بنعمة الشباب وأمامه فرصة لتهذيب النفس وخدمة خلق الله".
ثم يقول مجدداً:
"وإنني آمل أن يرضى الله الكبير عنك ويرزقك أكبر توفيق!! في خدمة المحرومين".
فخدمة المحرومين تعتبر من أكبر التوفيقات الإلهية، التي تمثل حالة معنوية عالية جداً.
والسلوك العرفاني الذي يمثل روح التعليم الإلهية ينطلق من خدمة الناس. هذه الخدمة التي تتجلى في أعلى صورها بالجهاد في سبيل الله وإقامة الحكومة الإلهية العادلة.

وحيث أن الحكومة بنظر الإمام هي فلسفة الإسلام فقد اقتضى أن لا نراها بمعزل عن أحكامه وتعاليمه، وإلا وقعنا في شبهة الفصل. وفي الوقت الذي جاء الإسلام ليكون هادياً مرشداً وسبيلاً ساطعاً، قد يتحول إلى مجموعة متناثرة من الكلمات (والتي ربما يعلمها المستشرقون أكثر من غيرهم في حالة تم عزله عن حركة الواقع بكل تفاصيله.
لقد حدد الإمام قمة العرفان النظري في "مصباح الهداية" وأشار إلى روح الإسلام والدعاء في "شرح دعاء السحر، وبين طريقته العرفانية العملية في "الآداب المعنوية للصلاة"، وأزاح عن الأخلاق حلال الجمود والتشتت في "الأربعون حديثاً"، وقدم مبادئه الأصولية والفقهية في كتاب "البيع" "كتاب الطهارة". وكانت "صحيفة النور" التي جمعت كل أقواله وخطبه منهجاً منيراً للعاملين في الحكومة الإسلامية والسائرين على نهجها. ورسم للأمة طريق الكفاح وبين للقادة كل ألاعيب الشرق والغرب، وكشف القناع عن تزييف الحكومات وأقاويل الفئات، وأعاد إلى الأذهان صورة الولي الأعظم الذي ستبقى الثورة له ما دام الإمام في القلوب.

والسلام‏

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع