صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

مجتمع: أهل الخير


تحقيق: نانسي عمر


منذ أن بدأت الأزمة السياسيّة - الاقتصاديّة في لبنان، حلّت معها أزمات كثيرة، على رأسها الأزمة الاجتماعيّة التي جعلت قسماً كبيراً من الناس تحت خطّ الفقر. كثيرون فقدوا عملهم، وآخرون احتُجزت أموالهم في المصارف، أمّا القسم الأكبر فهم الذين تأثّروا بارتفاع أسعار السلع بشكل مخيف، أصبح معه تأمين لقمة العيش لأسرة مكوّنة من عدد قليل من الأفراد يتطلّب مبلغاً ماليّاً يتجاوز الحدّ الأدنى للرواتب بأربعة أضعاف. 

ولأنّ بيئة المقاومة التي تتّخذ من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام قدوةً في الإيثار والتكافل والشعور بالفقراء، وتحت عناوين كثيرة، وعلى مساحة الوطن، انطلقت مبادرات فرديّة ومشاريع تكافليّة في معظم المدن والبلدات اللبنانيّة، هدفها مساعدة العوائل المتعفّفة التي أنهكتها الظروف الاقتصاديّة في البلاد، عبر توزيع الموادّ الأساسيّة لهذه العوائل لتعيش بكرامة دون منّة من أحد. 

في هذا التحقيق نعرض بعضاً من هذه المبادرات من أهل الخير. 


•تعاونوا على البرّ
"لا يشعر بالفقير إلا من عانى من الفقر"، عبارة وإن لم تكن دقيقة أو صحيحة، إلّا أنّنا كثيراً ما نسمع تردادها، كما يستهلّ بها أصحاب الأيادي البيضاء حديثهم عند سؤالهم عن سبب اندفاعهم لخدمة المحتاجين. لم ينتظر أحد منهم جهةً أو مسؤولاً أو بلدية أو منظّمة تدعمهم، بل "تعاونوا على البرّ"، وجمعوا من أموالهم وأموال المتبرّعين الخيّرين من المواطنين والمغتربين، وقدّموا كلّ ما يمكن أن يقدّم لمجتمع كلّ ذنبه أنّه مقاوم للذلّ والظلم والاستكبار. 

•كجسد واحد
أبو الفضل ش. اسم بات معروفاً على وسائل التواصل الاجتماعيّ المختلفة، وهو الذي عُرف بنخوة عظيمة، من خلال اندفاعه لخدمة الناس سرّاً قبل أن يكشفه جمهوره من المحبّين الذين صاروا يشكرونه علناً على مواقع التواصل على كلّ مبادرة خيّرة يقوم بها، كنوع من ردّ الجميل من جهة، ولتشجيع الآخرين على الاقتداء به من جهة أخرى.

يقول أبو الفضل: "نشأتُ في عائلة فقيرة، وعملت في أماكن عدّة لأؤمّن مصروفي، ولست أخجل بماضيّ، لأنّني منه استقيت حبّ الفقراء"، ويضيف: "إنّ مدرسة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام علّمتنا أن نكون إلى جانب بعضنا بعضاً، جسداً واحداً، إذا تداعى منه عضو اشتكت جميع الأعضاء، لهذا أشعر بشيء في داخلي يشدّني إلى هؤلاء المحتاجين، فلا أقوى على ردّ أحد منهم. وأنا أعمل مع مجموعة من الأصدقاء والمعارف على تقديم المساعدة أو جمع التبرّعات أو تفعيل علاقاتنا لتحقيق الخدمة المرجوّة، كإدخال شخص إلى المشفى، أو إجراء عمليّة جراحيّة لا يمكنه تحمّل نفقتها، أو تأمين أثاث منزل لعائلة محتاجة، أو أيّة خدمة أخرى يطلبها منّا الناس". ويتابع: "هدفي لم يكن يوماً دنيويّاً على الرغم من فرحتي بزرع البسمة على شفاه المحتاجين، والتي لا توازيها فرحة، لكنّ الهدف الأسمى يبقى مرضاة الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، الذين علّمونا أن نكون متكاتفين متكافلين".

•رحماء بينهم 
"لأنّ الناس يجب أن يرحموا بعضهم بعضاً حتّى يرحمهم الخالق، بدأنا مشروعنا الذي يهدف إلى إعالة العوائل المحتاجة في بلدتنا بالحدّ الأدنى، من خلال توفير كلّ ما يمكن أن يحتاجوا إليه لحياة لائقة وكريمة، من ثياب وأدوات منزليّة وكهربائيّة، وصولاً إلى الطعام والدواء"، تقول الحاجة آمنة، وهي متطوّعة مع عدد من الإخوة والأخوات ضمن مشروع خيريّ في بلدتها الجنوبيّة. وتتابع: "عملنا على وضع جميع الأغراض التي تبرّع بها الخيّرون من بلدتنا والبلدات المجاورة في مستودع كبير وقمنا بتوضيبها حتّى يأتي كلّ محتاج ويأخذ ما يريد، دون أن يراق ماء وجهه، ودون منّة من أحد. هذا واجبنا، وسنكمل الطريق طالما فينا نَفَس يخرج من صدورنا".

•الدالّ على الخير كفاعله
انطلاقاً من هذه العبارة، تعمل الحاجّة أم محمّد م. على مختلف الصعد سعياً لتحصيل خدمة لمحتاج هنا أو هناك. تعلن عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ عن وجود حالات تحتاج إلى المساعدة، لعلّ أحد الخيّرين تصله الرسالة فيتبرّع بمال أو دم أو أغراض منزليّة، أو يساهم على الأقلّ في نشر الحالة مجدّداً على حسابه وبين أصدقائه ومتابعيه، لتصل إلى أكبر عدد ممكن من الخيّرين. "أنا لا أتسلّم أيّ مبلغ نقديّ أو مساعدة عينيّة، إنّما أعمل كصلة وصل بين المحتاج والمتبرّع، وأسهّل على الخيّرين وصولهم إلى أصحاب الحاجة الذين يستحقّون المساعدة فعلاً، وهم كثر في أيّامنا هذه، وطبعاً، بعد التأكّد من صدقه وأحقيّته في المساعدة. وكثيرون هم من يفتّشون عن محتاجين ليتبرّعوا ويتصدّقوا ويحصّلوا أجر المساعدة، ولكنّهم لا يعرفون كيف يصلون إليهم، وما يمكنهم أن يقدّموه، من هنا، شعرت أنّ من واجبي معاونة الطرفين ليصل كلّ منهما إلى هدفه".

•جهاد في كلّ الميادين
وتحت عنوان "لا نسألكم عليه أجراً"، ولدت مبادرة شبابيّة بسيطة في البقاع الأوسط من رحم الأوضاع الراهنة التي يعيشها الناس في المجتمع اللبنانيّ. 

يقول علي ن. أحد المتطوّعين في المبادرة: "انطلاقاً من حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي يقول إنّه: "من أصبح ولا يهتمّ بأمور المسلمين فليس منهم"(1)، "ومن سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين ولم يجبه فليس بمسلم"(2)، كانت بداية المشروع بشكلٍ فرديّ مستقلّ من قبَل مجموعة من الشبّان -أغلبهم من مجاهدي المقاومة- وكان الشعور بالمسؤوليّة تجاه عوائلنا وأهلنا هو الشرارة الأولى التي جعلتنا نوحّد الجهود ونرتّبها في إطار حملة من شأنها أن تظلّل الشعور بالتكافل بين الأسر كافّة ضمن الإطار الجغرافيّ الضيّق الذي يسكن فيه هؤلاء الشبّان".

ويتابع: "من قدّم دمه ونفسه وابنه وأهله في سبيل الله، لن يبخل حتماً بتقديم ماله. لذا انطلقت الحملة ببركة صاحب العصر والزمان عليه السلام في ليلة النصف من شهر شعبان المبارك، بإعلان على صفحة أحد الإخوة على الفايسبوك، ومنّ ثمّ عبر اتّصالات مباشرة مع الإخوة المجاهدين والميسورين من أهل المنطقة. وبالتزامن تمّ وضع جدول زمنيّ وبرنامج منظّم حول العناوين التي يجب أن تستهدفها هذه الحملة. فقمنا بإحصاء عدد الأسر المتعفّفة وترتيبها بحسب حاجاتها. بعدها بدأنا بشراء السلع الأكثر احتياجاً إليها وتوزيعها على العائلات. وفي المرحلة الثانية، قدّمنا بونات يحصل من خلالها المشتري (تحديداً المعيل غير المنتج) على حسم في المتاجر على السلع الأساسيّة. أمّا في المرحلة الثالثة، فقمنا بتوزيع مبالغ ماليّة بما تيسّر على الأُسر المتعفّفة. الهدف الأساسيّ للمشروع -بحسب عليّ- منذ بدايته وحتّى نهايته هو رضى الله تعالى ورسوله وأهل بيته (صلوات الله عليهم) أوّلاً، ومن ثمّ إشاعة جوّ من التكافل الاجتماعيّ والتضامن بين أبناء المجتمع الواحد ثانياً. 

•أفضل من العبادة
بمبادرة فرديّة وشعور بالمسؤوليّة تجاه العوائل المتعفّفة، بدأت فاطمة نشاطها الاجتماعيّ في الحيّ الذي تسكن فيه، وتوسّعت فيما بعد إلى أكثر من منطقة بالتعاون مع بعض الخيّرين. تقول فاطمة: "عملي بدأ بالأساس بجمع الثياب وتوزيعها على من يحتاج إليها، خصوصاً الحوامل اللواتي لم يكن لديهنّ ثمن جهاز الطفل قبل موعد الولادة. كنت أتواصل مع بعض الخيّرين وأضع منشورات على وسائل التواصل الاجتماعيّ لجمع التبرّعات العينيّة والماديّة للمحتاجين، الذين تأكّدت بنفسي من حاجتهم، ثمّ أقوم بشراء احتياجاتهم من ملابس وأدوات منزليّة ومواد غذائيّة وأدوية، وكذلك احتياجات الأطفال المختلفة. وفي الآونة الأخيرة، تعاوننا مع بعض العوائل على سدّ بعض ديونهم وإيجارات منازلهم، وتأمين أقساط عمليّات جراحيّة، أو ترميم بعض المنازل التي كادت أن تسقط على رؤوس أصحابها".

إنّ مجتمعاً غنيّاً بالقيم وبتعاليم نبيّ الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، ليصعب على الأعداء أو الظروف أن تنال منه، بل إنّ كلّ شدّةً وبليّةً ستكون محطّةً لولادةٍ جديدة، كما يلد مجتمعنا اليوم إلى جانب أبطاله، كثيراً من أصحاب الأيادي البيضاء.. وأهل الخير "لقدّام".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع