زينب فهدا
إنّ للأمّ مقاماً مقدّساً؛ لقوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (الإسراء: 23). وأمام ما تبذله لرعاية أبنائــها وتربيتهم، وما تتحمّله من الصعاب والمتاعب، والإرهاق النفسيّ والجسديّ، فإنّ عيد الأمّ يصبح بمثابة مناسبة عرفيّة في غاية الأهميّة، تقديراً لها وتعبيراً عن الحبّ والشكر والامتنان لتضحياتها وعطاءاتها.
وكما أنّ الإنسان بطبيعته وفطرته يقدّم الشكر لكلّ من رفع له حاجة، أو مدّ له يد المساعدة، فكيف بالأمّ التي تقدّم بتفانٍ، ومن دون مقابل؟ فهي الأحقّ بالشكر والتقدير. لذلك، عندما سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حقِّ الأمّ وكيفيّة برّها، قال: "هيهات هيهات، لو أنّه عدد رمل عالج، وقطر المطر أيّام الدنيا، قام بين يديها، ما عدل ذلك يوم حملته في بطنها"(1). ولبرّ الأمّ وسائل وطرق شتّى، والاحتفال بها وتكريمها في هذا العيد مصداق من مصاديقه. وكما على المسلم أن يُكرم أمّه ويبرّها في كلّ يومٍ من أيّام السنة، كذلك يمكنه في الحادي والعشرين من آذار -عيد الأمّ- أن يُظهر ذلك البرّ جليّاً، وبطرقٍ متنوّعة.
•كيف أحتفل بعيد الأمّ؟
أجمل صور المحبّة والتقدير للأمّ في عيدها يكمن في تقديم الهدايا لها؛ إذ الهديّة مظهرٌ من مظاهر المحبّة والودّ، إلّا أنّ الاحتفال بعيد الأمّ هذا العام سوف يكون مختلفاً عن الاحتفالات المنصرمة، من ناحيتين، الأولى: الإجراءات الصحيّة المفروضة -الحجر المنزليّ- جرّاء انتشار فيروس كورونا، والذي قد يمنع العائلة من الاجتماع حفاظاً على صحّة أمّهم، والثانيّة: الضغوطات الماليّة الصعبة التي صاحبت انتشاره. ولكن لكي لا تُهمَل هذه المناسبة التي تحمل في طيّاتها أسمى معاني التقدير والعرفان، يمكن لكلّ شخص اختيار الطريقة التي تناسب وضعه؛ إذ إنّ المطلوب هو التعبير عن مشاعر الحبّ، وليس الوقوع تحت عبء ثمن الهديّة أو قيمتها.
لذلك يمكن اختيار:
1- هدايا ماديّة: باقة من الزهور، أو قطعة من الثياب أو العطورات، أو بعض الأدوات المنزليّة، أو بعض الآلات الرياضيّة التي تفيدها في المحافظة على صحّتها، أو نبتة تزرعها في حديقة منزلها.
2- تغيير روتينها اليوميّ: الخروج معها إلى مكان ترغب فيه كزيارة رحم أو إلى الطبيعة، أو المشي معها في الصباح الباكر، أو الجلوس معها، أو مساعدتها في أعمال المنزل، وإعداد وجبة الطعام المفضّلة لديها.
3- رسالة جميلة: تجتمع العائلة لكتابتها أو تسجيلها، تتضمّن كلمات شكر وامتنان والدعاء لها بدوام الصحّة والعافية.
4- إشراكها في دورات: مثل دورات وورش التنميّة البشريّة، والتي تتعلّم من خلالها أشياء جديدة، وفي الوقت نفسه تشغل أوقاتها بأشياء مفيدة لها.
5- مساعدتها في إكمال دراستها: إذ إنّ كثيراً من الأمّهات اضطررنَ إلى ترك مقاعد الدراسة للاهتمام بأسرهنّ، ومتابعة شؤون أولادهنّ، ولذلك يمكن للأبناء تشجيعهنّ على إكمال الدراسة، وتوفير سبل التّعليم لهنّ ومساعدتهنّ.
6- إعداد ألبوم جميل: من خلال جمع الصور التي تجمع أفراد العائلة؛ فإنّ ذلك سيُعيد لها ذكرياتها وجميع الأيّام الجميلة التي عاشتها، أو اختيار صورة جميلة عائليّة ووضعها في إطار (برواز) مناسب، وإهداؤه لها.
7- الاحترام والتقدير: من أهمّ الهدايا التي يمكن أن تتأثّر بها الأمّ بشدّة، هي تعليم أحفادها كيفيّة احترامها وتقديرها.
8- هدايا خاصّة بالأمّ المتوفّاة: لا بدّ من التأكيد أنّ على الأولاد واجبات عليهم القيام بها بعد وفاة أمّهاتهم أيضاً، قد تبرز بشكل أكثر في هذا اليوم، مثل زيارة قبر الأمّ، أو التصدّق عنها، أو إهداء ختميّة قرآن إلى روحها، أو زيارة أقربائها.
•المجاهدون وعيد الأمّ
لم يغفل المجاهدون حتّى في وصاياهم عن ذكر عظمة الأمّ ومكانتها المقدّسة، وإحياء عيدها بطريقتهم، فهذا الشهيد أمير عبّاس الصاروط، الذي استشهد بتاريخ: 26/05/2013م، يطلب في وصيّته من الباري عزّ وجلّ أمرين: "لو الله ردّني عهالدنيا، بطلب منّو يردني كرمال شغلتين؛ أوّل شغلة كرمال أُقتل في سبيل الله مرّة تانية، وتاني شغلة كرمال إشرب ميّة إجريك يا إمّي!".
أمّا الشهيد حسين علي حيدر، الذي استشهد بتاريخ: 21/03/1985م، فلم ينسَ هديّة أمّه أيضاً. فبعد أن ودّع والدته بثغرٍ مبتسم في ذلك اليوم، صدح صوت من مئذنة مسجد قريتهم: قتلاكم في المسجد، فذُعرت والدته وخرجت فوراً وقلبها يسبق خطواتها، إلى أن وصلت إلى المسجد لترى حقيقة ما يجري، لتجد الجثامين بعضها فوق بعض! انتبهت إلى سروال تعرفه. قلبت صاحبه، وإذ بها تصرخ: "يا كبدي، يا عمري، يا حسييييييين". رجعت إلى بيتها، وهي لا تدري ماذا تفعل. فتحت من غير وعي خزانة حسين. وبينما كانت تشمّ رائحة ثيابه، وقع كيس على الأرض، فتحته فوجدت داخله ورقة. نادت ابنتها لتقرأ ماذا فيها، فكانت لها هذه الرسالة: "أمّي الحبيبة، كلّ عيد وأنت بألف خير يا أحلى أمّ. خبّيتلّك هديتك لليوم".
أمّا الشهيد محمّد قاسم عبد الله (هادي غملوش)، فقد كان لعبارة: "إنّي أريد أماناً يا بن فاطمة مستمسكاً بيدي من طارق الزمن" وقعٌ عزيزٌ على قلبه، فانتقاها لوحةً خشبيّةً صغيرةً كهديّة متواضعةٍ لأمّه قبل ذهابه إلى حلب. وقد أصرَّ قبل مُضيّه، أن يبحث عن هديّة جميلة لها، وكأنّه أبى أن يكون غائباً عنها في يوم الحادي والعشرين من آذار، فكتب إلى زوجته: "زوجتي العزيزة، قدّمي اللوحة لأمّي في يوم عيدها وكأنّني بينكم… وقولي لها إنّها هديّةٌ عظيمة الشأن"!
كلّ عيد وجميع الأمّهات بخير.
1.مستدرك الوسائل، النوري، ج15، ص203.