مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شهيد الدفاع عن المقدّسات مهدي محمود بحمد (ولاء)

نسرين إدريس قازان
 

اسم الأمّ: دلال حرب.
محلّ الولادة وتاريخها: جبشيت 3/8/1991م.
الوضع الاجتماعيّ: عازب.
رقم السجل: 168.
مكان الاستشهاد وتاريخه: تدمر 11/7/2015م.

لم تجد الناظرة بُدّاً من حضور والدَيْ مهديّ، تلميذ الروضة الأولى إلى المدرسة؛ فما يفضي به لرفاقه من قصص أوقع الخيفة في نفسها، من أن يتناقله الأطفال إلى أهليهم، فجاءت أمّه على عجالة، وهي تحاول البحث عبثاً في خلدها عن احتمالٍ لسبب ما لهذا الاستدعاء، لطفلٍ قد بلغ لتوّه الثالثة من عمره!

صواريخ في العليّة
هناك سمعت ما لا يخطر في بال أحد. فبعد أن تأكّدت الناظرةُ والمعلّمات من أنّ والد مهدي يعملُ "ورّاق باطون"، سألتها عن الحاجات التي تضعها في علّيّة البيت! سؤال أثار استغرابها أكثر، ولكن الأمّ أجابت بثقة: "كما تضع الناس؛ الأغراض التي لا نحتاج إليها لهذا الفصل". فأسرّت الناظرة للأمّ أنّ مهديّاً يخبر رفاقه عن صواريخ في العلّيّة -وإن كان في ذلك العمر يلفظها "صراويخ"- وأنّ الأب يحملها ليقاتل بها العدوّ الإسرائيليّ، ثمّ ينظّم الأطفال حوله بصفوف، ويمشي أمامهم ليدرّبهم على المشية العسكريّة وهو ينادي: "من أنتم؟"، فيجيبونه: "حزب الله".

تلك الليلة، طلب أبواه منه أن يضع شيئاً ما في العلّيّة، حمله أبوه ليرى ما في داخلها، ولمّا أنزله ظهرت عليه علاماتُ الانزعاج الشديد. وفي اليوم التالي، أخبر رفاقه أنّه لا يوجد صواريخ في العلّيّة!

حنكة الطفولة
كان إكمال الدراسة أولويّة لا يمكن التنازل عنها؛ فأكمل دراسته مع التحاقه بالعمل الجهاديّ. برزت لدى مهديّ ملامح ذكاء وحنكة وشخصيّة قياديّة باكراً؛ فهو لم يلعب بأيّ من الألعاب الإلكترونيّة التي حظي بها، بل صرف جهده على فكّها واكتشاف طريقة عملها. مضافاً إلى تمتّعه بشجاعة لافتة، فمنذ طفولته، لم يخشَ ظُلمة، أو مكاناً موحشاً، بل أحبّ المخاطرة..

لم تؤثّر الحركة المفرطة في انتباه مهديّ، الذي حرص أبواه على مناداة الجميع لاسمه بالفصحى، بل على العكس، كان يستطيع أن يتابع بدقّة كلّ ما يدور حوله، حتّى في الصفّ؛ ففي مرّة قام أستاذ مادّة الرياضيّات بحلِّ مسألة رياضيّة بطريقتَين مختلفتَين، وظنّ أنّ مهديّاً كان غافلاً عن الشرح، فطلب منه إعادة شرح المعادلة، فقام مهديّ وشرحها بطريقة ثالثة أذهلت أستاذه!

طرب الجهاد
بدأ مهديّ عمله الجهاديّ. فجأةً، تحوّل الولد الذي كان يمسكُ بيد أبيه إلى المسجد، وينتظر بحماسة أن يسلّم على الشيخ، إلى رجلٍ تقع على عاتقه مسؤوليّة بناء ذاته على أكثر من صعيد؛ فاشترى درّاجة ناريّة ولباساً عازلاً للمطر، ليتنقّل يوميّاً بين مركز عمله وجامعته، على الرغم من المسافة البعيدة بينهما، من دون كلل أو شكوى. أمّا الأنامل التي أجادت عزف النوتات الموسيقيّة بأسلوب رائع، فما عاد يؤنسها سوى صوت السلاح.

راية العقيلة
بذل مهديّ جهده للنجاح في كلّ مكان كان له دور فيه. ولأنّ التميّز كان حليفه في عمله الجهاديّ، فقد اختير لعدد من المهمّات الجهاديّة في أماكن مختلفة، اضطرّته إلى الغياب طويلاً عن بيته. وسرعان ما تزامن ذلك مع اندلاع الحرب في سوريا، والتي كان مهديّ من أوائل المجاهدين الذين التحقوا بها، وقد احتفظ بذكرى من تلك الأيّام هي راية من مقام السيّدة زينب عليها السلام، وفيها ثلاث دوائر محترقة جرّاء طلقات المعتدين.

من المقام، وجنباً إلى جنب مع الفصائل المدافعة عن الحرم، التحم مهديّ مع التكفيريّين لإبعاد الخطر المحدق بالمقام، وانتقل من هناك إلى العديد من المحاور، وكان له في كلّ محور أصدقاء، وجميعهم لهم معه أجمل الذكريات؛ فأينما حلّ مهديّ ملأ المكان بمرحه ومزاحه اللطيف، وحركته التي لا تهدأ.

خصوصيّة العمل
في الحرب، صار الفاصل الزمنيّ بين العمل والمنزل مليئاً بالشوق والانتظار، فكان كلّ مَن في المنزل يعتريه يباس وعطش، حتّى إذا ما سُمعت طرقته ارتسمت الابتسامة على وجوههم وسارعوا للقائه.

لم يخبر مهديّ أحداً أيّ شيء عن عمله، أو أين تكون غيباته الطويلة، فـ"الشغل" هي الكلمة الوحيدة التي تختصر كلّ شيء؛ تخبّئ خلفها معسكرات التدريب، وتختصر الكثير من المعارك في العديد من المناطق، وحكايات حصار أيّام طويلة كما في "نُبّل والزهراء"، وفي "خان العسل"، حيث قام بعمل يُعدّ استشهاديّاً بانتقاله في مكان مكشوف للوصول إلى المحمولة الوحيدة التي نجت من القصف، ليفكّ الحصار عن عدد كبير من المجاهدين، وكأنّه أينما كان يحمل في جعبته سهام مقارعة الشدّة حدّ الشهادة والنصر.

"خسرنا وربح الشهداء"
كلّ معركة تترك ندوبها في القلوب، وقلب مهديّ لم يعد يتّسع لها، خصوصاً بعد استشهاد صديقه الشهيد إبراهيم مسلمانيّ (عابس)؛ فلا يُذكر اسمه أمامه، إلّا وأجهش بالبكاء.

في ساحة التدريب أو في المعركة، أن يكون مدرّباً أو جنديّاً، الأمر سيّان بالنسبة إليه؛ فهو يسارع إلى تنفيذ ما يوكل إليه من مهمّات بحماس واندفاع كبيرَين، وكأنّ ساحة المعركة هي نزول إلى حقل لزرع بعض الشتول! وعلى الرغم من تعرّضه لمخاطر كثيرة في عمله كادت أن تودي بحياته، فقد كان يقول في كلّ مرّة يعود فيها إلى البيت: "خسرنا وربح الشهداء".

الصيام الأخير
كانت أيّام صيام قليلة قضاها مهديّ مع أهله في آخر شهر رمضان له. وفي أحد تلك الأيّام، ودّعهم قاطعاً إجازته. وعندما وصل إلى نقطة عمله، تفقّد جميع المجاهدين، وتأكّد من توزيع وجبات الإفطار عليهم. كان يريد أن يطمئنّ إلى أنّ جميعهم بخير، بل أكثر من ذلك، أراد في تلك الليلة أن يغدق عليهم الضيافة.

قسط الولاء
كانت تدمر آخر محطّاته الكثيرة. عندما كان ورفاقه المجاهدون يتحضّرون للهجوم، وإذ بهم يسمعون رشق رصاص ناحيتهم، فعرفوا أنّهم وقعوا في كمين لداعش.

كان مهديّ يجلس خلف صديقه، الذي ظنّ أنّه أصيب إصابة بالغة لكثرة تدفّق الدم عليه، ولما التفت خلفه، عرف أنّ دماء مهديّ هي التي كانت تسيل عليه!

كانت إصابته قاتلة، ولكنّها أبقت على نبض ضعيف حتّى نُقل على عجالة إلى المستشفى، حيث استطاع أهله وإخوته ورفاقه توديعه قبل أن يلتحق برفاقه الشهداء، وقد أدّى لهم قسط "الولاء".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع