نهى عبد الله
لم تفارق عينا سائق سيّارة الأجرة المرآة الأماميّة، إذ كان يراقب الراكب ذا القناع الطبيّ بحذر وحشريّة، وأحياناً بعبوس. بادره: "لماذا تخنق أنفاسك بهذا القناع؟".
- "للوقاية يا حاج".
- "الوقاية ممّاذا؟! إنّها مجرّد كذبة ولعبة سياسيّة كبيرة بحجم المنطقة بُنيّ".
- "أعداد المصابين تتزايد، وثمّة متوفّون، ثمّة قبور تُفتح، وعائلات تفقد أبناءها، ولا أسرّة شاغرة في المستشفيات".
- "ما زلتَ يافعاً لتفهم اللعبة، الموتى لا يتحدّثون، مَن قال إنّهم توفوا بسبب الوباء؟ كيف لنا أن ندري؟".
- "الوقاية إن لم تنفع، فهي لا تضرّ".
- "بُنيّ، كبِّر عقلك واخلعها، لكي لا تبدو ساذجاً بسيط الفكر".
- "في الحقيقة، لا أستطيع، فقد كنت مصاباً بالوباء منذ أسبوعين، وأنا الآن في طريقي لأخضع للفحص الثاني الذي سيحدّد إن ك..ن..تُ..".
وقبل أن يتمّ جملته، فجأةً دفعته قوّة توقُّف السيارة، ليرتدّ ويرتطم بظهر مقعده، فيما نظر إليه السائق بذعر مكمّماً فمَه بيدَيه الاثنتَين، محاولاً أن يصيح به: "ترجّل فوراً من سيارتي، ابتعد عنّي، هيّا انزل..".
حتّى المنكرون يعلمون الحقيقة، وبعضهم ينكر خوفاً من مواجهتها، لكنّها ستفرض نفسها على الجميع، عندما تلوّح من بعيد.
#الوقاية-مسؤولية