من الممكن أن تكون عبادات الإنسان لمدّة أربعين سنة غير صحيحة، حتّى بحسب الصورة، وتكون فاقدة لأجزائها الصوريّة الفقهيّة، فضلاً عن الآداب الباطنيّة والشرعيّة؛ بسبب ابتلائه بالوسواس.
وما يضحك الثكلى أنّ بعض الأشخاص المبتلين بالوسواس يرون أعمال جميع الناس باطلة، ويحسبون أنّهم لا يبالون بدينهم، مع أنّ هذا الوسواسيّ نفسه، إن كان مقلّداً فمرجع تقليده هو أحد هؤلاء الناس (بحسب نظرته)؛ وإن كان هو من أهل الفضل (العلم) فليرجع إلى الأخبار ليرى أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة الهدى عليهم السلامكانوا أيضاً في هذه الأمور كسائر الناس.
•الوسوسة خلاف الشرع
هذه الطائفة الوسواسيّة من بين الناس تعمل على خلاف منهج رسول الله والأئمّة المعصومين عليهم السلام، وفقهاء المذهب وعلماء الدين، وتُعدّ أعمال الناس جميعاً لا شيء، بينما تُعدّ عملها موافقاً للاحتياط. الوسواسيّون يرون أنفسهم وحدهم مبالين بالدين. فمثلاً في باب الوضوء، تتواتر الأخبار التي بيّنت وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى الظاهر بأنّه صلى الله عليه وآله وسلم يصبّ غُرفةً من الماء على وجهه، وغُرفةً على يمينه وغُرفة على شماله. وقد قام إجماع فقهاء الإماميّة على التحقيق بأنّ هذا الوضوء صحيح، وظاهر كتاب الله أيضاً كذلك. وقد استشكل بعضهم في غسل الوجه واليدين ثانياً، في حين أن لا بأس به وإن كان في استحبابه كلام، ولكنّ الغسل الثالث بدعة، ومبطل للوضوء بلا إشكال روايةً وفتوى.
انظر الآن إلى عمل الوسواسيّ المسكين، فهو لا يكتفي بعشرين غُرفة تسبغ كلّ واحدةٍ منها تمام اليد، وتُحسب غسلةً تامّةً، فوضوؤه حينئذٍ باطل بلا إشكال، فهذا الشقيّ ضعيف العقل يرى هذا العمل (الذي أتى به طاعةً للشيطان ووسوسته)، صحيحاً وموافقاً للاحتياط، ويرى أعمال سائر الناس باطلة. فمن هنا يُعلم وجه صدق الحديث الشريف الذي عدّه من السفهاء، فيُعلم أنّ من يرى العمل الذي يخالف عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صحيحاً، والعمل الذي يكون موافقاً لعمله صلى الله عليه وآله وسلم باطلاً، فهو إمّا خارج عن الدين، أو سفيه لا عقل له. وحيث إنّ هذا المسكين ليس بخارج عن الدين، فهو سفيه لا عقل له لا محالة، ومطيع للشيطان، ومخالف للرحمن.
•علاج الوسوسة
وبالجملة، لا بدّ للإنسان من أن يقتلع هذا الجذر بكلّ ما تيسّر له من الرياضة والجهد، فإنّه يمنع الإنسان عن جميع السعادات والخيرات.
وليس لهذه المعصية والداء العضال علاج سوى:
1- التفكّر في الأمور التي ذكرناها آنفاً.
2- مقارنة عمله بعمل المتديّنين والعلماء والفقهاء (رضوان الله عليهم)، فإن رأى نفسه مخالفاً لهم، فليرغم أنف الشيطان ولا يعتني بذاك اللعين.
3- إذا وسوس له الشيطان بأنّ عملك باطل يجيبه: إذا كان عمل جميع فقهاء الأمّة باطلاً، فليكن عملي باطلاً أيضاً.
4- أن يخالف الشيطان مدّةً، ويستعيذ في هذه المدّة بالحقّ تعالى، بالعجز والحاجة، من شرّ الشيطان، فمن المرجوّ أن يزول هذا المرض وتنقطع عين طمع الشيطان عنه.
وقد ذكرت الروايات هذه طريقة لدفع كثرة الشكّ الذي هو من إلقاءات الشيطان؛ ففي الكافي الشريف بإسناده إلى أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: "إذا كثر عليك السهو فامضِ على صلاتك، فإنّه يوشك أن يدعك، إنّما هو من الشيطان"(1).
وفي رواية أخرى عن الباقر أو الصادق عليهما السلام قال: "لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه؛ فإنّ الشيطان خبيثٌ معتاد لما عوّد، فليمضِ أحدكم في الوهم ولا يكثرنّ نقض الصلاة، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ". قال زرارة: ثمّ قال: "إنّما يريد الخبيث أن يُطاع، فاذا عُصي لم يعد إلى أحدكم"(2). وهذه من العلاجات المهمّة في جميع الأمور التي تكون من إلقاءات الشيطان ومن دعابات الواهمة الشيطانيّة.
5- في الأحاديث الشريفة أدعيةٌ مناسبة أيضاً، فمن أرادها فليراجع الوسائل ومستدركها في أواخر كتاب الخلل في أفعال الصلاة.
(*) من كتاب: الآداب المعنويّة للصلاة، الإمام الخمينيّ قدس سره، الباب الثالث، في سرّ النية وآدابها.
1. الكافي، الكليني، ج3، ص359.
2.(م.ن)، ج3، ص358.