بمناسبة تأبين سيّد شهداء الأمّة
سألتُ الجرح أن يمتدّ في عمري ويحمل وجهيّ الآتي
ويكتب كلّ أتعابي بجنح فراشةٍ بيضاء
يمسح همّي المدفون في الأعماق من ذاتي
فيا وجعاً تسمَّر فوق نافذتي وأبوابي
ويا حزناً حسينيّاً يكوّر ليلي الشاتي
ويا رملاً تلاهب خطوى أصحابي
ترفَّق لستُ من حجرٍ وأخشابِ
ترفَّق يا عباب البحر
ليس هناك غير دمعي وبقيّة من شراعاتي
سأرفعها بوجه الريح
علّي أهتدي لرفاق أحبابي
ترفَّق لستُ من حجرٍ وأخشابِ
سألت الدرب أن يمتدَّ بي
فأرى أصحاب الأمس حولي مثل ما كنَّا
نُخبّئ في زوايا المسجد المهجور أحرفنا
ونكتب بالدموع رؤى التراتيل السماويّة
ونخفَى في ظلال النخل خوفَ ألفَ أُميّا
ونفرح حين تأتينا وريقات مخبّأة
ونقرأ خلف كلّ إشارةٍ معنى
ونخشع حين نسمعها بقدسيّة
وكنَّا نفتح الجرح العميق وندفن الأسى على عطشٍ
لتهطل حولنا الأمطار
وكنّا نحمل الحزن ليحمل غيرنا الفرح النديّ
ويكثر النوّار
فيا ليلاً أقام بقلبي المضنى
وعدنا فيه أغراباً
تمرّ بدرب أغرابِ
ترفَّق فاحتضار الروح منّي بعض أتعابي
ترفَّق لستُ من حجرٍ وأخشابِ
سألتُ القلب أن يُبدي الأسى في لحظة الذكرى
وأن يبكي لعلَّ الأدمع الحرَّة
تُذيب جليده المدفون في أضلاعه سرّا
لعلَّ الأدمع الحرَّة تُذيب بمقلتيه القارَ والصخرَ
لعلّ جراحه تبرى
وأخبرني بأن نتفيّأ الجمرَ
لأنّ العاصفات إذا التوَت لا ترحم الصقرَ
وأنّ مشية العشّاق ترقبُ أن تضمّ الخطوة الحيرى
وأنّ الجرح يأبى أن تضمّده بليلٍ مقلةٌ عبرى
وأخبرني بأن الطفَّ ما زالت تردُ على ثراه الأضلع الحرّة
وما زالت ملطّخة هناك الأذرع البترى
وما زال الرضيع يذوب من عطشٍ
فتمسح وجهه الحورا
وما زال الحديد يأُنُّ
يُتقن مشية الأسرى
فيا نصلاً يمزّقني ويطلب من بقايا جثّتي الأجرَ
ترفَّق لستُ مجنوناً لأرقى القمّة الكبرى
ولكنّي سأفتح ذلك السترَ
وأبحر في شرايين الحروف لعلّني أقرأ
ملامحه وتلك الوجنة السمرة
وبسمته تضمّ بروعةٍ فجرا
وشيبته تفيض حنانه الأبويّ والطهرا
وجزءاً مثل طيف الشمس
يبدو لونه سحرا
على جرح الحقيقة ينثر العمرَ
ويسقيها على يبسٍ
لتحضنها أكفّ المتعبين نديّةً خضرة
ومن بعنائها أدرى
يرى الشمع المذاب بدربها دهرا
ومن أدرى
من الأوداج حين تعانق السكينةُ النحرَ
ومن أدرى
من القلب المدمَّى
إذ يغوص النصل في أضلاعه اليسرى
فيا طيفاً على أجفاننا مرَّ
سننسى ألف جرحٍ
ثمّ يبقى جرحك النازف لا يبرى
علي أبو رضا