مع الإمام الخامنئي | المبعث حيّ... ونحن مخاطَبون* بأيّ جديد سيأتي الإمام المهديّ عجل الله فرجه؟ * أخلاقنا | لا تُفسد قلبك بالحسد (1)* الشهيد سليماني...كيف قدّمته الصحافة العالميّة؟ زوجة الجريح... شريكة الجهاد إقصاء الشيعة من التاريخ اللبناني!* «كيــف سأعيش من دون والديّ؟» آخر الكلام | أوّل اختبار نصيحة زوجين: ليتنا تعارفنا جيداً! عقد الزواج عهدٌ والتزام

الشهيد على طريق القدس القائد محمّد إسماعيل (الحاج مجتبى)

نسرين إدريس قازان

 

الشهيد على طريق القدس القائد محمّد علي إسماعيل (الحاج مجتبى)

الاسم الجهاديّ: الحاج مجتبى.
الوضع الاجتماعيّ: متأهّل.
تاريخ الولادة ومحلّها: 8/11/1974م، السمّاعيّة.
تاريخ الشهادة ومحلّها: 26/9/2024م، الشهابيّة.

«من كان على شاكلة والدي، فلا غرابة أن يُستشهد ويُفقد أثره»، بهذه الجملة اختصر الابن حياة والده الشخصيّة والعمليّة التي لم تكن يوماً عاديّة. وتضيف زوجة الشهيد قائلة: «منذ أن دخل الحاجّ مجتبى إلى منزل والديّ ليطلب يدي للزواج، شعرنا من النظرة الأولى أنّ في وجهه نور الشهادة». أمّا ابنته الكبرى فتبتسم وتقول: «لم نعرف أنّ اسم والدنا الحقيقيّ هو محمّد إلّا حين دخلنا المدرسة! ظننّا وقتها أنّ ثمّة خطأً في السجلّات، لأنّنا كنّا نعرفه دائماً باسم (مجتبى)».

• أولويّة العبادات
«الحاجّ مجتبى»، القائد الترابيّ الزاهد الذي استضافتنا عائلته بمحبّةٍ لنقلّب معها صفحات حياته. كلّ موقف يفضي إلى مواقف كثيرة، وكلّ صفة فيه تبرز قيماً أخلاقيّة. لم تفارق الدهشة عينَي ابنته الكبرى وهي تستذكر: «كان متميّزاً بمداومته على الأعمال العباديّة والأذكار اليوميّة؛ فكلّما التزم بعملٍ جديد، أدرجه ضمن جدوله الزمنيّ. وأكثر ما رسخ في ذهني أنّ من بين أعماله اليوميّة قبل النوم: الصلاة على محمّد وآل محمّد ألف مرّة، وقراءة سورة الفاتحة هديّةً لروح الإمام الخمينيّ قدس سره ، والاستماع إلى ثلاث أو أربع محاضرات يوميّاً». تضيف زوجته: «كان ينظّم وقته بدقّة؛ يعود إلى البيت في ساعة معيّنة، يتناول العشاء، ثمّ يجلس ليدخّن النرجيلة وهو منهمك في مطالعة كتاب، إذ كان قارئاً نهماً، ويشاهد في الوقت نفسه برامج سياسيّة على التلفاز، ويدوّن بعض الملاحظات. كنت أستغربُ كيف يستطيع أن يجمع بين ثلاث أو أربع مهام في وقت واحد! ثمّ في وقت محدّد كلّ ليلة، يؤدّي أعمالاً عباديّة قبل النوم. وأكثر ما كان يدهشني، أنّه إذا استيقظ ليلاً، ولو للحظات، سرعان ما ينهض ليجدّد وضوءه».
تتنهّد ابنته وهي تتذكّر مسألة: «كلّما أعجبه كتاب، يحدّثنا عنه بحماس ويدعونا إلى قراءته. وفي اليوم التالي، يشتري كميّة منه ليوزّعها على رفاقه. أمّا أكثر الكتب التي أثّرت فيه، فكان كتاب «أسرار الصلاة»، فقد قال لنا مرّةً: (إنّ الحياة بعد قراءتي لهذا الكتاب لم تعد كما كانت قبله)».

• رجل البيت
يقول ابنه الوحيد: «ليس هذا انعكاساً لإرادته القويّة فحسب، بل تجسيدٌ لشخص مروءته كاملة؛ إذ كان لا يطلب العون ولو كان بحاجة إلى كوب ماء. وكما كان رجلاً خفيف الظلّ محبّاً للدعابة، كان أيضاً خفيف الحركة، نشيطاً لا يهدأ». وهنا، تستحضر زوجته لحظات من حياته اليوميّة معها في البيت، فتقول: «كنت أعود من عملي في المدرسة مع أولادي، فأجده قد حضّر كلّ مستلزمات الطعام. وإذا كان في البيت وقت الغداء، يساعدني في التحضير من دون تردّد. بل كان إذا تذوّق طبقاً جديداً في مكانٍ ما، يسارع إلى إيجاد وصفته فيحضّره لنا في البيت». تنضمّ الابنة الصغرى إلى الحديث ضاحكةً لتقول: «كان لا يتحمّل الفوضى ولو كانت بسيطة، فكلّما أخّرنا أمراً بسيطاً -كترتيب شيءٍ ما- حتّى نُنهي دروسنا، كان يبادر إلى ترتيبه بنفسه لأنّه لا يصبر على رؤيته كما هو. أتذكّر أنّي دخلت مرّةً إلى غرفة الجلوس لآخذ شيئاً، وكان جالساً فيها، ففاجأني قائلاً: (أتيتِ لترتيب هذه الكتب؟ ما أحلاكِ)، فانطلقت أنفّذ المهمّة وأنا ابتسم. وما إن أنهيت، حتّى قال لي بلطف: (لا بأس أن ترتاحي الآن، ويمكنك ترتيب الخزانة الصغيرة لاحقاً). بهذه الطريقة كان يجعلنا نقوم بمهام معيّنة».


انسحب هذا اللطف على علاقاته مع الآخرين، وخصوصاً الأطفال، فيخبرنا ابنه: «كان يتحيّن الفرص ليطلق العنان للطفل الذي في داخله، فتراه يلقي بكلّ شيء جانباً ليُسرع إلى اللعب معهم. في يوم أثناء حرب الإسناد، سمعنا صوت ضحك الأطفال عالياً في المجمع الذي نسكن فيه، فلمّا تتبّعنا مصدره، وجدناه يقود درّاجة هوائيّة صغيرة جدّاً، والأطفال يركضون خلفه ضاحكين. وكان لا يدخل المجمع إلّا ومعه حفنة من السكاكر يوزّعها عليهم، أو يعطيهم مالاً ليشتروا لأنفسهم ما يشتهون». وعن ذلك تقول زوجته: «عندما سكنّا في بلدة جبشيت لسنوات عدّة، كان أبناء الجيران يصفقّون مع أولادي عندما يأتي إلى البيت، وهم يهتفون بفرح: (إجا عمّو مجتبى)، لشدّة تعلّقهم به، وكان من بينهم الشهيد على الهادي حسين».

• روح القيادة
سلك الحاجّ مجتبى طريق المقاومة انطلاقاً من وعيه الدينيّ وقيمه الأخلاقيّة، وتأثّره الشديد بالإمام الخمينيّ قدس سره ، يقول ابنه: «بعد إنهائه دراسة الميكانيك المهنيّة، راح يتخصّص في علوم الفيزياء في الجامعة العربيّة، وكان في الوقت نفسه يخضع لدورات ويشارك في الأعمال العسكريّة، التي بدأت في المدفعيّة حيث أبدع. وقد لفت نظر السيّد ذو الفقار بسبب رسمه لمدفع بشكل دقيق، فرأى فيه روح القيادة والدقّة والتفاني في العمل. وبعد أن تنقّل بين محاور عدّة، تولّى مسؤوليّة الإسناد في الجنوب في العام 1997م، وكان يبلغ اثنين وعشرين عاماً فقط».
يكمل ابنه حديثه عن عمل والده بعد أن انتقل إلى العمل في الوحدة الصاروخيّة مع الحاجّ محسن: «لقد وثّق تجربته بنجاحاتها وإخفاقاتها، ليتعلّم من أخطائه، ويطوّر من أدائه، وانكبّ على متابعة تفاصيل عمله لمعالجة أيّ ثغرة قد تظهر، حتّى أنّه ربط بين ذاته وعمله ارتباطاً وثيقاً، إلى درجة التماهي الكامل معه». وعن روحيّته في العمل تخبرنا زوجته: «المسؤوليّة بالنسبة إليه تعني القيام بتكليفنا، حتّى لو كان مسح أحذية المجاهدين، وهذا لا يقلّ شأناً عن مسؤوليّة القيادة. أمّا مع المجاهدين، فكان أحنّ عليهم من الأب نفسه؛ يغوص في تفاصيل مشاكلهم ليجد لها حلّاً. وفي الحقيقة، كان دائماً يستقرض المال ليساعد بعضهم ويسدّ حاجاتهم، وكلّما علم الحاج محسن بذلك، بادر فوراً إلى مساعدته في تسديد جزء من ذلك القرض».

• وصايا خاصّة
ينتقل ابنه ليذكر لنا بعض وصاياه: «كان يتّصل بي كي يتأكّد أنّي ذهبت إلى المسجد، وكان يوصي والدتي بذلك أيضاً، فهو كان يرى في المساجد المتاريس الحقيقيّة للجهاد». كانت تلك الروح الهادئة التي لم تنزعج يوماً وما أغضبها شيء، ثمرة تسليمه المطلق لله، تقول زوجته: «كان دائماً يردّد: (إذا أراد الله شيئاً، ففيه المصلحة)، ثمّ تتابع: «كان يلجأ إلى حديث الكساء في كلّ أموره، ويوصينا بقراءته يوميّاً».
استشهد معظم رفاق الحاجّ مجتبى خلال سنوات الجهاد الحافلة بذكريات عميقة لا تتسّع لها السطور. وكان قد تلقّى إشارة إلى موعد استشهاده من أحد رفاقه الشهداء في رؤيا، جاء فيها رقم (50-51)، حتّى كان رباطه الأخير في حرب الإسناد، بعد نحو عام من العمل المتواصل، وتحديداً بعد تكليفه بمسؤوليّة الملفّ الصاروخيّ إثر استشهاد الحاجّ إبراهيم قبيسي «أبو موسى». وسرعان ما لحق به شهيداً مفقود الأثر، قبل أيّام قليلة من عيد ميلاده الخمسين.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع